الرئيسة/  ثقافة

قيثارة الثورة... مهدي سردانه

نشر بتاريخ: 2025-05-05 الساعة: 03:44
قيثارة الثورة ..مهدي سردانة

 قيثارة الثورة الفلسطينية .."مهدي سردانه"


ملحن أناشيد الثورة الفلسطينية ، الموسيقار المجهول ، قيثارة الثورة الفلسطينية مجموعة القاب اطلقت على  الفنان الراحل والملحن الكبير مهدي سردانه  لما قدمه من أناشيد وأغاني وطنية كان لها التأثير الأكبر في وعي ووجدان الجماهير العربية والفلسطينية الذين اعتادوا سماعها عبر الإذاعات الفلسطينية التي كانت تبث من القاهرة ودمشق وبغداد .

رغم المسيرة الطويلة التي صدح فيها بصوته والحانه وحظي خلالها باحترام كبير بين الفنانين والملحنين الكبار على مستوى الوطن العربي، إلا انه كان  عاتباً علينا وعلى الإعلام الفلسطيني حسب  ما ينقل عنه احد أقربائه  كون القليل من الناس كانوا يعرفون من وراء هذه الأغاني الثورية ،ومن كتبها ولحنها  لذلك وجدت انه من الواجب علينا ان نعطي هذا الرجل بعضاً من حقه علينا في ذكرى رحيله الرابعة فكان هذا المقال  .

ولد مهدي حسين محمد سردانه في قرية الفالوجة قضاء غزة ،والواقعة بين غزة والخليل بفلسطين في الخامس عشر من كانون أول ديسمبر1940م ،وقد خدمته الظروف منذ البدايات فقد كان والده شيخاً للطريقة الصوفية حيث كان المنزل بمثابة مجلس لحلقات الذكر وقراءة القران ومن خلال استماعه للألحان والأناشيد الدينية بدأت تنمو وتتشكل لديه موهبه التلحين .

وقد اكتسبت هذه القرية الوادعة التي تعرضت لتطهير عرقي شامل خلال النكبة شهرة واسعة حين خدم فيها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كضابط ضمن القوات المصرية التي تعرضت لحصار طويل فيها أبان العام 1948م .

شهد النكبة الفلسطينية الكبرى في العام 1948م وكان من الذين هاجروا مع العائلة  إلى الأردن لفترة قصيرة قبل أن يعود إلى غزة مع شقيقه الأكبر الذي اصبح فيما بعد قاضي قضاة فلسطين ، ليبقى على مقربه من الأحداث التي يعيشها الوطن ،و في تلك الفترة بدأ يتردد على الحفلات التي تقام في مواسم البيادر والأعراس والأفراح ،و من خلالها التقى بالفنان أبو علي الطناني الذي تعلم منه الموال البغدادي وفي ظل هذه الأجواء بدأ يتعمق أكثر في أصول الموسيقى والتلحين بعد أن حفظ الكثير منها .

وفي عام 1958م توجه إلى مصر والتحق بمعهد الموسيقى في القاهرة  وخلال فترة دراسته هناك، بدأت تظهر عليه ملامح إبداعات موسيقية فتعرف في ذلك الوقت على كل من الراحلين الإذاعي فؤاد ياسين الذي أسس (صوت العاصفة) فيما بعد  والفنان الشعبي  أبو عرب من خلال  إذاعة "صوت العرب" .

وبدأ مسيرته الفنية خلال فترة دراسته الجامعية والأكاديمية مؤدياً لألحان كبار الملحنين المصريين من أمثال بليغ حمدي ورياض السنباطي ، وكان الفلسطيني الوحيد وقتها الذي وقف على مسرح دار الأوبرا المصرية باشتراكه في المسرحية  الغنائية "مهر العروسة" وهو في عمر 17 سنة ،وفي العام 1968م انتقل إلى إذاعة (صوت العاصفة) التي كانت تبث من القاهرة والتي خُصصت لتكون ناطقة باسم الثورة الفلسطينية، فالتقى هناك بالشاعرين الكبيرين محمد حسيب القاضي ،وصلاح الدين الحسيني المعروف بأبي صادق الحسيني وشكّلوا معا ما يشبه الرابطة لإنتاج الأناشيد الثورية وتلحينها ونشرها عبر أثير صوت العاصفة  التي أصبح اسمها فيما بعد بصوت فلسطين وأثمر هذا التعاون الثلاثي عن إنتاج العشرات من أناشيد وأغاني الثورة الفلسطينية .

