الرئيسة/  مقالات وتحليلات

هل سقطت الفرضيات المُؤَسِسَةِ لـ "صفقة القرن"، وكيف؟

نشر بتاريخ: 2018-07-02 الساعة: 12:05

عريب الرنتاوي بنى جارد كوشنير، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي وصهره وفريق  البيت الأبيض العامل معه، مقاربتهما لحل أزمة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على فرضيتين اثنتين: الأولى؛ أن تقديم حزمة إغراءات اقتصادية يصعب رفضها ، كفيل بدفع القيادة الفلسطينية للقبول بـ"مبادرة ترامب"، سيما إن كانت مشفوعة برزمة من العقوبات اقتصادية في حال إصرار هذه القيادة على رفض الصفقة ... والثانية؛ إدخال دول عربية حليفة للولايات المتحدة، وتحديداً "رباعي الاعتدال العربي"، إلى حلبة المفاوضات إلى جانب الفلسطينيين أو نيابة عنهم، وأقصد بالرباعي كل من السعودية ومصر والأردن والإمارات العربية المتحدة.

ومنذ مجيء إدارة ترامب إلى البيت الأبيض وتكليف كل من جارد كوشنير وجيسون جرينبلات، من دون أن ننسى السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، وهذه "الترويكا" تعمل ما بوسعها على صياغة ما بات يٌعرف بـ "صفقة القرن"، وإعادة صياغتها من جديد، بعد كل جولة مكوكية بين عواصم دول المنطقة، ودائماً بالتنسيق مع حكومة نتنياهو.

لكن حصاد الجهود التي بذلت طوال أزيد من عام على البدء بوضع النقاط فوق حروف "المبادرة"، يشِفُ عن خطأ الفرضيتين كلتيهما ... فلا الفلسطينيون تراجعوا عن موقفهم الرافض للمبادرة، بل واستتبعوه بقرار قطع الاتصالات مع الإدارة الأمريكية، بعد السادس من ديسمبر عام 2017 عندما أعلن الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وقراره نقل سفارة بلاده إليها ... ولا الدول العربية المعتدلة، أبدت رغبة أو حماسة ظاهرتين للتساوق – علناً على الأقل – مع المبادرة المذكورة، أو هي أظهرت الاستعداد للتفاوض نيابة عن الفلسطينيين، أو حتى ممارسة أعلى قدر من الضغوط عليهم لثنيهم عن مواقفهم.

لقد اصطدمت رهانات كوشنير وفرضياته، بجدار مسدود، وعاد من آخر جولاته المكوكية في المنقطة بـ "قليل من الحمص"، حتى لا نقول "بخفيّ حنين"، ومن الواضح تماماً أن مبادرة ترامب بدأت بالترنح، وربما تسقط وتحرر شهادة وفاتها، قبل أن ترى النور... والأرجح أن هذه المبادرة، قد أضفت مزيداً من التعقيد والحساسية، على أزمة هي بحكم طبيعتها، من بين أكثر أزمات المنطقة تعقيداً وإثارة لشتى أنواع الحساسيات.

لكن وبدل أن تعترف الإدارة و"الترويكا" الأمريكية المكلفة بإدارة هذا الملف، بالفشل والسعي لاستنقاذ الموقف من جديد، وقبل فوات الأوان، نرى أنهما مصرتان على الإمعان في سلوك نفس الطريق على أمل الوصول إلى نتائج ونهايات مختلفة ... كوشنير، يعتقد أو يزعم – لا فرق – بأن المشكلة تكاد تنحصر بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولهذا قرر مخاطبة الشعب الفلسطيني مباشرة من خلال مقابلة نادرة مع صحيفة "القدس" المقدسية، في حين يدرك القاصي والداني، أن عباس شخصياً هو الأكثر اعتدالاً في الإطار القيادي الفلسطيني والأكثر رغبة في إتمام "صفقة سياسية" لطالما كانت رهان حياته كلها ... ينسى كوشنير أو يتناسى، أن مواقف السلطة من "صفقة القرن" وقرار ترامب حول القدس، وقطع الاتصالات مع الإدارة الأمريكية، تحظى بأوسع ترحيب وتأييد من قبل غالبية ساحقة من الفلسطينيين في الضفة والقدس وغزة، كما في دول المنافي والشتات.... لا بل أن غالبية الشعب الفلسطيني، تطالب عباس والقيادة الفلسطينية باتخاذ مواقف أكثر تشدداً حيال واشنطن ومبادرتها ووساطتها.

سقط رهان كوشنير والإدارة الأول، على "تطويع" الموقف الفلسطيني، باللجوء إلى تكتيك "العصا والجزرة" الذي اتبع حيال السلطة بكثافة، خصوصاً في الأشهر الماضية، التي شهدت تجميد المساعدات الأمريكية لها وللأونروا، فضلاً عن قرار الإدارة بخصوص مكتب منظمة التحرير في العاصمة الأمريكية واشنطن، وانسحاب الولايات المتحدة من اليونيسكو ومجلس حقوق الانسان، انتصاراً لإسرائيل، في مواجهة السلطة الفلسطينية وحلفائها.

