الرئيسة/  ثقافة

"قالب كيك" .. جولييت عواد تعود إلى خشبة المسرح حاملة حكايات فلسطين والمقاومة وأشياء أخرى

نشر بتاريخ: 2018-06-19 الساعة: 08:32

رام الله- الايام- "كلنا بنتبهدل بلا البلاد، مقهورة بدي أعمل أي إشي. بدي أشارك مع اللي بناضلوا، ما بطلعلي؟ مش أنا مواطنة وبحس وبتوجع والبلاد بلادي؟ .. ردي عليّ جوزي: انكسحي بالبيت وربي الولاد .. أربيهم على الذل؟، طاخ وبهذاك الكف، قهرني، وصغر بعيني لما قعد بالبيت. قلت له في ناس حاطة روحها ع كفها وبتستشهد، وناس بتفطس وهي قاعدة".

ما بين الدقيق والبيض والزيت والفانيلا والبيكنغ باودر وكوب من عصير البرتقال في رحلة لإعداد "قالب كيك" لحفيدتها، تأخذنا الفنانة القديرة جولييت عواد في المسرحية التي أعادتها بعد غياب قارب الربع قرن إلى "الخشبة"، إلى حيث ذكرياتها الحقيقية والمتخيلة ربما، ما بين ماض وماض أقدم، فتراوح مستندةً على نص ذكي للروائية سميحة خريس، ما بين مكونات القالب ومكنوناتها الذهنية والشعورية للحديث عن فلسطين والحرب والسلام ومعاهدته والإرهاب واضطهاد المرأة، وأشياء أخرى، في عمل أخرجته الفنانة المميزة د. مجد قصص، صاحبة الخبرة المسرحية الطويلة، وشاركتها الفنانة الشابة سارة الحاج بدور الحفيدة غير المحوري، وبالغناء الحي المرافق للمشاهد التي تتسلل إلى دواخلنا دون أن تطرق الباب طالبة الإذن بذلك.

وتبدأ المسرحية بتلقي المرأة (جولييت عواد) مكالمة هاتفية من ابنها، وخلال المكالمة تطلب منها حفيدتها "قالب كيك"، ومن هنا، وهي تبدأ في الإعداد لهذا القالب، تتحدث في تسعة فصول عن وحدتها، و"التخطيط الفاشل لأمور البلد"، وذكريات المراهقة ما بين مدرسة ومعاكسات شبان، وكذلك عن الحرب وكذب الإذاعات العربية بخصوص هزيمة إسرائيل، كما تتذكر رغبتها في المشاركة في المقاومة، وما واجهته من مقاومة عنيفة ضد رغبتها هذه من والديها بداية ثم من زوجها، كما تتحدث عن "المؤامرات"، ودخول التلفزيون إلى منزل العائلة، والإرهاب والأفكار المتطرفة، والاضطهاد المجتمعي المتواصل للمرأة، و"معاهدة السلام" بين الأردن وإسرائيل، ومحاولات "تقسيم البلاد بتقسيم القدس ما بين شرقية وغربية"، وعودة الأمل بالانتفاضة تلو الانتفاضة في فلسطين.

"لما كان الراديو يزغرد بالنصر كانت البلاد بتضيع"، قالت المرأة في المشهد الرابع، وهنا لا بد من الإشارة إلى استخدام لفظ "البلاد" الذي يبدو ليس دارجاً إلا في فلسطين للحديث عنها بالتحديد، فالدول العربية المجاورة وغير المجاورة لا تصف بلدانها بـ "البلاد" .. وتابعت "طلع كله كذب بكذب. كذب بكذب. ومن بعد ما كنا طايرين وقعنا في حفرة عميقة وسودة. وقعنا وانكسرت قلوبنا. أخوي استشهد بالحرب. سامحته عالبيض اللي أكله، والساعة اللي حبسني بدقاتها، وسامحته ع الضرب. راح شهيد رحمة الله عليه، وظل غصة بقلبنا .. عيار الطحين في الكيك لازم يكون مضبوط. إذا زاد بتصير الكيكة ثقيلة مثل رصاص الحرب".