وتمكن سردانه الذي كان يردد دوماً وباعتزاز مقولة  "اذا كان الفدائي يقاتل بالرصاصة فأنا أقاتل بالجملة الموسيقية " من أن يجعل المستمع حتى يومنا الحاضر يعيش أجواء المعركة بكل تفاصيلها دون أن يراها ليتخيل صوت أزير الرصاص وانفجار القنابل ،ومن هذه الأغاني ( أذن يا رصاص الثورة ، جر المدفع فدائي ، حنا ثوارك يا بلادي ، طل سلاحي  وعهد الله ما نرحل ، يا شعبنا هز البارود ، يا جماهير الأرض المحتلة ) وغيرها الكثير الكثير من الأغاني التي لا يتسع المقام هنا لذكرها ،وشكلت لونا جديداً من الفن أصبح يعرف بالفن المقاوم عقب انطلاق الثورة الفلسطينية في عام 1965م ،والتي ألهبت مشاعر الثوار ،وعموم أبناء الشعب الفلسطيني والأمة العربية ،ومازالت الأجيال تتغنى بها جيلاً بعد جيل حتى يومنا هذا .

ومع كل حدث كان يصيب فلسطين كان يطل علينا بلحن جديد وكأنه يؤرخ مراحل النضال الفلسطيني عبر الحانه وأناشيده فقد لحن وغنى بصوته الشجي العذب أغنية للانتفاضة الفلسطينية الأولى سنة1987م والتي يقول مطلعها( صعد صعد يا شعبي ثورة الحجار) وهي من كلمات الشاعر صلاح الدين الحسيني .

وعقب مجزرة الأقصى المبارك في العام 1990م  لحن وأنشد أغنيه (آه يا أمه محمد ... مسجد الأقصى مهدد) والتي كان يبثها تلفزيون فلسطين بشكل مستمر لعدة سنوات مع أغنية (صور يا مصوراتي ... صورة لأهلي وأخواتي ) كما لحن وأنشد أغنية  (غزة  يا غزة ) الشهيرة والتي مازال يقدمها العديد من طلبة المدارس في طابور الصباح في محافظات غزة .

قلده الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسام الاستحقاق والتميز سنة 2011م نجمة القدس ، تقديراً لدوره الوطني في حقل الإبداع الفني والثقافي ،وفي آخر لقاء له على شاشة تلفزيون فلسطين تمنى لو انه يكتب نشيد النصر قبل وفاته ،ولكن الموت غيبه في الثاني عشر من شهر أيلول سبتمبر 2016م في مستشفى فلسطين بالقاهرة بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز 76 عاماً تاركاً خلفه إرثا كبيراً  حيث دفن في مدافن السيدة نفيسة بالعاصمة المصرية القاهرة فسلام  عليك من أرض السلام.

التحق بالمقاومة في طفولته وحلم بتلحين أغنية عن تحرير فلسطين.. عن مهدي سردانة ملحن أشهر أغاني المقاومة الفلسطينية

تعتبر أغاني الثورة والمقاومة الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ من الهوية والواقع الفلسطيني، الذي تكوّن منذ سنة النكبة، إلى عام الثورة، ثم الحروب التي تلتها، وما زالت مستمرة.

إذ كانت هذه الأغاني، التي عُرفت بلقب "الفن المقاوم"، عبارة عن شعارات شافية، تحكي عن الواقع المعاش، ومطالب الشعب، ورأيه فيما يعيشه من ظلم وعدوان، بسبب الاحتلال.

وعند الحديث عن أبرز الأشخاص الذين حفروا أسماءهم في ذاكرة الفلسطينيين والعرب من خلال أغاني المقاومة، فإن الملحن مهدي سردانة سيكون أول الأسماء التي يتم ذكرها، بعد أن قام بتلحين أشهر وأهم الأغاني التي تم ترديدها في مظاهرات مختلفة، والتي تنادي بعودة الأرض لأصحابها.

مهدي سردانة.. من الفلوجة إلى القاهرة
وُلد مهدي سردانة سنة 1940 في قرية الفلوجة، التي كانت تابعة لقضاء غزة، حسب التقسيم الذي كان يعتمده الانتداب البريطاني حينها.

