الرئيسة/  مقالات وتحليلات

عفرين ... حلقة في المسلسل السوري الدرامي

نشر بتاريخ: 2018-01-24 الساعة: 09:45

عبير بشير يتقدم الرئيس رجب أردوغان نحو مدينة عفرين السورية الحدودية حاملا "غصن الزيتون"،بعد أيام من القصف البري والجوي التركي العنيف الذي استهدف مواقع عسكرية لوحدات حماية الشعب الكردية في المدينة. دخول قوات من الجيش التركي وفصائل من الجيش السوري الحر الموالية لها،محيط عفرين، في إطار عملية «غصن الزيتون» التي قال عنها أردوغان – بأنها ستكون قصيرة وعلى أربعة مراحل- وهدفها إنشاء "منطقة آمنة" تبعد عن حدود تركيا حوالي  ثلاثين كيلومتراً وتُقدّر بحوالي عشرة آلاف كيلومتر مربع،خالية من المقاتلين الأكراد ،وذلك دفاعا عن الأمن القومي التركي.

وفي وقت سابق هددت تركيا بدخول مدينتي عفرين ومنبج في إطار حملة "درع الفرات" ولكنها توقفت عند مدينة الباب.

غير أن  عاملين أساسين،دفعا أنقرة هذه المرة إلى ترجمة تهديداتها ميدانياً: أولهما هجوم قوات النظام السوري بمساندة حليفيه الإيراني والروسي على مناطق إدلب التي تخضع لوصايتها مسقطين بذلك كثير من التفاهمات الإستراتيجية معها - وقد اشترط أردوغان، وقف الهجمات في إدلب ،من أجل نجاح مؤتمر سوتشي وعملية آستانة-.

والأهم، إعلان واشنطن عن جيش سوري معارض قيد الإنشاء برعاية وتدريب أمريكي ،وسينتشر على طول الحدود الشمالية مع تركيا والشرقية مع العراق ،وسيكون قوام هذا الجيش ثلاثون ألف جندي ،وجلهم من أكراد سوريا  الذين يعملون منذ عامين كقوة سورية منظمة تحت الراية الأميركية في عملياتها ضد  داعش – قوات سوريا الديمقراطية- ، بعد رفض فصائل الجيش الحر الانضمام إلى التحالف الدولي، بسبب شرطه توجيه السلاح باتجاه واحد وهو تنظيم داعش ، من دون السماح لهم بفتح معارك على التوازي مع قوات النظام السوري .

في بداية الأزمة السورية،أضاعت أنقرة وقتاً طويلاً في انتظار تفويض أميركي أو أطلسي لتدخلها المباشر في سورية، وحين يئست تركيا ...تبنت خيار الحرب بالوكالة،عبر دعم واسع لفصائل معارضة سورية محسوبة على الإسلاميين ،وفتحت حدودها أمام الجهاديين من جميع أصقاع العالم. كان إلباس الصراع في سوريا باكرا- جلباب الجهاد السني- من أبرز أخطاء تركيا ومعها دول عربية أخرى .مما فتح الباب على مصراعيه على تدخل روسي بطائرات السوخوي تحت عنوان جذاب وبراق وهو "محاربة تنظيم داعش " وبغض طرف دولي. وتعرضت  المعارضة السورية لخسارة فادحة نتيجة التدخّل الروسي، في الوقت الذي راكم ذلك مصاعب أنقرة في إدارتها للملف السوري.

وفي مرحلة لاحقة ،نجح الرئيس بوتين في تحويل حادثة إسقاط قاذفة روسية بصاروخ تركي،لتطويع الرئيس أردوغان والقيادة التركية ،وتغيير سياساتها وخياراتها ومواقفها ،لدرجة الانقلاب على نفسها. وهكذا انتهى الأمر بأنقرة شريكة مع موسكو وطهران في رعاية مسار سوتشي ،الذي يهدف أساساً إلى حرف مسار «جنيف» والالتفاف عليه. ومع أن أنقرة اندفعت في علاقة متقدّمة مع موسكو، وانتزعت منها إعترافا بدور مهم في سورية، إلا أن تعاونهما لم يرقَ إلى مستوى الشراكة التواطؤية بين روسيا وإيران، فظلّت تركيا الشريك الثالث الطارئ ، وظل هناك تباين واضح بين الثلاثي على مصير الأسد .