هكذا ولدت المسرحية
الروائية سميحة خريس أشارت في حديث خاص لـ "أيام الثفافة" إلى أن "فكرة هذا النص المسرحي ولدت في عمل سابق، فبعد عرض مسرحية أوركسترا التي كتبت نصها وأخرجتها مجد القصص وشارك في تقديمها جمع من الصبايا الرائعات اضافة لممثل قدير، كنا نشعر بردود فعل ايجابية بعد كل عرض، ولكن أجمل رد فعل جاء، حين قالت الفنانة الكبيرة جولييت عواد: اكتبي لي نصاً مسرحياً. . أوضحت عواد رغبتها أيضاً للمخرجة، ونحن لم نشاهد جولييت على المسرح منذ أكثر من عشرين عاماً، فقد اختطفتها دراما التلفزيون، ولكن الفكرة كان فيها الكثير من التحدي الكثير، وقد لاقت استجابة لدى المخرجة ولديّ، وبدأت في كتابة الفكرة على أساس أن يكون العمل مونودراما خاصة بالفنانة جولييت عواد، ولما كنت أرى أمامي خبرة العمر والوعي السياسي الكبير عندها فقد ألهمني ذلك لكتابة فكرة " قالب كيك"، ولا اخفيكِ أنني خفت وأنا أكتب، فقد نمطت الدراما أدوار المرأة المتقدمة في السن، ولم أكن على دراية بمدى الحيوية التي يمكن أن تجعل جولييت تقف على المسرح لخمس وخمسين دقيقة، ولكني كتبت بحرية وقلت لِنرَ، ثم إن الرؤية الإخراجية لمجد القصص رأت أن نتحرر من مسرح المونودراما ونذهب إلى ايجاد شخصية أخرى تمثل ذاكرة الفنانة أو صوتها القادم من تاريخها الطويل، فكان أن شاركت بالعمل الفنانة المبدعة صاحبة الصوت الآسر سارة الحاج".

وقالت خريس: لا أؤمن بكتابة عمل على مقياس فنان محدد، ولكن هذا العمل تحديداً كتب من أجل جولييت عواد، وأعتقد أنه فجر طاقات كامنة واستخرج منها الطفلة والشابة والحكيمة والمناضلة والمواطنة والمرأة الأم والزوجة .. تمكنت جولييت من تقديم توليفة لشخصية المرأة باقتدار عجيب، وكما قالت المخرجة أن التعامل مع الفنان صاحب الخبرة يمنح العمل كثيراً من الفائدة، لقد كانت تشعر بعمق بكل كلمة كتبت وكل اضافة اخراجية، وللحقيقة يجب القول إن مجد كمثابرة وفنانة تعاملت مع هذا العمل بوعي ومنحته من أعصابها وخبراتها الكثير، لقد كنت محظوظة بالتعامل مع قمتين فنيتين.

واضافت: المسرحية تتطرق إلى ذكريات الجدة وحاضرها .. بالمناسبة ليس هناك ذكريات او حضور للحفيدة إلا كموضوع تذكره الجدة، مؤكدة: يعالج النص الهم العربي، وفي قلبه قضية فلسطين، وإذا كانت رسالة محبة فهي في البداية لأنفسنا، لأن فلسطين منا ولنا .. لا يمكن النظر إلى القضية كأنها خارجنا فنتوجه إليها بالحب أو سواه من المشاعر، قضية فلسطين في صلب هويتنا العربية، ولأن عالمنا يضج بالقضايا الأليمة اليوم حتى بات الانتباه مشتتاً، فإن علينا ككتاب وفنانين أن نعيد الانتباه إلى الأصل، أن نصحح البوصلة كي تشير دائماً إلى فلسطين، وهذا ما حاولته في هذا العمل، رغم أنه يمزج بين قضايا المرأة الاجتماعية والعاطفية ولكن عموده الأساسي فلسطين.

