الرئيسة/  مقالات وتحليلات

«تسوير» الفوضى السورية

نشر بتاريخ: 2018-07-04 الساعة: 09:48

عبير بشير تصوغ الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل اتفاقاً يضمن للرئيس السوري بشار الأسد الاحتفاظ بالسلطة، مقابل تقديم روسيا تعهدات بكبح جماح النفوذ الإيراني. وجاء تأكد بنيامين نتنياهو أن حكومته ستطالب بتطبيق اتفاق فك الاشتباك، الموقع مع دمشق العام 1974 بـحذافيره، في إشارة جديدة إلى ضوء أخضر إسرائيلي لسيطرة القوات النظامية على المناطق المتاخمة للجولان المحتل.
وأصبح كبح جماح القوة الإيرانية الهدف الوحيد الكبير لإدارة ترامب في سورية بعد أن أوشك تنظيم "داعش" على الاختفاء تماماً. ويبدو الرئيس ترامب على استعداد لإقرار سياسة تضفي شرعية على الأسد، والتخلي عن المعارضة السورية التي تولت الولايات المتحدة تدريب وتوفير السلاح لجزء منها، من أجل الحفاظ على أمن إسرائيل وراحتها. وهذا ما أدركه النظام السوري باكرا، ولعب على وتره ببراعة، حيث إن النظام على دراية وخبرة كاملة، بأن خوف الولايات المتحدة على إسرائيل وأمنها، أهم وأقوى بكثير من رغبتها بدعم الثورة السورية ضد النظام. ابن خال الرئيس السوري رامي مخلوف قال يوما حرفيا، إذا لم يكن هناك استقرار في سورية، لن يكون هناك استقرار في إسرائيل، ولا أحد يستطيع أن يضمن أمن إسرائيل إذا حصل شيء لهذا النظام.
وفي واشنطن، توقع مستشار البيت الأبيض للأمن القومي جون بولتون أن يتوصل الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين خلال لقائهما الشهر الجاري، إلى اتفاق على انسحاب القوات الإيرانية من سورية. 
ورداً على سؤال إن كان الرئيس السوري بشار الأسد حقق انتصاراً في الحرب الدائرة في بلاده، قال بولتون، بصراحة، لا نعتقد أن الأسد يمثل مشكلة إستراتيجية، مشدداً على أن المشكلة تتمثل بإيران، وأوضح، الحديث لا يدور فقط عن برنامجها المستمر لتطوير الأسلحة النووية، وإنما كذلك عن دعمها الكبير والمتواصل للإرهاب الدولي، وكذلك عن وجود قواتها في الشرق الأوسط.
الوضع الكارثي لسكان الجنوب - فرار مائتي ألف سوري، من مدنهم وقراهم منذ بدء هجوم قوات نظام الأسد والطيران الروسي على الجنوب، واتخاذ الأردن قراره بمنع دخول الفارين السوريين إلى أراضيه، وإعلان إسرائيل رفض مرور الفارين إلى أراضي الجولان الذي تسيطر عليه إسرائيل-، هو ثمرة الاتفاقات الدولية، التي أعطت ضوءاً أخضر لنظام الأسد لشن الحرب على الجنوب واستعادة السيطرة عليه، وإنهاء وجود المعارضة المسلحة في الجنوب.
وتأتي معركة الجنوب السوري وسط تواطؤ دولي واضح، على إنهاء ملف الفصائل من الساحة السورية وتوزيعه وفق خيارين، إما أن تتحول فصائل الجيش الحر إلى شرطة محلية تحت السيادة الروسية في درعا والجنوب، كما هو حال فصائل الشمال التي استسلمت للسيادة التركية في إدلب وريف حلب، أو اندماج جزئي أو كلي مع جيش النظام، الذي عقد صفقات متتالية، وعلى أكثر من محور، لضمان عودة سيطرته على حدود سورية المفيدة.
وهذه نهاية متوقعة، منذ أن استسلمت المعارضات المسلحة إلى رغبة مشغليها، وعملت على انتزاع شعلة الثورة في مناطق نفوذها، ليحل مكانها اتفاقات آستانة، ومناطق خفض التصعيد، ومن ثم تطورت تحت الضغط العسكري إلى ما يسمى المصالحات المحلية، كما حدث في الغوطتين الشرقية والغربية، وريف حمص. 
