الرئيسة/  ثقافة

"وارث الشواهد" لوليد الشرفا .. حين يتحدث الحجر الفلسطيني!

نشر بتاريخ: 2018-01-24 الساعة: 09:52

رام الله- الايام- رغم أن الكثيرين تداولوا حكايات النكبة في أعمالهم السردية، سواء أكانوا فلسطينيين بالدرجة الأولى، أو عرباً، إلا أن المغاير في رواية "وارث الشواهد" لوليد الشرفا، والتي تنافس من بين 16 رواية على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) بوصولها إلى القائمة الطويلة، هو أنها انتصرت للحجارة كشاهد على نكبة شعب بأكمله لا يزال يسعى لإثبات أن فلسطين التاريخية له، وليست لمحتل استيطاني غاصب، عبر "الشواهد"، سواء شواهد المقابر لفلسطينيين عرب لا تزال أراضيهم المحتلة تحتفظ بجثامينهم أو ما تبقى منها، إن تبقى منها شيء بعد هذه العقود، أو عبر "الشواهد" التي هي جزء من التركيب المعماري للمنازل الفلسطينية القديمة، والتي تأتي عادة في واجهة المنزل لتدلل على صاحبه وتاريخ إنشائه، فـ"شواهد المباني" تدلل على أن منازل الفلسطينيين التي يعود غالبيتها إلى عشرينيات أو ثلاثينيات القرن الماضي، ومنها ما يعود إلى نهايات القرن التاسع عشر، هي أقدم بكثير من النكبة وما تلاها من اعتراف دولي بما بات يصطلح عليه "دولة إسرائيل"، ما شكل مدخلاً مغايراً في التعاطي مع حكايات النكبة، وتقاطعاتها التي تجيء وتذهب مع حكايات حرب العام 1967، والانتفاضة الأولى، وتداعيات كل منها.

ويبدو "الشاهد" بطلاً محوريا ًفي الرواية، فالطفل "الوحيد"، يستشهد والده "الأستاذ" في حرب حزيران (عام النكسة)، وهو المهجّر مع أسرته في النكبة من "عين حوض" في حيفا .. استشهد "الأستاذ" بينما كان عائداً من المدرسة يحمل كتبه، في تصفية غير مبررة من جنود الاحتلال.

بات الأب "الأستاذ" يُعرف باسم "الشهيد المجهول"، قبل الاستدلال عبر شاهد عيان على مدفنه الذي اختاره له الاحتلال، ليدفن في أرضه بـ"أم البساتين"، تلك البلدة الحديثة والمستحدثة، آنذاك، وأقامها الجد ورفاقه المهجّرون، قرب نابلس، وبنى فيها منزلاً على غرار ذلك الذي كان في "عين حوض".

يتوجه الطفل "الوحيد"، الذي لم يعد طفلاً بل شاباً يدرس في جامعة النجاح بنابلس، برغبة عارمة من والدته التي هجرت وإياه وجده من منزل العائلة، إلى الدراسة في الخارج، عقب اندلاع الانتفاضة الأولى، خوفاً من أن تفقده كما فقدت والده، لكنه يعود بعد سنوات تعرّف خلالها إلى الطبيب بشارة الناصريّ، في محاولة وإياه لإنقاذ جده الذي يحتضر، حيث يتم نقله بعد استصدار التصاريح اللازمة برفقة حفيده إلى المستشفى الذي يعمل فيه الطبيب الصديق.

يموت الجد الحاج سليمان الصالح على مقربة من "عين حوض"، ويقرر الحفيد برفقة بشارة أن يقوم بجولة لجثمانه في القرية المهجرة التي باتت مدينة للفنانين الإسرائيليين القادمين من الخارج، وبعد الدفن الذي تم في "أم البساتين" وانقضاء مراسيم العزاء، يعود بشارة والحفيد بجولة ثانية حنينية لا تبتعد كثيراً عن أجواء الروايات الفلسطينية ذات الصلة، قبل أن يحط به المقام إلى مسجد تحول إلى ملهى ليلي، وفي مرحاض قذر يتعثر مصادفة بشاهد منزل أجداده، في حالة يُرثى لها من فرط القاذورات البشرية وغير البشرية، وهو الشاهد المحفور عليه "منزل صالح المحمود بُني عام 1922"، وهو والد جده.

