الرئيسة/  مقالات وتحليلات

أيتام غزة.. براءة تائهة في وجه المجهول

نشر بتاريخ: 2025-01-26 الساعة: 10:56

 

د. ولاء بطاط


انطوت صفحة عام 2024، لتُسجل في ذاكرة التاريخ كأحد أشد الأعوام قسوة على الأطفال، تاركة خلفها جراحا غائرة وندوبا لن تندمل بسهولة. كان هذا العام بالنسبة للطفل الفلسطيني كابوسا متجددا ما زال يلاحقه، عايش فيه كل ألوان المأساة: قتل بلا رحمة، تدمير بلا توقف، نزوح بلا أمل، وتجويع ينهش الأجساد الغضة، وخوف يتسلل إلى الأرواح، وآلام تفوق القدرة على الاحتمال.

بات الطفل الفلسطيني يرى في الموت خلاصا وشيكا، وفي النجاة أعجوبة مستحيلة. هذه الحرب العبثية لم تكتفِ بهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، بل استهدفت أعماق براءة الطفل الفلسطيني، فأزهقت أحلامه ونسفت أمنه وحطمت آماله فأصبح يرى أن الحياة مستحيلة في ظل الظروف القاسية التي يعيشها حيث تشير الدراسات إلى أن 96% من أطفال غزة يعيشون تحت وطأة شعور دائم بأن موتهم بات قريبا، بينما تمنى 49% منهم الموت هربا من ظلمٍ فاق حدود قدرتهم على التحمل.

حينما نتأمل هذه النسب التي تعكس واقع أطفال يرون الموت أقرب إليهم من الحياة، وآخرين يتمنون الخلاص بالموت هربا من العذاب الذي يحيط بهم، ندرك حجم المعاناة التي تجرعوها ليبقوا أسرى هذا البؤس القاتم. وفي هذا السياق، يقع على عاتق مؤسسات حقوق الطفل واجب التمعن بعمق في حال أطفال فلسطين، الذين أرهقتهم الانتهاكات الإسرائيلية الجائرة، وضرورة العمل الجاد على رفع الظلم واستعادة حقوقهم المسلوبة.

فكيف لطفل صغير أن يصمد أمام هذا الخراب الشامل؟ كيف له أن يحتمل فقدان أبويه أو أسرته؟ كيف لقلبٍ هش أن يواجه غياب كل ما يُشعره بالأمان؟ وسط هذا الدمار، تظهر ملامح كارثة إنسانية جديدة: أكثر من 38 ألف طفل يتيم يواجهون مصيرا مجهولا. أطفال فقدوا حضن الأسرة، وأصبحوا أسرى الخوف والضياع، يتنقلون من خيمة مهترئة إلى أخرى، ومن نزوحٍ إلى نزوحٍ جديد.

هؤلاء الأطفال ليسوا بحاجة إلى مجرد مأوى أو طعام يسد رمقهم، بل يحتاجون إلى ما هو أعمق، إلى دفء يرمم شظايا أرواحهم، وأمان يعيد لهم ثقة فقدوها في هذا العالم القاسي. هم بحاجة إلى قُبلة تمسح عنهم غبار الأحزان كل صباح، ولمسة حانية تواسيهم كل مساء، وابتسامة صادقة تبعث في قلوبهم الأمل من جديد.

يا أبناء الوطن وأصحاب الضمائر الحية، هؤلاء الأيتام هم بقايا أملنا الباقي، هم الحلم الذي يجب أن نحميه ونرعاه. إنهم الوطن بأسره، ومن دونهم لن تكون هناك فلسطين. علينا أن نعيد زرع بذور الحياة في أرواحهم، أن ننثر الحب في قلوبهم، وأن نُحيي فيهم الأمل بالغد. فلنتحمل مسؤوليتنا تجاههم، ولنجعل من جراحهم بداية لنهضة وطن يستحقهم، ووطن يستحقو

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2025