قراءة في تبريرات قيادات حماس لمآلات السابع من أكتوبر
نشر بتاريخ: 2025-03-05 الساعة: 11:40
حلمي أبو طه
لم أكن راغباً في الحديث عن تصريحات قيادات حماس بشأن علمهم أو جهلهم بمآلات أحداث السابع من أكتوبر، لكن شعوراً داخلياً دفعني للبحث في خفايا هذا الموضوع، الذي أرى فيه كثيراً من "ركوب الموجة" أو محاولات لكسب رضا قوى المجتمع الدولي ومستضيفيهم من دول عربية وإسلامية. وما زاد من إصراري على الحديث: غيرتي على أبناء مدينتي رفح؛ فقد جاءت هذه التصريحات لبعض قيادات المكتب السياسي لحماس، الذين ينتمون إلى رفح، بأنهم لم يتوقعوا ردة فعل إسرائيل على تلك الأحداث، وهنا أصبح الحديث يتخذ توجهاً جديداً ولا يمكن السكوت عنه، وقد أراها تصريحات تدخل ضمن نطاق القول المأثور: "سكت دهراً". وكان من الأفضل لهم أن يصمتوا، إن كانوا قد توقعوا شيئاً بالفعل. الحديث هنا عن الدكتور موسى أبو مرزوق والدكتور غازي حمد، اللذين يحاولان الآن رسم صورة تبريرية لمألات السابع من أكتوبر، متذرعين بالمفاجأة.
ولكن يا دكتور غازي، منذ اللحظة التي انطلقت فيها الصواريخ في السابع من أكتوبر 2023، كان واضحاً للجميع – حتى للمرأة الطاعنة في السن في رفح – أن الثمن سيكون باهظاً: بعشرات الآلاف من الشهداء، وأضعافهم من المعاقين، وثلثي غزة تحت الركام. فكيف تقول وتصرح "أن لا أحد توقع رد الاحتلال على السابع من أكتوبر ولا حتى أي مفكر سياسي". هذا التصريح قد يعد بالنسبة لأهالي غزة إقراراً بالهزيمة، لكنه بالنسبة لي تأكيد على خداعكم للشعب. أي والله، لقد خُدع الشعب بكم وبحساباتكم الضيقة التي عجزت عن رؤية المألات الكارثية لتلك الأحداث. وكان الأجدر بكم إدراك الحقيقة وإعمال العقل، مصداقاً لقوله تعالى على لسان نبيه لوط: "أليس منكم رجل رشيد". وما زاد الطين بلة، تصريح الدكتور موسى أبو مرزوق الذي قال فيه: "لو كنت أعلم أن هجوم السابع من أكتوبر سيجلب لنا كل هذا الدمار والخسائر، لكنت عارضته". فهذا التصريح يعكس ثلاثة أمور خطيرة: أولاً، ارتباكاً سياسياً واضحاً؛ ثانياً، فشلاً ذريعاً في تقدير عواقب الأحداث؛ وثالثاً، استغفالاً واستخفافاً بعقول من وثقوا بكم. كيف يُعقل أن يُخطط لهجوم بهذا الحجم دون حساب دقيق للتبعات؟ كيف لمن يقود شعباً في مواجهة شرسة أن يقول: "لو كنت أعلم"؟ ألم تكن أربعة حروب طاحنة قبل طوفان الأقصى كافية لاستخلاص العبر؟ أم أنكم ما زلتم تجهلون طبيعة العدو الذي تواجهون؟ أم كنتم غارقين في أوهام القوة والقدرة على التحكم في النتائج؟ يبدو أنكم فشلتم في قراءة الواقع وأوغلتم في مغامرة غير محسوبة العواقب، دفع الشعب الفلسطيني ثمنها غالياً.
