الرئيسة/  مقالات وتحليلات

عهد رمز ام لوحة؟

نشر بتاريخ: 2018-08-01 الساعة: 08:51

بكر أبوبكر لا يستطيع انسان ان يفترض بذاته أنه معلم،أو انه فقيه، أو انه فنان، او أنه مفكر، اوانه حكيم او انه قائد.

العلم كنموذج مما سبق له مقوماته، والقيادة ليست منصبا رئاسيا او اداريا، بل مسؤولية وأتباع وتحفيز.

ولا يستطيع انسان ان يتشح بوشاح الفقيه أو المفكر او الداهية، فهذه مما يُكتسب وليس مما يُطلب فيوهب، فما من شهادة ورقية جامعية او قرار اداري تجعل منك اي مما سبق.

في السياق ليس كل قائد او معلم او فقيه او مفكر او بطل او شرير هو رمز مجاله، فالقادة كُثُر، وكذلك الابطال والفقهاء والشعراء والمبتكرين المخترعين والمبدعين، وعلى كثرتهم وتمايز كل منهم على غيره في ذات المجال، وفي سياق تمايز المجالات فان ليس كل منهم يشكل الرمز.

في الشعب الفلسطيني قادة سياسيين عظام حسب التعريف العلمي للقائد ولكن كم رمز لدينا؟

ان عددناهم نجد القسام والحسيني وابوعمار وابومازن وحبش وياسين ورموز الفصائل الاخرى، بضعة عشرات ورموز مناسبات، ولكن القادة كُثُر، وكذلك المناضلين وقِس على ذلك الرموز في مجال الطب او الفيزياء او الاحياء او التعليم اوالنضال النسوي او الرمز الطلابي او الرياضي او....الخ من مجالات الرموز المتعددة.

الرمزية (الايجابية او السلبية) لا تكون الا لقلة من الاشخاص، وقد تكون للأشياء وللمعاني ايضا، وقد تكون للشعوب وللجماعات، (الشعب الفلسطيني والفيتنامي والجزائري والايرلندي رموز للشعوب المناضلة).

وما يهمنا هنا فكرة الرمز الشخص فهو لا يولد كذلك كما لا يولد بطلا او عالما اواداريا متميزا وانما تحكم "ظهوره" على سواه وان فاقوه بالمجال عوامل ليست بالضرورة ذات صلة بالمجال مباشرة.

لنضرب المثال في رمزية "اديسون" كنموذج للعلماء، فان اخذت بالاعتبار الفشل فهو فاشل! لانه اجرى ١٨٠٠ تجربة فاشلة قبل ان تنجح التجربة الاخيرة للمصباح، ولكنه اصبح رمزا للعلماء بما هو خارج عن منطق النجاح السريع ان كان المعنى فيه، وان كان للجهد والنتيجة ان رمّزتُه فلا تنطبق على غيره ممن فشل ونجح.

 لذا نقول انه بالاضافة للعوامل الذاتية (الشخصية من حيث الشكل والصوت واللبس والحركات والايماءات، وطبيعة العمل وتقييمه....) فهناك عوامل تداخل المحيط والحدث والجماهير ورغبته في الصنع للرمز، او تقبله للصناعة، او توقه لها، فالرمز يُبنى كالعمارة حيث الاساس والاعمدة والسقف.

من الرموز من يرسمه أساس حدث محدد فقط، فلسطينيا مثل مثل محمد ابوخضير او محمد الدرة او فارس عودة او غيرهم ويظل مرتبطا بالحدث، ومن الرموز من اختطت طريقها بأن حفرت الصخر بيديها وصنعت "الأساس" والاعمدة وحملت القضية على ظهرها حتى ناء بها الحمل واطبق عليها السقف كما الحال مع عبدالناصر وابوعمار وكاسترو وبن بيلا والقسام ومانديلا والافغاني وخيرالدين التونسي والبنا وغيرهم ممن نتفق او نختلف معهم.

لكن بُناة هذا النوع اي بُناة الرمزية من "الأساس" ما تأتّى لهم ذلك الا ١بجهدهم وعملهم وشغفهم، ٢ومواصفاتهم الشخصية الخاصة وجماهيريتهم، و٣بالتوق او الشغف الشعبي والحاجة الواقعية الزمانية والمكانية لهم، اي هذه الثلاثية السحرية هي من نقلتهم من مرحلة النضالية او العلمية او القيادة الى الزعامة فالرمزية.

مجالات الترميز عديدة فرمز الطب غير رمز الجمال او رمز الطيبة او رمز النضال او رمز السياحة او رمز المحبة او رمز الشعر...الرموز متعددة ولكنها في جميع الاحوال من بين المبرزين في المجال قليلة، وتصنع ذاتيا ولعوامل مجدولة في حبل متين، ما ينطبق على هذا لا ينطبق على ذاك كما اسلفنا.

جنكيز خان عند أمته رمز للبطولة والقيادة والفروسية، ولدينا رمز للشر والبطش، وقس على ذلك جابوتنسكي وبيغن وهتلر وهرتزل، فلا يعني رفضي لرمزية فلان او اتجاه رمزيته انها غير موجودة.

تتداخل العوامل الذاتية وطبيعة الحدث مع رغبة الجماهير او اقبالها وحاجتها، ومع معطيات حول الحدث في اظهار الرمز دون سواه.

كل هذا التقديم الفلسفي أقدمه لأن حجم الافتتان والذي يقابله الهجوم على الطفلة أو الفتاة عهد التميمي قد أثار مواقع التواصل الاجتماعي بمنطق المغالاة الى حدود السفه، والى الدرجة التي لم يجد معها البعض الخائب الا اللطم على نفسه وأمته،وفي المقابل من شتم ورفض وتطرف.

المهم بالرموز التي نفخر بها أو نحبها أو نقدرها هو النمذجة والاقتداء، والمهم بالرموز السيئة هو البعد والاتقاء، اما المغالاة فهي ضد وسطية الوعي الذي يجعل درب نضالنا في فلسطين تشعل جذوته الحالية من جذوة سبقتها فتظل نار ثورتنا مشتعلة حتى النصر.

انك لا تصنع ما لا تملك، ولا تستطيع هدم ما يُصنع، ولن تهزم رمزية! أكنت معها ام ضدها فالحبل المشدود لا يتشكل بالأنامل فقط، أو بنقرات على الحاسوب، كما لا تتشكل "الصورة" باعتلاء ركح الفضائيات فقط، أو لسبب قماش اللوحات الجميلة.

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024