وتشهد الحرب السورية فصلا جديدا، تدور أحداثه على الحدود والمعابر. فضربة إسرائيل للقوات السورية والحرس الثوري والحشد الشعبي و"حزب الله"  في منطقة الهري القريبة من معبر البوكمال بين العراق والأراضي السورية، كان هدفها تدشين مرحلة جديدة عنوانها، منع طهران من الاستفادة من فتح الحدود البرية مع العراق، لاستقدام المقاتلين الشيعة، والأسلحة والصواريخ التي تخزن في مواقع متفرقة في سورية.
كما أن موافقة إسرائيل على دخول جيش النظام السوري إلى درعا، جرى عبر اتفاق روسي - سوري وبموافقة أميركية. مع إعطاء ضمانات روسية بابتعاد الإيرانيين والميليشيات الموالية لهم، عن الحدود السورية - الإسرائيلية إلى العمق السوري. 
وتحت شعار حماية الحدود التركية مع سورية، تتم أيضاً التحركات العسكرية والسياسية التركية، وتم الاتفاق بين أنقرة والأميركيين على تسلم القوات التركية مدينة منبج، والمعبر الحيوي في الشريط الحدودي، من القوات الكردية، وتسيير دوريات مشتركة أميركية تركية هناك. والتمهيد لحل مماثل في مدينة تل رفعت يقضي بسحب قوات النظام منها والميليشيات الموالية لها.
حتى محاولات إخراج إيران والحوثيين من مدينة الحديدة اليمنية ومينائها، يدخل في إطار ترسيم الحدود الدولية، وتسوير حدود نفوذ طهران السياسي  والجغرافي، الذي قام على فتح الحدود، بالبدء بإغلاقها.
وبعد نحو أسبوعين من التصعيد العسكري في محافظة درعا، في جنوب سورية، تجد الفصائل المعارضة نفسها أمام خيارات أحلاها مر، بعد تخلي الولايات المتحدة عنها كليا، وإحراز قوات النظام تقدماً ميدانياً، بدعم جوي روسي.
وتطالب فصائل المعارضة السورية في الجنوب في جولات التفاوض التي تجري مع ضباط روس بواسطة أردنية وعلى وقع الضغط الناري من ثلاثة محاور، بحفاظها على السلاح المتوسط والخفيف وإدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها والمشاركة في إدارة معبر نصيب الحدودي مع الأردن، وهو ما يرفضه الروس الذين يدفعون باتجاه توسعة مروحة المصالحات التي عقدت في ثماني بلدات في الريف الشرقي لدرعا، غير أن الروس قدموا مقترحا جديدا في عملية التفاوض المستمرة، يجري التشاور حوله، يعرض تسليم السلاح الثقيل والمتوسط والانضمام إلى الفرقة الخامسة التي أنشأها الروس لمحاربة "داعش".
ويقول الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر، تواجه الفصائل خيارات أحلاها مر، بين التفاوض مع الطرف الروسي، بواسطة الطرف الأردني، أو استمرار المقاومة العسكرية التي ستنتهي بالتفاوض تحت المزيد من الضغط العسكري.
ويتوقع الباحث نوار أوليفر، أن يكون السيناريو المطروح أمام فصائل الجنوب مختلفاً عن بقية المناطق، بحكم الموقع الجغرافي للمنطقة وأهميتها الإستراتيجية على الحدود مع إسرائيل والأردن.
 ويوضح أن غرفة "الموك"، وهي تسمية تطلق على غرفة عمليات أردنية - أميركية مقرها عمان، ستتدخل، بما يعني أن موضوع تهجير الفصائل المسلحة، سيناريو بعيد جداً عن التطبيق، والمرجح أن يتحول المقاتلون إلى شرطة مدنية في الريف الغربي لدرعا، حيث من المتوقع أن تنكفئ الفصائل على أن يكون لها دور في قتال "داعش"، الموجود في جيب في جنوب غربي درعا.
إذاً، نحن، اليوم، أمام مشهد نهاياته ليست مغلقة بالكامل، بل هي سيناريوهات تحقق معادلة واحدة في نهاية المطاف، تسوير الفوضى السورية داخل حدود سورية.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024