غير أن الدول المنخرطة في الصراع – روسيا وإيران- عرفت  نقطة الضعف التركية والتي تعتبرها أنقرة خنجر مزروع  في خاصرتها وهو- الحزام الكردي على حدودها- ونجحت في الاستفادة من السياسة الأردوغانية البراغماتية التي تبدو مستعدة للتنازل عن أي شئ من أجل لجم الطموحات الكردية ، وفي مرحلة ما سمح أردوغان للروس والنظام السوري باستعادة  حلب الأكثر من إستراتيجية ،والتي قيل عنها أن ما بعد حلب ليس ما قبلها ،مقابل سيطرته على إدلب وكبح النفوذ الكردي.

مما دفع المراقبون للقول، بأن  أردوغان يستطيع بلع بقاء الأسد رئيسا لسورية ،والقبول بوجود إيراني وروسي إستراتيجي مكثف في سورية ، لكنه لن يقبل بأي حال من الأحوال ولادة كيان كردي مسلح في الجانب السوري ملاصق لبلاده.

 

ويبدو أن أيام سورية ما زالت زاخرة بالقلق، حيث تدور أحداث كبيرة في سورية ،وليست عفرين مسرحها الوحيد. القتال اشتعل في إدلب، وفي جبهة جنوب حلب، وفي ريف حماة وكذلك في غوطة دمشق بين المعارضة السورية من جهة ، وروسيا والقوات الحليفة لها من جهة أخرى.وأدى هذا المشهد واقعياً إلى بداية تقويض مناطق خفض التصعيد المفترض أن الجانب الروسي هو الضامن الرئيسي لها .

والمفاجأة الأكبر كانت، بعودة الولايات المتحدة لتقتحم المشهد السوري بـ"القوة الحدودية" ذات الثقل الكردي من جهة ،ولتعلن أنها باقية عسكرياً ضمن إستراتيجية أوسع لمواجهة نظام الرئيس بشار. فقد أعلن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس عن قلب الصورة في سورية،وتحدث عن زيادة الوجود الأميركي العسكري والمدني شرق الفرات، حيث تسيطر -قوات سوريا الديمقراطية- الصديقة، فرسم بذلك بداية مسار جديد، وتحدث عن إعمار مناطق الوجود الأميركي. وإعتبر أن النصر على داعش لن يتحقق إلاّ بعد انطلاق التحولات السياسية ،والتي لا بد من رحيل الأسد في نهايتها. بينما يتابع البنتاغون زراعة القواعد الجوية في سوريا ،قواعد ليست ضخمة لكنها عملية وإستراتيجية. وفي الوقت نفسه ، تحدث وزير خارجية أميركا ريكس تيلرسون من جامعة ستانفورد، بأن واشنطن تأخرت كثيراً في الانتباه إلى الاندفاع الروس وأن الجيش الأمريكي باق في سوريا.وكشف أن أهداف التواجد الأمريكي  في سورية ،على رأسها إنهاء نفوذ إيران والتوصل إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة  يؤدي إلى رحيل الرئيس بشار الأسد، مؤكدا أن التغيير قادم. هذا الجديد أربك موسكو واتّهم  لافروف الأميركيين بأن :وجودهم في سورية يعيق التسوية السياسية ويهدد وحدة الأراضي السورية.

كما أن الهجوم الغير متوقع والمهين الذي تعرضت له قلعة بوتين في اللاذقية – قاعدة حميم الجوية - في رأس السنة الميلادية، أضافت صورة مهمة إلى المشهد الجديد في سورية. وجاءت هذه العملية بعد نحو شهر من إعلان الرئيس بوتين من «حميميم» وبحضور بشار الأسد أن " المهمة قد أنجزت" وعن الانتصار المدوي على الإرهاب في سوريا بسواعد وطائرات روسية. كان الأمر أشبه بثغرة "بدفرسوار"، فقد نفذت العملية ثلاثة عشر طائرة مسيّرة عن بعد – دارون -، قطعت مسافة تفوق خمسين كيلومتراً،قبل أن تستهدف  طائرات السوخوي الرابضة في المطار، الضربة لم تكن قاسية ولكن محرجة،فقد كشفت أن الحصن الروسي قابل للاختراق رغم إجراءات الأمن المشددة فيه، وبطاريات الصورايخ إس أربعمائة،وبطرق بسيطة.

باختصار،عاد كل شيء إلى نقطة البداية، حيث واشنطن لا تعترف بأي انتصار روسي يتضمن انتصاراً إيرانياً، ولا تقبل بعد الآن بموقع أقل من الصدارة في الملف السوري. في حين موسكو تعتبر أن ما حققته في الغياب الأميركي، مكسب هائل لا يمكن التفريط فيه.

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024