"ها هنا الثورة" فيلم تونسي يثمن مبادرات فردية رائدة
نشر بتاريخ: 2018-08-05 الساعة: 08:50تونس- أ ف ب: تستند المخرجة التونسية تيسير بن نصر في فيلمها الوثائقي "ها هنا الثورة" إلى مبادرات تنموية فردية ناجحة لبعث الأمل على خلفية فشل الطبقة السياسية في تحقيق وعود ثورة 2011.
ويتوقع أن يعرض الفيلم في قاعات السينما في تونس اعتبارا من ايلول، بعد عرض أول خلال شهر رمضان.
واستغرق تصوير الفيلم 12 شهرا تنقلت خلالها بن نصر في مناطق تونسية عدة مطاردة مبادرات قام بها أشخاص او جمعيات وأحييت آمالا بالتغيير في المجتمع التونسي، وغيرت مجرى الحياة اليومية لعدد من سكان المناطق المهمشة.
وقالت تيسير بن نصر، "و عمل سينمائي وثائقي يثمن المبادرات الفردية المتنوعة ويدعو ألى ضرورة أن نتحرك، كل بما أوتي من قدرة من أجل مضاعفة هذه النجاحات لخلق نموذج مجتمعي تونسي عادل وأكثر إنسانية".
واضافت، "لدي رغبة في الحديث عنهم (أصحاب المشاريع) والحديث من خلالهم عنا، إنها شخصيات مناضلة وهي ملهمة للقدرة على الصمود".
وقالت المخرجة التونسية البالغة من العمر 32 عاما ن "الاقتصار على المطالبة بالحقوق الاجتماعية يعد انتحارا في ظل الوضع السياسي المتشنج والاقتصادي المنحدر وتفاقم الأزمات" في تونس منذ ثورة 2011.
واوضحت "يجب ألا نبقى مكتوفي الايدي في انتظار حلول قد لا تأتي (...) ما يدفع بالبلاد نحو المجهول" مؤكدة على "ضرورة التحرك كل من موقعه".
وبعد سبع سنوات من الثورة، لا يزال التونسيون يواجهون مشاكل البطالة والفقر وغلاء المعيشة التي تجعل حياتهم اليومية أكثر صعوبة يوما بعد يوم.
وعرفت تونس عدم استقرار سياسيا منذ الثورة، إذ تداولت تسع حكومات على السلطة منذ 2011، ولم تتمكن أي منها من إيجاد حلول للبطالة المستقرة عند 15 % ونسبة التضخم الذي بلغ 7,7 %، بحسب ارقام رسمية. وفي مطلع كانون الثاني/يناير 2018، أدى غلاء الاسعار وزيادة الضرائب الى موجة غضب تطورت إلى تظاهرات وأعمال شغب.
وجاء في استطلاع لشركة "سيغما كونساي" الخاصة في حزيران/يونيو الحالي أن نسبة التشاؤم عند التونسيين بلغت قرابة 86,2 % ، لا سيما عند الشباب بعدما كان قطاع الشباب محرك الاحتجاجات التي أطاحت بنظام بن علي قبل سبع سنوات.
لكن المخرجة الشابة تبدو متفائلة ومقتنعة بأن "المستحيل ليس تونسيا".
في فيلمها الوثائقي الطويل الاول، تتوقف عند تجربة غير مسبوقة في منطقة جمنة في ولاية قبلي (جنوب) حيث رفضت جمعية أهلية تونسية إرجاع حقل تمور كبير مملوك للدولة يضم أكثر من عشرة آلاف نخلة تتصرف فيها الجمعية منذ الاطاحة مطلع العام 2011 بنظام بن علي.
ويقول الاهالي إن الحقل "ملك اجدادهم" وإن المستعمر الفرنسي (1881-1956) انتزعها منهم ثم انتقلت ملكيتها إلى الدولة بعد الاستقلال.
ونظمت "جمعية حماية واحات جمنة" في تشرين الاول مزادا علنيا باعت خلاله محصول تمور الحقل بمبلغ 1,7 مليون دينار (أكثر من 700 الف يورو) بحضور نواب عن أحزاب ممثلة في البرلمان التونسي.
ومولت الجمعية مشاريع تنموية في المنطقة من عائدات بيع محصول التمور ما جعل سكان جمنة ونوابا في البرلمان يدافعون عن "حق" الجمعية في استغلال الحقل.
وفي فرنانة من محافظة جندوبة (شمال غرب)، رصدت كاميرا المخرجة يوميات استاذة لغة فرنسية نجحت في إرساء أساليب جديدة في علاقة التلميذ بالمربي وفق شعار "علمهم وهم يلعبون".
وقد ساهمت هذه العلاقة في تراجع العنف المدرسي وارتفاع نسب النجاح، بحسب مدير المدرسة في هذه المنطقة المهمشة المتاخمة للجزائر.
وتقول تيسير "بالاصرار والحوار المستمر داخل المدارس والمعاهد نقي الناشئة خطر الارهاب".
وشهدت تونس خلال السنوات الاخيرة تصاعدا في نشاط الحركات الجهادية المسلحة التي نفذت هجمات دامية استهدفت قوات الشرطة والجيش والسياح الاجانب.
وشكلت "جمعية الحلم التونسي" التي تديرها الشابة سارة التومي في منطقة بئر صالح (جنوب) هي الاخرى "نموذجا يحتذى به".
ومولت الجمعية مشاريع نجحت في "خلق ديناميكية ثقافية واقتصادية" في هذه المنطقة الريفية التي تعد نحو خمسة آلاف نسمة غالبيتهم دون عمل"، بحسب الناشطة سارة التومي.
وفي مرناق، في الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس، يروي الشاب أمين دراوي في الفيلم قصة تجربة "ايكو فارم" الفريدة في مجال الزراعة البيئية في تونس وطموحه في توسيعها إلى مدن تونسية اخرى.
وفي العاصمة تونس، تجوّلت كاميرا تيسير بن نصر في أرجاء المقهى الثقافي "ليبرتي" الذي يحرص على تجاوز الشكل التقليدي للمقاهي إلى برمجة نشاطات ثقافية وحلقات نقاش حول مواضيع آنية بهدف "رفع نسبة الوعي عند فئة الشباب ودفعه الى التفاؤل"، وفق ما قال غسان لعبيدي، صاحب المقهي حائز جائزة "افضل فضاء ثفاقي" خلال الدورة الاخيرة لايام قرطاج المسرحية.
وصفق الحاضرون طويلا للفيلم عند عرضه في فضاء سيني مدار في قرطاج في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس في إطار سلسلة من النشاطات الرمضانية.
وقال شكري، أحد الذين شاهدوا الفيلم، "الفيلم أنيق باخراجه ويبعث على التفاؤل وسط قتامة الأوضاع"، لكنه انتقد "غياب الدور السياسي خلال طرح المعالجة" في الفيلم.
ودافعت تيسير بن نصر عن موقفها قائلة إن "المبادرات الناجحة هي دروس للطبقة السياسية".
وهو رأي يشاطرها فيه الباحث التونسي في علم الاجتماع سنيم بن عبدالله الذي اعتبر "أن هذه المبادرات تبعث برسائل أمل وتعطي صورة أخرى عن الشباب بعيدة عن الصور النمطية وتقطع مع الاحكام المسبقة التي تختزل في مصطلحات العزوف والارهاب والهجرة".