أعمال فنية تروي حنين أطفال سوريين شردتهم الحرب
نشر بتاريخ: 2018-02-24 الساعة: 10:38بيروت- أ.ف.ب- في مبنى قديم في وسط بيروت، يقف الطفل السوري علي البالغ 12 عاما أمام لوحة بالأبيض والأسود رسمتها فنانة لبنانية بناء على قصيدة كتبها عن والده يعبر فيها عن اشتياقه له بعدما فقده في أتون الحرب.
ويروي علي ذو العينين الخضراوين لمراسلة وكالة فرانس برس، وهو بالكاد يحبس دموعه "كتبت قصيدة سميتها +ظلم أبي+ وهذه الرسمة خلفي تعبر عن مدى اشتياقي لأبي لأنها تظهر أبا حوله مجموعة أطفال يعانقونه".
وعلي حربا هو واحد من 39 طفلا سوريا لاجئا تشكل قصائد ونصوص كتبوها محور معرض فني بعنوان "حنين" أطلقته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في بيروت، تزامنا مع اقتراب النزاع في سوريا المجاورة من بدء عامه الثامن.
وشكلت تلك القصائد مصدر إلهام لـ47 فنانا سوريا ولبنانيا، ترجموا كلمات الأطفال ومشاعرهم إلى رسومات ومنحوتات ومقاطع موسيقية، يستضيفها بيت بيروت، أحد الأبنية القديمة في قلب بيروت الشاهد على الحرب الاهلية اللبنانية (1975 - 1990).
في مخيم للاجئين السوريين في منطقة البقاع (شرق) حيث يعيش مع والدته وشقيقه الأصغر، شارك علي في العام 2016 في نشاطات نادي الصحافة التابع لجمعية "بيوند" الذي يوفر للأطفال اللاجئين مساحة للتعبير عن أنفسهم عبر الكتابة.
في نصه، يستعيد مشهدا اعتاد عليه داخل منزله في مدينة القصير في محافظة حمص وسط سوريا: والده يزجره لمشاهدته برامج الاطفال قبل أن يضرب والدته جراء احتجاجها على أسلوبه في التعامل مع ابنه.
وبعد سرده التفاصيل، يطالب الأمم المتحدة بوقف الحرب في سوريا "لأنني أتمنى (لو) أن أبي لم يقتل في الحرب وليفعل بنا أكثر من ذلك. أتمنى ذلك فقط لأناديه أبي".
"اشتقت له"
ويقول علي أثناء وقوفه قرب اللوحة التي تجسد قصته وهي بريشة الفنانة ساندرا غصن "صحيح أنه كان يصرخ علينا لكن عندما مات حزنت كثيرا. اشتقت له وأتمنى أن يرجع الينا".
وقتل والده كما يروي قبل خمس سنوات في قصف على مدينة القصير، التي شهدت معارك ضارية انتهت بطرد قوات النظام السوري وحلفائها لا سيما حزب الله للفصائل المعارضة في العام 2013.
وتترجم معظم الأعمال الفنية المعروضة ذكريات وحنين الأطفال إلى منازلهم ومحيطهم وشوقهم إلى أصدقائهم الذين فارقوهم، بعدما قتلوا أو لجأوا إلى بلد آخر، بالاضافة إلى معاناة العيش في خيمة تغرقها أمطار الشتاء ولا تقيهم حر الصيف.
وتسببت الحرب السورية منذ العام 2011 بمقتل أكثر من 340 ألف شخص وبنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل سوريا وخارجها.
منذ أربع سنوات، يقيم جمال إبراهيم العبود (13 سنة) النازح من ريف حلب الجنوبي في أحد المخيمات العشوائية في منطقة البقاع، حيث يفتقد منزله الفسيح المؤلف من ثلاث طبقات وحديقة.
ويشرح فيما يقف أمام لوحة بريشة الفنان عبد الوارث اللحام بعنوان "هنا وهناك" تظهر عائلة من أربعة افراد متكورة داخل خيمة "في سوريا كنا نعيش في منزل كبير وعندما نزحنا اعتقدت اننا سننتقل الى منزل مماثل، لكن الوضع تبدل، فالجدارن والسقف باتت شادرا والأعمدة خشبا".
ويضيف الطفل الأسمر البشرة "الحرب أثرت على تفكيري ومستقبلي والأمل الذي كان في قلبي (..) بت أعمل عوضا عن الدراسة" لمساعدة والده في تأمين قوت العائلة.
ويعبر جمال عن هذه الخيبة في قصيدته بالقول "لم أتوقع أن أعمل، تغير كل شيء. بيت بخيمة وملعب بمستنقع".
وعلى غرار أطفال كثر، يحلم جمال بأن يعود إلى بلده. ويقول "هذا الأمل لا ينقطع أبدا".
ويستضيف لبنان نحو مليون لاجئ سوري وفق الأمم المتحدة، يعيشون في ظروف إنسانية صعبة للغاية. ويقيم عدد كبير منهم في مخيمات عشوائية في البقاع وشمال لبنان، تفتقد لأدنى مقومات الحياة الأساسية.
ذكريات وأمل
وترجمت الفنانة أماندين بروناس قصيدة كتبتها تغريد عز الدين (14 عاما) النازحة من حمص منحوتة تظهر فتي يجثو على ركبتيه ويرفع رأسه ويديه الى السماء متضرعا.
وكتبت تغريد في قصيدتها باللغة المحكية "نفوس مقهورة وقلوب مكسورة وذكريات الناس على حيطان البيوت المهجورة. لمين بدنا نحكي؟ (..) ونقول ما إلنا غير الله اللي عالم بكل هالقصة".
ويقول المنظم الفني للمعرض وأحد المشاركين فيه شادي عون لفرانس برس "الفنانون كما الأطفال عبروا عن أفكارهم من دون أن يملي أحد عليهم ما يفعلون".
ويوضح أن المعرض يترجم "حوارا بين جيلين: نحن جيل الحرب (اللبنانية) الذي كبر، وهم الأطفال جيل الحرب (السورية) الذي يكبر".
وتأمل منظمة الأمم المتحدة للطفولة أن يجول المعرض مكاتبها حول العالم بعد اختتامه في بيروت في الرابع من الشهر المقبل.
وتأمل مستشارة المشروع ومنسقته في المنظمة سهى بساط بستاني أن "نتمكن بعد سنوات من الحرب من أن نوصل رسالة أمل، وفي الوقت ذاته نطلق صرخة لأن الاعلام يعطي الأولوية للمسائل العسكرية والاستراتيجية".
وتضيف "معاناة الأطفال لا توصف لأنهم فقدوا الحياة التي كانوا يعيشونها، كان لدى كثيرين منهم مدارس وحدائق ومعلمة يحبونها وأصدقاء في الحي وباتوا الآن تحت الخيمة وتدهورت حياتهم على كل المستويات، ربما هذا المعرض يعطيهم أملا". وتشدد على أنه "من الصحيح أنه ليس بأيدينا أن نوقف الحرب اليوم لكن بإمكاننا أن نوصل رسالة هؤلاء الأطفال".