"أجر نفسي إلى حمّام آخر لأغسل ما لحق بي من ويلات وقرف .. الحمّام مبني من حجارة قديمة، أتأمل الحجارة التي تعود إلى بيوت أهالي عين حوض، أو إلى سور المسجد، أنظر تحت قدميّ، قريباً من المقعد المخصص للتغوط إلى جانبه من ناحية اليمين بمحاذاة الحائط حجر مثبت بشكل طولي، أغسل يديّ، أمسح الكتابة الناتئة على سطح الحجر، أحاول قراءتها: منزل صالح المحمود بُني عام 1922!".

"إنه شاهد منزل جدي، أحسست بأن لحية سليمان الصالح تتمرغ بالبول والبراز، وهو يستصرخني لانتشاله، يده تلوح لي. سليمان الصالح يعيش في حمّام الفنانين المهاجرين. أبدأ بالعويل، سأنزع شباك الحمّام، وأحطم الحجارة المحيطة بشاهد منزل جديّ، أضرب الحجارة بعنف، سيتطاير شرر من حديد الشباك، فجأة ينفتح الباب خلفي، يحملني رجلا شرطة يرتديان اللون الأزرق، سأصرخ في وجهيهما: أريد الحجر فقط .. سيلكمني أحدهما على وجهي لكمة شديدة، سأثور أكثر بقوة أضعاف قوتي، سأعود إلى الشاهد، ينتزع أحدهم مسدسه ويصوبه نحوي، سأحمل حديد الشباك وأضرب الشرطي على يده، أحسست بأنها طحنت مع المسدس، سأحمل زاوية الشباك، وأهوي بها على رأس الشرطي، سيقذف جرح غائر في رأس الشرطي ووجهه الدم نحو وجهي، وسأصرخ: أريد الشاهد ولا أريد قتل أحد".

ولا ينفك الروائي يتحدث عن الشواهد على لسان بشارة كما كان من قبله على لسان "الوحيد" الذي يستعيد حكايته وشاهد منزل عائلة جده في مرحاض بيت الفنانين في "عين حوض"، لينتقل إلى حيث "شواهد المقابر"، وما تخلفه أسفلها من حكايات بعضها مأساوية، وبعضها الآخر أشد مأساوية، ومنها شواهد مقبرة شارع الاستقلال "كانت المقبرة محطمة الشواهد .. الشاهد الذي كاد يجعل من الوحيد قاتلاً .. هنا مئات الشواهد وهناك في عكا الآلاف، وفي يافا مثلها وغيرها، والوحيد ليس وحيداً (...) أقترب من مسجد الاستقلال، وأرقب شواهد القبور، لا شاهد واضحاً، فقد حطموها وجعلوها كومة من الحجارة. وحده شاهد يظهر من خلال السياج المعدني تحت لافتة عبرية ضخمة (مقبرة الاستقلال). مكتوب على الشاهد: المرحوم حسين أحمد الديك توفي 1300 هجري. أي قبل تأسيس إسرائيل بـ65 عاماً. أنا وهذه المقبرة، وهؤلاء الأموات، هم السكان الأصليون".

ويمكن اختصار حكاية الرواية المليئة بالتفاصيل، بأن الجد هجّر من قريته "عين حوض" في حيفا، أو "عين هود" الآن، وبنى مع أهلها "أم البساتين" قرب نابلس، ومن ثم يستشهد ابنه في حرب حزيران، ليعود الحفيد والابن "الوحيد" من غربة الدراسة، ليروي عبر "وارث الشواهد" حكاياتهم، التي هي تجسيد ما للحكاية الجمعية الفلسطينية.

الروائي وليد الشرفا، قال إن هذه الرواية هي "رواية ضد الروايات وضد التاريخ نفياً ويقيناً، وليست مبشرة بمشروع للإيمان او الإيمان المضاد، في نفي لفكرة الاثبات الديني لفلسطينية فلسطين"، وقال إنها "انزياح هذياني في وجدان الضحايا المرتبط بشواهد القبور، وتعدد صور الموت وذلك الارث الثقيل من الروايات التي دفع الفلسطينيون ثمنها دون أي تورط"، لافتاً إلى أن استخدامه لصيغة المستقبل في الرواية، ينتصر لفكرة أن "النص الروائي قائم على اللحظة التي يستعيد فيها الراوي ما حدث معه بصيغة المستقبل"، كما لم يغفل الإشارة إلى "الجدل الذي أثاره بين شخصيات الرواية، انطلاقاً من مرجعياتها الثقافية والعقائدية، ومحاورة القواعد الأخلاقية التي يعيد محاكمتها بناء على قاعدة حق الإنسان بالحياة". 

amm
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024