الرئيسة/  مقالات وتحليلات

لماذا أعاد نتنياهو إشعال الحرب في غزة؟ خيار سياسي أم ضرورة أمنية ؟

نشر بتاريخ: 2025-03-25 الساعة: 04:22

 

د. دلال صائب عريقات


أعلن نتنياهو بشكل عنيف انتهاء الهدنة- وقف إطلاق النار، وعاد القصف الإسرائيلي على غزة. لم يكن مفاجئًا أن يعيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إشعال فتيل الحرب، فبالنظر إلى الأوضاع الداخلية في إسرائيل، لم تعد هذه الحرب مجرد هدف عسكري أو أمني، بل أصبحت أداة للبقاء السياسي ووسيلة للهروب من الأزمات التي تهدد حكمه.

في الوقت الذي تتواصل فيه المجازر في غزة، تشهد الضفة الغربية تصعيدًا خطيرًا من خلال الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة، والاعتقالات التعسفية، وجرائم المستوطنين، والحواجز والتضييق المستمر على المواطنين ما يعكس استراتيجية متكاملة لتعزيز الاحتلال وترسيخ الهيمنة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. ولكن ما الذي يدفع نتنياهو إلى تفضيل استمرار الحرب على إنهائها، رغم الضغوط الدولية والمطالبات بإنقاذ الأسرى الإسرائيليين؟

١. الحرب كأداة لبقاء نتنياهو في السلطة: يواجه بنيامين نتنياهو واحدة من أصعب الفترات في تاريخه السياسي، حيث تعصف به فضائح الفساد التي تلاحقه منذ سنوات، وتتزايد الضغوط الداخلية من عائلات الأسرى، المعارضة، والقوى الأمنية، إلى جانب الانقسامات داخل ائتلافه الحكومي الذي يضم أحزاب اليمين المتطرف.

٢. تأجيل محاكمته بالفساد: من خلال إشعال الحرب، يواصل نتنياهو التهرب من المحاكمة بتهم الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال، والتي كانت تقترب من مراحلها الحاسمة. الحرب تمنحه فرصة تعطيل الإجراءات القضائية.

٣.  الحفاظ على تماسك حكومته: الائتلاف الذي يقوده نتنياهو يضم شخصيات يمينية متطرفة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، تهدد بإسقاط الحكومة إذا تم التوصل إلى اتفاق مع حماس يؤدي إلى وقف الحرب. استمرار العمليات العسكرية يُبقي على تماسك ائتلافه الهش ويضمن بقاءه في السلطة.

٤.  تحييد المعارضة الإسرائيلية: كانت إسرائيل تشهد احتجاجات غير مسبوقة ضد حكومة نتنياهو بسبب محاولاته لتعديل النظام القضائي وتقليص صلاحيات المحكمة العليا. لكن مع بدء الحرب، تم إسكات معظم الأصوات المعارضة، حيث تراجعت الاحتجاجات تحت وطأة التصعيد العسكري والأزمة الأمنية.

 أولويات نتنياهو: الحرب بدلاً من الأسرى، رغم الضغوط الداخلية من عائلات الأسرى الإسرائيليين، فإن نتنياهو لا يعتبر استعادة الرهائن أولوية. بل إنه يعرقل الجهود التي قد تؤدي إلى إطلاق سراحهم، خوفًا من أن يكون الثمن السياسي كبيرًا.

رفض الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق: عندما تم التوصل إلى هدنة إنسانية، كان الهدف هو إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين. لكن إسرائيل رفضت الانتقال إلى المرحلة الثانية من الصفقة التي كانت ستؤدي إلى إطلاق سراح المزيد من الرهائن، ضمن إطار سياسي وانسحاب إسرائيلي من غزة. بدلاً من التفاوض الجاد، استغل نتنياهو قضية الأسرى لتعزيز الدعم الشعبي للحرب، مستخدمًا خطابًا عاطفيًا لاستثارة الرأي العام الإسرائيلي.

بالنسبة لنتنياهو، فإن استمرار الحرب تحقق هدفين: الأول، إبقاء الإسرائيليين في حالة شعور دائم بالخطر، ما يسهل عليه تمرير سياسات استبدادية. والثاني، خلق مزيد من الضغوط على المجتمع الدولي لمنحه غطاءً سياسيًا ومالياً وعسكرياً لاستمرار عملياته في غزة.

الحرب لا تمنح نتنياهو بقاءً سياسيًا فقط، بل توفر له فرصة مالية لإعادة ترتيب أولويات الميزانية. مع استمرار المعركة، يستطيع نتنياهو تمرير ميزانية ضخمة للجيش، متجاهلاً المطالب الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل. استمرار الحرب يعني ضخ مليارات الدولارات في الجيش، وهو ما يرضي القيادات العسكرية ويضمن دعمها للحكومة.

الحرب تؤجل المساءلة عن الفشل الاقتصادي، حيث يتم تبرير أي أزمة مالية بأنها نتيجة "الظروف الأمنية الصعبة". كما ان استمرار الحرب يعزز مكانة نتنياهو لدى اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث يسعى للحصول على مزيد من الدعم العسكري والمالي تحت ذريعة "محاربة الإرهاب".

التصعيد الموازيٍ في الضفة الغربية يعني فرض سياسة الأمر الواقع. لم تقتصر عمليات إسرائيل العسكرية على غزة، بل شملت تصعيدًا كبيرًا في الضفة الغربية، حيث شهدت مدن مثل جنين، طوباس، نابلس، رام الله والخليل اجتياحات متكررة، واعتقالات جماعية، وجرائم مستوطنين متصاعدة.  الهدف الأساسي هو فرض وقائع جديدة على الأرض لمنع أي حل سياسي مستقبلي، حيث تسعى إسرائيل إلى توسيع الاستيطان وتهجير الفلسطينيين قسرًا وضم ما تبقى من الأرض. كما تستغل إسرائيل الفوضى في غزة للضغط على الضفة من خلال تكثيف الاعتقالات وإضعاف أي مقاومة شعبية ضد الاحتلال. وكل ذلك في محاولة لتفكيك الوحدة الفلسطينية عبر تعزيز الانقسام الداخلي بين الضفة وغزة، وضرب أي محاولات لتوحيد الصف الفلسطيني سياسيًا أو ميدانيًا.

في ظل كل هذه المعطيات، لم يكن قرار إعادة الحرب في غزة مبنيًا على ضرورات أمنية، بل كان خيارًا سياسيًا محضًا يخدم بقاء نتنياهو في السلطة. الحرب ليست مجرد معركة عسكرية، بل وسيلة لقمع الاحتجاجات الداخلية، تجنب المحاكمة، إرضاء الأحزاب اليمينية، والحفاظ على الميزانية العسكرية. والنتيجة؟ آلاف الضحايا من الفلسطينيين، استمرار المعاناة الإنسانية، وتدمير أي أمل في التوصل إلى سلام دائم، وحماس والمقاومة الذريعة التي يغطي بها نتنياهو كل جرائمه وأهدافه. 

المعادلة واضحة بالنسبة لنتنياهو، الحرب أهم من استعادة الرهائن، والمجازر في غزة والضفة مجرد وقود لحياته السياسية.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2025