وختمت خريس حديثها لـ"أيام الثقافة" بالقول: أظن أن كل كتابة شائكة، إلا الكتابة عن فلسطين، حيث الحق واضح، والدرب واضح وكل المعوقات والمكبلات واضحة، وحيث المعاني لا تحتمل إلا الوضوح .. لا أخفيك أن ما يحدث في العالم العربي اليوم من دمار غير واضح المعالم بالنسبة لي، ولكن ما يحدث في فلسطين غير ملتبس، إنها قضيتنا العادلة، أما عن أن الكتابة قد تدخلنا في الشعارات، فأنا معك، يقع هذا لدى الكثيرين، ولغة الشعارات بدأت تتوارى خجلاً أمام الدم، ولكني في هذا النص كان لا بد من استعادة الثوابت التي توشك أن تنسى في خضم الهموم العربية الجديدة، وكنت خائفة من المباشرة والشعارات الرنانة، حاولت تخفيف وطأتها بالتعريج على حياة الانسان العربي، وعندما حضرت البروفة الاولى كنت أحمل خوفي، لكن الناقد فيصل دراج قال كلمة خففت من خوفي، قال إن النص ذكره بمقولة لغسان كنفاني، حيث قال: المهم في النص أن يقول كل شيء مرة واحدة وبوضوح، وأعتقد أن هذا النص قال كل شيء مرة واحدة وبوضوح، قال ما يجب أن يقال في هذه المرحلة بالتحديد، مؤكدة: زيارة فلسطين كانت بالنسبة لي مثل حلم، خاطفة موجعة حارة وعزيزة، لكن النص لم يولد من هذه الزيارة بقدر ما كان أثراً من ستين عاماً عشتها وفلسطين هي قضيتي الاولى، رؤيتي لفلسطين "محتلة" لم تنتج نصها بعد.

جولييت والعودة إلى المسرح
الفنانة القديرة جولييت عواد، أشارت بدورها إلى أنها من عشاق المسرح، لكن المسرح بحاجة إلى رعاية، وهذه الرعاية غير موجودة، سواء الحكومية منها ام الخاصة .. وقالت لـ"أيام الثقافة": كنت أشاهد عرضاً للمخرجة الدكتورة مجد قصص بعنوان "أوركسترا"، وكتبته الروائية سميحة خريس .. بينما كنت أتابع هذا العمل شعرت أن المسرح يناديني، هذا إضافة إلى أنه لا أعمال فنيةً تحاكي الأحداث الكبيرة التي تعصف بالمنطقة، وبالتالي شعرت بأن المسرح يناديني بلسان صوت الأرض .. تواصلت مع مجد، وتشجعت سميحة لكتابة نص مونودراما، وأنجز النص، ومما هو نادر أن التحضير له كان جماعياً، بمعنى أننا كنا نقوم بجلسات عصف ذهني، وكان النص النهائي في المسرحية التي أخذت اسم "قالب كيب".

جولييت وفلسطين
ولجولييت عواد الكثير من الأعمال حول فلسطين وقضيتها، ففي السينما "مملكة النمل" للمخرج التونسي شوقي الماجري، وفي الدراما التلفزيونية "التغريبة الفلسطينية" للمخرج السوري حاتم علي، وغيرها .. وشددت: فلسطين هي القلب، هي الروح، هي العقل ونور البصر .. في مسرحية "قالب كيك" لم تذكر فلسطين إلا مرّة واحدة، لكن العمل قلباً وقالباً عن فلسطين، حيث تطرق للقدس وقضية ترامب وإعلانه إياها "عاصمة للكيان الصهيوني"، العمل ككل عن القضية الفلسطينية، وكون هذه القضية هي العقدة الأساسية لما يحدث في المنطقة كلها، فهو يتحدث عن المنطقة بشكل عام، التي يجري السعي لتقسيمها مجدداً لصالح توسع "الكيان الصهيوني"، علاوة على ما أخذوه وسيأخذونه من مقدراتنا، والمساعي للقضاء على عقولنا، وعلى انتمائنا للأرض وللقضية .. العمل يمس القضية الفلسطينية من كافة جوانبها، وفي ذات الوقت يتطرق لما يحدث في الوطن العربي.