أما الرهان الثاني، ويتعلق بما يمكن للدول العربية أن تفعله للضغط على الفلسطينيين للقبول بمبادرة ترامب والتساوق معها، أو القيام بأدوار تفاوضية نيابة عن الفلسطينيين ... هذا الرهان، تكرر سقوطه مرات متتالية في فترة قياسية، في قمة الظهران العربية واجتماعات وزراء الخارجية العرب المتكررة، وفي قمتين إسلاميتين متعاقبتين، استقبلتهما تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان ... وبدا واضحاً لزعماء الدول موضع الرهان، أن "صفقة القرن" يصعب ابتلاعها وهضمها وتسويقها، وأن من يتورط في مهمة كهذه، من شأنه أن يحرق أصابعه في نارها، من دون نتيجة ترتجى.

وحتى بفرض صحة المعلومات (التسريبات) عن استعدادٍ أبداه محمد بن سلمان أو محمد بن زايد للإدارة الأمريكية لتليين المواقف الفلسطينية، فقد استشعرت قيادتا البلدين، أن مهمة كهذه، قد تكون مكلفة لهما كثيراً، وهما المنخرطتان في صراعات محتدمة مع محور إيران وحلفائها ومحور قطر – تركيا – الإخوان المسلمين، وكان واضحاً أكثر، في الحالة السعودية بخاصة، أن الملك سلمان، لطالما تعمد بث رسائل تستبطن خلاف مع يقوله نجله وولي عهده أو يتعهد به، بالنظر إلى إدراكه الأعمق، بخطورة التورط في تسويق حل نهائي للمسألة الفلسطينية، يصفه الفلسطينيون بـ"التصفوي" ويرى فيه المسلمون وكثرة كاثرة من مسيحيي المنطقة، بأنه ينطوي على تفريط بالقدس، مفتاح الحرب والسلام على حد تعبير الملك عبد الله الثاني.

صحيح أن واشنطن لم ترفع الراية البيضاء بعد، وليس من المتوقع أن تعترف بفشل خطتها أو بقلة خبرة ودراية الفريق المكلف بإعدادها والترويج لها ... وصحيح أيضاً، أن ثمة محاولات كبرى تبذل لثني الفلسطينيين عن مواقفهم، وإقناع الدول العربية بتقديم مزيد من الدعم والتسهيلات للفريق الأمريكي ... بيد أن الصحيح كذلك، أن فرص نجاح المحاولات الأمريكية الجديدة لن تكون أفضل من سابقاتها، والمرجح أنها ستنتهي إلى طريق مسدود.

لقد توافق العالم بأسره، على معايير الحل النهائي لقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحملت قرارات الشرعية الدولية المتراكمة معالم هذا الحل ومعاييره، واستبطنت الاتفاقات المبرمة في سياق عملية السلام الممتدة لقرابة الثلاثة عقود، أسس وأركان الحل النهائي، والتي تبدأ بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية الذي بدأ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، لكن إدارة ترامب ضربت عرض الحائط بكل هذه المرجعيات، وسعت في استبدالها بمرجعيات قررتها من جانب واحد، ومن دون تشاور إلا مع الجانب الإسرائيلي ... ولهذا السبب لم يكن غريباً أن تظهر واشنطن معزولة في المحافل الدولية، وأن تبدو مواقفها خروجاً عن الإجماع العالمي، وألا تجد من بين حلفائها الأقربين، من يؤيدها في مبادرتها وقرارها بشأن القدس.

وإذا كان الفلسطينيون قد اعتادوا عبر سنوات وعقود من صراعهم في سبيل الحرية والاستقلال، على مقارعة مواقف أمريكية منحازة لإسرائيل، إلا أنها المرة الأولى التي يجدون فيها أنفسها في مواجهة مع موقف أمريكي منحاز لليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفاً، دينياً وقومياً، وأمام "ترويكا" أمريكية، أكثر تشدداً من الترويكا الحاكمة في إسرائيل ذاتها، فمواقف السفير الأمريكي في إسرائيل، تقابل بالاعتراض والامتعاض من قبل معسكر اليسار الإسرائيلي، ومعارك السفير مع صحيفة "هارتس" اليسارية الإسرائيلية، تفضح درجة تورطه في الانحياز إلى جانب غلاة اليمين المتطرف في المجتمع والحكومة الإسرائيليين.

إن أرادت واشنطن حقاً إغلاق ملف القضية الفلسطينية، أطول الصراعات والأزمات المفتوحة في المنطقة وأقدمها، وإن هي أرادت لدورها كوسيط وراعي لعملية السلام أن يستمر، فما عليها سوى أن تخطو خطوتين للوراء، فتعيد النظر في المبادرة التي يجري تسريب بنودها تباعاً، وتعيد تعريف موقفها من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ليقتصر على القدس الغربية دون الشرقية، وأن تفتح الباب لشركاء دوليين وإقليميين، للمساهمة في رعاية عملية السلام والتوسط فيها، وبخلاف ذلك، لن يكتب لهذا الصراع المتقادم، أي انفراج في المدى المستقبلي المنظور، ولن يكون بمقدور واشنطن مواصلة دور الوسيط والحكم.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024