كبر مهدي وهو يشارك في الجلسات التي كان والده محمد سردانة، وهو شيخ للطريقة الصوفية، في المنزل، وفيما كان يسمع ويتلو القرآن والذكر بشكل دائم، وهو الشيء الذي كوَّن مهارته في التلحين، حسب تصريح له.

إلا أنه عندما كان سردانة في عمر الثامنة، هُجر إلى مخيمات اللجوء في الأردن بعد وفاة والده في أحداث النكبة التي أدت إلى احتلال الأراضي الفلسطينية من طرف العصابات الصهيونية، وتأسيس دولة خاصة باليهود.

لم يستمر مهدي سردانة في الأردن طويلاً، إذ إنه قرر العودة إلى غزة بعد سنتين فقط من اللجوء خارج الوطن، والتحق بصفوف المقاومة الفلسطينية وعمره لم يتجاوز 10 سنوات فقط.

وخلال هذه الفترة، تأثر سردانة بشكل كبير بالتراث الغنائي الفلسطيني، خصوصاً إعجابه بالألحان التي كانت تميز هذه الأعمال الفنية.

لكنه قرر الهجرة إلى مصر سنة 1958، عندما كان قطاع غزة تحت الإدارة المصرية، حيث التحق بالمعهد الموسيقي، ثم عمل في إذاعة "صوت العرب" بالقاهرة، بصحبة فنانين مشهورين بأعمالهم الخاصة بالنضال والمقاومة الفلسطينية، وهم فؤاد ياسين وأبو عرب وكامل عليوة.

بدأت تجربة سردانة تنمو من خلال تأديته لألحان كبار الملحنين المصريين من أمثال بليغ حمدي ورياض السنباطي.

فيما كانت إذاعة "صوت العرب " في القاهرة الباب الذي دخل منه مهدي سردانة إلى عالم التلحين الاحترافي، لينتقل بعد ذلك إلى إذاعة "صوت العاصفة" الناطقة باسم الثورة الفلسطينية التي كانت تبث من القاهرة.

إذ كانت هذه التجربة فرصة له من أجل لقاء شعراء مشهورين، مثل صلاح الحسيني ومحمد حسيب القاضي، ليشكلوا معاً رابطة خاصة بالأغاني الثورية، من ناحية الكتابة والتلحين، ونشرها عبر أثير إذاعة صوت العاصفة، التي تحول اسمها بعد ذلك إلى "صوت فلسطين"، وكانت تبث في كل من فلسطين في بغداد ودمشق.

ومن بين الأغاني التي قدمها سردانة في مساره، نذكر منها "طالعلك يا عدوي طالع"، و"ثوري ثوري يا جماهير الأرض المحتلة"، و"احمي الثورة بدمك"، و"جر المدفع"، و"أنا يا أخي"، و"يا شعبنا في لبنان"، و"شدوا زناد المرتين"، و"لغة البارود"، و"وعهد الله ما نرحل"، و"من قلب الخيمة".

ومع كل حرب أو معركة أو انتفاضة، كانت تصدر أغنية جديدة من ألحان سردانة، التي تتحول إلى شعار لا محيد عنه، من أجل التعبير عما يخالج المواطنين من مشاعر في صدورهم المحروقة بسبب عدوان الاحتلال.

حلم بالتحرير وتوفي بعد صراع طويل مع المرض 
تحول سردانة بفضل أعماله إلى أيقونة في مجال تلحين أغاني المقاومة الفلسطينية، فتم تلقيبه بعدة ألقاب، من بينها "قيثارة الثورة الفلسطينية"، و"ملحن الثورة".

ي سنة 2011، قلده الرئيس  محمود عباس وساما ، وذلك تقديراً لدوره الوطني في حقل الإبداع الفني والثقافي منذ النكبة.

وكان قد صرح في أحد البرامج التلفزيونية بأنه يحلم ويأمل أن يلحن الأغنية التي تتغنى بنصر فلسطين، ونهاية احتلال أراضيها، لتختفي التسميات التي تفرق الأراضي، بين الضفة وغزة، وتصبح كلها فلسطين.

أشار في تصريح آخر إلى أن غايته من هذه الأعمال الفني  التي قام بتلحينها لم تكن كسب المال، وإنما هي القتال بالطريقة التي يتقنها، وهي الكلمة والموسيقى.

إلا أن مهدي سردانة لم يعِش حلمه، بعد أن رحل عن عالمنا يوم 12 سبتمبر/أيلول من سنة 2016 بعد صراع طويل مع المرض، في مستشفى فلسطين بالقاهرة.

Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2025