الرئيسة/  مقالات وتحليلات

لبنان ومرحلة ما بعد الانتخابات !!

نشر بتاريخ: 2018-05-15 الساعة: 13:49

عبير بشير انتهت الانتخابات النيابية اللبنانية، وأنتجت ما أنتجته من مجلس جديد كرّس زعماء الطوائف، وحجم المستقلين، والمجتمع المدني، والأهم أفرزت حضورا طاغيا للثنائي الشيعي: حركة أمل، وحزب الله، ما من شأن ذلك أن يعزز الحزب ووصايته على النظام اللبناني.
وعند الحديث عن انتصار الثنائي الشيعي، لا نعني بالطبع نجاحه في زيادة كتلته النيابية، التي بقيت تقريبا كما هي، بل نعني أن حزب الله وحركة أمل ما زالا يتصدران البيئة الشيعية وظهرا كجدار إسمنتي مسلّح لا تخترقه شظية، وأن شرائح واسعة من الطائفة الشيعية لا تزال ملتفة حول حزب الله، رغم خياراته في التدخل العسكري إلى جانب نظام بشار الأسد وتحويل بندقية المقاومة نحو الداخل السوري بدل المواجهة مع إسرائيل، في حين كان يُنتظر أن يتسبب ذلك في تآكل بعض شعبيته في الوسط الشيعي على الأقل. غير أن قدرة الحزب على تأمين خدمات اجتماعية واقتصادية وسياسية لأبناء الطائفة تظل من بين أبرز العوامل التي مكنته من الحفاظ على التأييد داخلها وحصد الأصوات، ولهذا يصح القول مجدداً بأن الحزب لم يعد دولة داخل الدولة فقط، بل هو يملك ما تعجز عن توفيره الدولة الرسمية ذاتها.
الدرس الثاني، أن حزب الله نجح في معركة اكتساب نواب جدد من صفوف السنة، ليسوا حلفاء للحزب فحسب، بل هم أقرب منه إلى النظام السوري، مع عودة الرئيس نجيب ميقاتي على رأس كتلة نيابية طرابلسية، ودخول كل من فؤاد مخزومي وفيصل كرامي وجهاد الصمد وعبد الرحيم مراد وأسامة سعد وعدنان طرابلسي إلى الندوة البرلمانية من باب القانون النسبي، وذلك على حساب كتلة تيار المستقبل والذي خسر أحد عشر نائباً من نوابه في بيروت وفي باقي المناطق اللبنانية.
ولم يكن من السهل تقبل الداخل والخارج اللبناني، لواقع تحول الثنائي الشيعي مع حلفائه الجدد إلى قوة وازنة في المجلس النيابي الجديد، ومحاولة الثنائي تعميم الاستنتاجات على الفرقاء اللبنانيين أنه تحول إلى قوة ضاربة، وبالتالي مطالبتهم بتسديد الفواتير السياسية التي تترتب على ذلك، بدءا بتركيبة وتوزيع وزراء الحكومة اللبنانية القادمة. 
كما لم يكن اجتياح حزب الله لشوارع وساحات بيروت على دراجات نارية، مهللين «بيروت صارت لنا» ورفع علم حزب الله فوق النصب التذكاري للشهيد رفيق الحريري، وذلك بعد نجاح مرشحين محسوبين على حزب الله باختراق لوائح تيار المستقبل في بيروت وفي مناطق أخرى عفوياً.
بل كانت الرسالة شديدة الوضوح، عشية انتخاب المجلس النيابي الجديد والاستعدادات لتأليف الحكومة الجديدة والمرجحة برئاسة الرئيس سعد الحريري الذي يحوز على أكبر كتلة نيابية للطائفة السنية.  وذلك للتأكيد بأن مفاعيل اغتيال رفيق الحريري قد انتهت، ونحن الآن أمام مرحلة سياسية جديدة يتصدرها الثنائي الشيعي وحلفاؤه، لتكون في حسابات رئيس الحكومة القادم، وللتذكير بهيبة وسطوة سلاح حزب الله.
وفي المقابل، هناك تيار واسع يرى بأن القول بأن حزب الله قد أحكم سيطرته على البرلمان اللبناني، مقاربة غير دقيقة، لأنه لا مصلحة للحزب في تقديم نفسه، وكأنه سيطر على البرلمان المنتخب، وهو الخارج للتو من معارك ضارية في سورية، ويقع في دائرة الاستهداف الأميركي- الإسرائيلي، وخصوصا بعد أن انسحب ترامب من الاتفاق النووي، وبالتالي فهو بحاجة إلى غطاء سياسي عربي ودولي يحمي ظهره، وخير من يؤمن ذلك هو الاتفاق مع الرئيس الحريري على تشكيل الحكومة العتيدة والخطوط العريضة لها. كما أن لدى حزب الله حاجة ماسة إلى حليفه في الثنائي الشيعي رئيس حركة أمل نبيه بري، لأنه بسياسته المتوازنة حيال أمور داخلية وخارجية يحافظ على منح الطائفة الشيعية غطاء عربياً، وبالتالي هو بحاجة لوجود بري على رأس البرلمان المنتخب لقطع الطريق على تحويل الشيعة إلى طائفة مكشوفة عربياً ودولياً.