جولييت التي شددت على صعوبة العمل المسرحي اليوم، خاصة إذا ما تطرق لقضايا تتطلب تفاعلاً حسياً وعاطفياً وفكرياً كما في "قالب كيك"، كما الجريح الذي ينزف باستمرار .. "في هذا العمل الصعب نزف عاطفي وفكري وحسي وجسدي، لكنه استنزاف جميل جداً بالنسبة للفنان على خشبة المسرح"، لافتة إلى ان هذا العمل بمثابة "جزء من المقاومة"، فـ "أهلنا في فلسطين يقاومون بشتى الوسائل، ونحن نستخدم الفن للمقاومة .. نحن نريد أن نضم هذه المقاومة المتواضعة لمقاومة الشعب الفلسطيني التي لا يمكن أن تصفها الكلمات أو تعبر عنها".

الرؤية وحلم العرض في فلسطين
المخرجة مجد قصص، لفتت إلى أن العمل كتب كـ "منودراما"، وإلى أنها "قسمت الشخصية الى شخصيتين: دلال وهي كبيرة وقامت بأداء دورها الفنانة القديرة جولييت عواد، ودلال وهي صغيرة ومراهقة وقامت بدورها الفنانة سارة الحاج".

وقالت لـ"أيام الثقافة": احتاجت الشخصية الى رسم لتنطبق مع الاسلوب الملحمي والتغريب، فنحن ننتقل من التراجيديا الى الكوميديا في ثوان .. وحّدنا الاصوات المختلفة التي تتقمصمهم الشخصية.. باختصار كان هناك اشتغال كبير على التمثيل. والتنوع حتى لا يقع المشاهد بالملل.

وحول المختلف في "قالب كيك" عن أعمالها السابقة، أجابت قصص: هذا العمل لا يوجد فيه لغة جسد كعادتي في اعمالي السابقة، فجولييت امرأة كبيرة في العمر وكان لا بد من اتباع اسلوب آخر غير اسلوبي المعروف.

وأكدت قصص: فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فهذا ليس عملي الاول الذي يتناول قضيتنا المغيبة. فقد عملت اكثر من عشرين عملا كانت القضية الفلسطينية حاضرة فيها، اما المختلف فهو الحديث الجريء والمباشر خاصة حول "المطبعين مع العدو"، والتأكيد أنه "مهما حاولوا دفن فلسطين سيأتي جيل يحررها"، اضافة الى "طرح ان القدس هي عاصمة فلسطين مهما حاول ترامب او غيره منحها الى الدولة الغاصبة" .. "استخدمت التمثيل اضافة الى اغانينا التراثية للتأثير في الجمهور، حتى أتكلم مع وجدانهم الذي لا يمكن ان ينسى القضية .. بصراحة كنت خائفة من جرأة النص، الا ان الجمهور لم يخذلنا، فكما قلت لقد خاطبت الوجدان، والوجدان لا يموت، فنجح العمل".

وختمت: بالنسبة لتقديم العرض المسرحي "قالب كيك" في فلسطين، فهو أمنية بالنسبة لي، أتمنى عرض المسرحية في نابلس التي أنا ابنتها كما في بقية المدن الفلسطينية المحتلة في العام 1967.

خلاط القدس
"لما حطونا في الخلاط، وبلش الضرب فينا، شفنا العالم من حولنا بوضوح، حطوا الدنيا على الورق وبلشوا يقسموا فيها من جديد. والله لو لحقوا وقسموها ما بطلعلنا ذرة تراب. كل يوم مصيبة، كل يوم مذبحة، أكلنا طعنات بالظهر، بالخاصرة، بالصدر، بالقلب. آآآآخ .. قال القدس عاصمة إلهم! الأرض مش مثل الناس بتنولد وبتموت، الأرض بمطرحها مين ما إجا ومين ما راح بتضل بمطرحها، والقدس عارفة حالها إنها فلسطينية (...)".

وأختم بالرسالة التي وجهتها جولييت عواد عبر "أيام الثقافة" إلى أبناء الشعب الفلسطيني، حيث قالت: رغم حصاركم من العدو، رغم حصاركم من "الكيان الصهيوني"، أنتم القادرون على حمايتنا .. نحن لا نزال أحياء لأنكم تقومون بحمايتنا، وللأسف نحن غير قادرين على حمايتكم". 

amm
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024