حسين ياسين .. ورحلة البحث عن علي!
نشر بتاريخ: 2018-01-30 الساعة: 12:34رام الله- الايام- حصل الشاب حسين ياسين، قبل عقود، على منحة حزبية لدراسة الاقتصاد في الاتحاد السوفياتي السابق، وحين عاد إلى الأراضي المحتلة في العام 1948، لم يجد فرصة عمل كعربي وشيوعي في ذات الوقت، فدرس تدقيق الحسابات في جامعة حيفا، وهو ما فتح له آفاقاً العمل، فبات "الموضوع اللي عشت منه، وربّيت أولادي منه"، وعمل في هذا المجال لثلاثين عاماً.
بعد العقود الثلاثة، تقاعد ياسين، وبدأ بالقراءة في كل المجالات، إلا أن العلامة الفارقة بالنسبة له، والتي شكلت تحولاً جوهرياً في سيرته الذاتية قراءته لكتاب "ظل الغيمة" للكاتب الفلسطيني حنا أبو حنا، ووجد مع الوقت أنه قادر على الكتابة فخرج بـ"مصابيح الدجى"، في محاكاة أو "تقليد" لـ"ظل الغيمة" مع اختلاف بسيطة، وهو الكتاب الذي لقي نجاحاً جيداً، واستقبله القراء بشكل جيد، وهو "ما شجعني لمواصلة الكتابة".
"مع الوقت خرجت من عباءة حنا أبو حنا"، وهذا برز في الكتاب الثاني، حيث تجولت في أحياء القدس الفلسطينية، وبالذات أحياء "الطالبية"، و"القطمون"، و"الألمانية"، حيث لاحظ جمالية المعمار والتي تكاد تكون "الأجمل في فلسطين"، فكما قال: "وراء كل بيت حكاية، وكنت أتساءل عن أصحابها، ومع البحث في تاريخ وحاضر هذه المنازل التي دخلت الكثير منها، اكتشفت أن قادة إسرائيل السياسيين وبينهم غولدا مائير وأشكول ورؤساء حكومات وساسة كثر وقضاة في محكمة العدل العليا الإسرائيلية باتوا يسكنون هذه المنازل التي هجّر أصحابها منها".
قرر ياسين الكتابة عن أصحاب البيوت الأصليين، وتذكر: حين دخلت منزل إدوارد سعيد، هذه القامة الكبيرة المهيمنة علينا.. منزله الذي لا يقطنه، كان شعوراً لا يوصف بالفقدان، أما منزل خليل السكاكيني أبو اللغة العربية، الذي أسماه الجزيرة تيمناً بالجزيرة العربية، التي يتخذ المنزل شكلها تقريباً، فبناه السكاكيني بيده إن جاز التعبير، فقد كان يقيس كل حجر بالشبر، وهذا يتضح من يومياته، فبناء البيت له حكاية طويلة شكلت فصلاً أساسياً من فصول حياته، وكذلك مكتبته المصادرة، والأمر ذاته ينطبق على منازل أخرى كمنزل خليل بيدس أول روائي فلسطيني، وشخصيات وطنية أخرى.. كتبت عن الأماكن وأصحابها الأصليين.
رحلة البحث عن علي
وحول روايته "علي: حكاية رجل مستقيم"، والمبنية على قصة واقعية، قال ياسين: قرأت عن الحرب الأهلية الإسبانية، ما بين الأعوام 1936 و1939، واكتشفت أن أشخاصاً من ست وخمسين دولة وقومية شاركوا في هذه الحرب، وغالبية من عاد منهم سالماً، إن لم يكن جميعهم كتبوا عن تجربتهم في هذه الحرب، أو هناك من كتب عنهم، فصدرت كتب بغالبية لغات العالم عن الحرب الأهلية الإسبانية إلا باللغة العربية، وكأننا خارج التاريخ، باستثناء الحديث عن تجنيد فرانكوا للمغاربة قسراً الذين كانوا تحت الاستعمار الإسباني، ما أعطى انطباعاً بأن لا عرب وقفوا بجانب الجمهوريين، وبالتالي هم حلفاء الدكتاتور والرجعية والهمجية.
قبل خمس سنوات، قرأ ياسين كتاباً للمؤرخ الألماني هارت هوب، عميد كلية التاريخ في لايبزيغ، يتحدث عن فلسطينيين اثنين أحدهما "علي"، والثاني "فوزي" قتلوا ودفنوا في إسبانيا خلال مشاركتهم في الحرب.. وقال: بدأت البحث، ولم أكن أعلم من أين أبدأ، خاصة أنه لا معلومات إضافية عنهم، لكني انطلقت من فرضية أنهم شيوعيون، فتوجهت لأرشيف الحزب الشيوعي، ولم أعثر على شيء لا في هذه الأرشيفات ولا لدى كبار السن.
في العام 2016 صدرت مذكرات محمود المغربي وحررها ماهر الشريف، وتضمنت سطراً حول علي الذي حارب وقتل ودفن في إسبانيا، وهنا الحديث عن شخص يدعى علي عبد الخالق، وبعدها صدرت مذكرات نجاتي صدقي وأشارت إلى أن علياً كان عضو لجنة مركزية في الحزب الشيوعي حارب وقتل ودفن في إسبانيا.
توجه ياسين إلى المراجع العبرية، فوجد 23 مرجعاً حول الحرب الأهلية الإسبانية، وفيها عثر على اسمه وصورته، وبدأت الكتابة، فالهيكل العظمي (علي) حقيقي، وهو من الجيب، بينما بقية التفاصيل خيالية .. "والخيال واقع تحقق أو قد يتحقق".
سيرة ذاتية
من مواليد قرية عرابة البطوف في الداخل الفلسطيني عام 1943، ويعيش في القدس، وكان حصل في العام 1973 و1976 على شهادتين في الاقتصاد وتدقيق الحسابات من جامعتي "لينينغراد" في الاتحاد السوفياتي السابق، وحيفا، كما حصل على شهادة في التأمين من كلية تل أبيب في العام 1993، حيث عمل في المحاسبة وشركة تأمين بمدينة رام الله، ومركز أبحاث فلسطيني، وتقاعد في العام 2010.
وصدرت لحسين ياسين ثلاث روايات: "مصابيح الدجى" (2006)، و"ضحى" (2012)، "وعلي: قصة رجل مستقيم" (2017)، وهي الرواية التي ترشحت للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) 2018، وصدرت عن "الرعاة للدراسات والنشر" في رام الله.
amm