دكتور موسى، اسمح لي: وليعذرني الجميع، فأمام تصريحاتك، لا أجد تفسيراً إلا واحد من اثنين: إما أنك أصبت بالخرف السياسي، أو أنك تتعمد تجاهل حقيقة لا يمكن نسيانها. كيف يمكن أن تنسى تصريحك الذي أطلقته بعد أكثر من ثمانية أشهر من الحرب، حين دعوت الجيش الإسرائيلي – وبجرأة تُحسد عليها – للدخول إلى رفح؟ ألم تكن تدرك وقتها حجم الدمار الذي خلّفته الدبابات والجرافات الثقيلة في كل مدينة اجتاحتها؟ وكنا حينها قد تجاوزنا الثلاثين ألف شهيد. أليس المواطن البسيط هو من يدفع اليوم ثمن ذلك التحدي؟ ثم كيف غاب عنك، يا دكتور موسى، أن دعوتك تلك لم تضر فقط بغزة وأهلها، بل سوّدت وجه مصر أمام العالم، وأفقدت المقاومة ورقة استراتيجية كانت تمتلكها؟ لقد استبحتم ورقة مصر، كما استبحتم ورقة حزب الله، فأضعفتم معادلة المقاومة وخسرتم أدوات القوة. لقد كنتم تملكون ما يكفي من الحكمة والتجارب لتدركوا أن التحدي الأجوف لا يصنع نصراً، وأن المكابرة على حساب الشعب لا تُسجَّل بطولة في صفحات التاريخ.
وهنا: يخال لي – وأتمنى أن أكون مخطئاً – أن قيادات حماس كانت تخوض منافسة شرسة، وسباقاً محموماً، حول أي المدن في غزة ستداس وتُدمَّر أكثر، وأيها سيرتفع عدد قتلاها ومعاقيها، ليتمكن أبناؤها من التقدم إلى المكتب السياسي ورئاسته. كما أن هذا الشعور يراودني كلما سمعت تصريحات بعض القيادات، كتصريحات أسامة حمدان وغيره، وهم يتحدثون عن أعداد الشهداء والجرحى وكأنها مجرد أرقام مالية تودع في أرصدة مالية، أو نقاط تُحسب في سباق سياسي. أين حرمة الدم؟ أين تقدير الأرواح التي أُزهِقت والأحلام التي دُمِّرت؟ فالحرب ليست مجرد أرقام تُسجَّل في إحصائيات لنشرها والتباكي عليها في المؤتمرات الصحفية وأمام شاشات الفضائيات. إنها دمار للأرواح، ومحو للمستقبل، ومأساة يعيشها شعب بأكمله. كان الأجدر، يا دكتور موسى، أنت ورفاقك، أن تُعمِلوا عقولكم وتفكروا في العواقب الإنسانية قبل أن تتفاخروا بحروب لم تجرّ على غزة إلا الخراب. فتلك الأرقام ليست مجرد إحصائيات؛ إنها أرواح، وأحلام، ومستقبل شعب يتجرع الألم كل يوم.
إن تأخر تصريحاتكم واعتذاراتكم لا يعكس بالضرورة مراجعة حقيقية أو شعوراً صادقاً بالمسؤولية. بل يبدو لنا أنه يسلك أحد طريقين: الأول، أنه تكتيك محسوب لإعادة تشكيل الواقع والتحكم في المشهد. فأنتم تدركون جيداً أن الجماهير تبحث عن الأمان أكثر من الحقيقة، وتعرفون أن الخطاب الذي لطالما استخدمتموه كأداة للتجييش يمكن أن يعيدكم إلى الواجهة، حتى وإن كان ذلك على أنقاض شعب يعاني. أما الطريق الثاني، فهو شعوركم بانكشاف وضعف موقفكم أمام المجتمع الدولي، الذي يرفض بشكل قاطع إشراككم بالمشهد، وإدراككم أن البساط قد يُسحب من تحت أقدامكم، فلم تجدوا مفراً من محاولة البقاء عبر رفع شعار "الحرب خدعة". وهذا شعار لا أرى أن أهل غزة سيرونه بالمعني الحقيقي الذي قيل فيه، والذي تريدونه، وأن رؤيتهم ستمسكم بسوء ولن ينجوا أحد منكم من ألسنتهم. فقد عبثتم بمصائر الناس، وجعلتم من الشعب الفلسطيني وقوداً لمعارككم الخاسرة، دون اكتراث حقيقي بمصيرهم أو بمستقبل هذا الوطن الجريح.
وختاماً، أوقفوا هذه الأصوات التي تزيد من كراهية الشعب لأبنائه، وكفى خداعاً واستغلالاً لمشاعر الناس. كفى مقامرة بأرواح البسطاء. لم يعد الشعب يحتمل المزيد من الخداع أو المغامرات التي يدفع ثمنها وحده
mat