الرئيس سعد الحريري اعترف بان الانتخابات خطفت بعض المقاعد من تيّار المستقبل، الذي خاض الانتخابات باللحم الحي، لكن عملية الخطف كانت كمن يريد أن يسرق – جالوناً- من المياه من نهر الليطاني، معتبراً بأن تيار المستقبل ما زال الكتلة الأكبر وذات الوزن الصافي في البرلمان اللبناني، وانه مستمر في الخط الأمامي لحماية لبنان والدفاع عن حقوق كل المجموعات التي حمت قرار تيّار المستقبل في الانتخابات.
وعلى إيقاع الانتخابات وخسارة المستقبل ثلث مقاعده، وعلى قاعدة المحاسبة، حدثت هزة تنظيمية كبيرة في تيار المستقبل، وحصلت إقالات مفاجئة وبالجملة لمواقع حساسة في التيار الأزرق، وقرر الرئيس الحريري حل تنسيقات تيار المستقبل، والماكينة الانتخابية، وعلق الحريري على ذلك بالقول: التكهنات حول اللي صار كثيرة، باختصار بقول الذي حصل له سبب واحد هو المحاسبة، جمهور المستقبل قال كلمته وأنا سمعتها، وتطلعات النّاس وآمالها ما رح تخيب أبداً.
وكان من اللافت في الانتخابات، أنه بالرغم من محاولات الكتل السياسية اللبنانية، تفصيل قانون الانتخابات الجديد على مقاسات معينة، لتعظيم مكاسبها الانتخابية، فإنها لم تخدم في نهاية المطاف سوى الثنائي الشيعي، كما أن  التيارات التي كانت تعتبر نفسها الأقوى وتحتكر التمثيل لطائفتها، شهدت دخول قوى جديدة لقبة البرلمان بشكل وازن، مثل ما جرى من تحول حزب القوات اللبنانية إلى الحزب الثاني على الساحة المسيحية بعد التيار العوني، ونجاحه في مضاعفة كتلته النيابية من ثمانية نواب إلى ستة عشر.
 كما كشفت الانتخابات، أن الخطابات الرنانة والمهرجانات الشعبية والزيارات المكوكية للمسؤولين، والوعود الفلكية بإنعاش مناطق لبنانية وقرى نائية، كانت في غياهب الإهمال قبل الانتخابات، لم تكن كافية لحث وجذب اللبنانيين على التصويت، فجاءت أعداد المشاركين دون التوقعات بأشواط، خاصة أنها أوّل انتخابات بالقانون الجديد وبعد غياب دام تسع سنوات لهذه الممارسة الديمقراطية. وهذا يعني بأن ثقة المواطن اللبناني في الانتخابات والجدوى الاقتصادية المتحصلة من ورائها وفي المجلس النيابي ذاته مهزوزة إلى حد كبير وأصابها العطب.
وعلى كل حال، وما أن انقشع غبار الانتخابات النيابية وتم إحالة صناديق الاقتراع إلى المستودعات، وحسمت النتائج، حتى بدا لبنان على موعد مع مرحلة سياسية جديدة من التأزم الإقليمي، والسخونة الدولية التي أطاحت بالستاتيكو القائم، من خلال انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي مع طهران، والضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة ضد مواقع عسكرية إيرانية في سورية، وبالمقابل إطلاق إيران لصواريخ على الجولان من سورية.
وعلى إيقاع تلك المتغيرات الإقليمية، بدأت التحركات والاتصالات والمشاورات بين الفرقاء اللبنانيين، بهدف الاتفاق على طبيعة المرحلة السياسية المقبلة على مستويي رئاستي مجلس النواب والحكومة. وغاب عن المشهد الخطاب السياسي التحريضي بهدف شد العصب الطائفي والمذهبي لكسب أصوات الناخبين، وحل محله الخطاب الهادئ الهادف إلى طي صفحة الانتخابات وظروفها، والبدء بحوار جاد لتشكيل حكومة جديدة على أساس التسوية التي أنتجت انتخاب رئيس جمهورية بعد أزمة طويلة. الرئيس الحريري الذي يعد نفسه بالعودة إلى السراي على رأس حكومة جديدة، أعلن استعداده لمد اليد إلى كل الأفرقاء علی الساحة الداخلية لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
ومن المتوقع أن يطول مسار التكليف والتأليف للحكومة اللبنانية الجديدة، لجهة التوفيق بين مواقف مجموعة الدعم الدولية، ومعها كتلة المستقبل والقوات اللبنانية ومطالب الثنائي الشيعي في شأن القرارات الدولية، والتمسك بالمعادلة الثلاثية الذهبية: الجيش والشعب والمقاومة.
الرئيس الحريري الذي زار كلاً من الرئيس ميشال عون في بعبدا، والرئيس نبيه برّي في عين التينة، أعلن أن لا أعراف سوى توزيع الرئاسات الثلاث: الجمهورية -موارنة- المجلس النيابي– شيعة - ورئاسة الحكومة – سنة، في إشارة إلى رفضه التسليم، بأن وزارة المال يتعين أن تكون من حصة الشيعة، كما يطالب بذلك الثنائي الشيعي، وهو بذلك يبعث برسالة قوية برفضه لسياسة فرض أي خرائط سياسية جديدة، على إيقاع نتائج الانتخابات الحالية. 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024