الثورة والعاطفة.
نشر بتاريخ: 2025-01-21 الساعة: 16:18كتب / جميل عبد النبي
تحتاج أي ثورة إلى العاطفة لتحفيز الناس على الالتحاق بها، والتضحية في سبيلها، الثورة تعني التضحية، وليس كل الذين يفهمون بعقولهم فقط قادرين، او مستعدين للتضحية من أجل القضية التي يفهمونها، ، أما اولئك الذين تتحرك فيهم عواطفهم الوطنية، او الدينية، أو أي عاطفة ذات صلة، فهؤلاء يضحون، حتى لو كانوا لا يفهمون، لذا لا يمكن لأي ثورة ان تزعم عدم حاجتها للعاطفة.
هذا مفهوم تماماً، كما أنه من غير المطلوب ان تُجرّد الناس من عواطفهم، ليس فقط وانت تدعوهم إلى الثورة، بل وفي كل تفاصيل حياتهم، فالعواطف هي الجمال، وهي الحياة ذاتها، اما اولئك المجردون من عواطفهم، فهم مجرد آلات بصورة بشرية، وانا أزعم أن العواطف النبيلة هي التي تقف خلف كل ما هو جميل في الحضارة الإنسانية، قديمها .وجديدها، سواءً الجمال المدني المتمثل في المعمار والبنيان، أو جمال الأفكار التي انتجت المعاهدات، والنظم، والقوانين الأخلاقية.
كما أن الثائر الذي قرر أن يضحي بنفسه من أجل شعبه إنما يتمثل اقصى درجات التفاعل العاطفي، حتى أثناء وجوده في قلب المعركة لا يمكنه التخلي عن العاطفة، وإلا تحول إلى حيوان بصورة بشرية.
العاطفة التي تحافظ على إنسانيته، هي التي تدفعه لأن يفكر فيما يمكن أن يترتب على فعله من أضرار قد تلحق بالآخرين.
باختصار العاطفة هي الإنسانية ذاتها، ولسنا ندعو لأن يتنصل منها أي ثائر في كل لحظاته، فاين المشكلة إذن؟
في السابع من اكتوبر عام 2023- وقبل ان أطّلع على بعض التفاصيل التي كنت سأرفضها من حيث المبدأ لو عرفتها- شيء ما في داخلي تحرك، عدوي الذي استعبدني منذ ولادتي، وكان قد طرد أهلي، واغتصب تاريخي تلقى لطمة جرحت كرامته، شعرت بفرحة أنني عايشت لحظة شاهدت فيها إذلال عدوي، كان عقلي في الناحية الأخرى يخبرني أننا ضِعنا، وأننا تجاوزنا الحدود التي يمكن لنا ان نعمل تحتها، وكنت أتوقع ما هو أسوأ، ربما ليس ذات التفاصيل المرعبة التي عشناها طوال الخمسة عشر شهراً ونصف الشهر خلال الحرب، لكني كنت أتوقع التهجير، وليس سوى التهجير، صحيح أن التهجير الأهم بالنسبة لإسراا ئيل هو لفلسطينيي الضفة، لكنه الحل الأمثل لإسراا ئيل لكل فلسطيني داخل كل حدود فلسطين، وهذا بالمناسبة ما شرحت اسبابه قديماً في عشرات المقالات، وليس موضعه الآن،،، عقلي قال لي: سنبكي دماً خلال قادم الأيام ما بعد 7/10/2023، وهذا بالمناسبة ما يعرفه، ويقر به كل فلسطينيي غزة، ربما إلا بعض منتسبي حماا س- وليس كلهم- ممن لا يروننا أكثر من وقود، يمكن لأي مقامر ان يحرق منا بالقدر الذي يربد، وليس لنا خلال عملية حرقنا إلا ان نشكر بطولاته، ونتغنى بها!!!!
هنا نبحث عن الحد الفاصل الذي لا يمكننا تجاهله، بين مساحة عمل العاطفة التي نؤمن الّا غنى عنها، وببن مساحة فعل العقل، الذي عليه أن يقرر كيف، ومتى، وحجم اي فعل.
ليست المسألة مجرد رغبة في الانتقام،،، للمسألة الفلسطينية أبعاد أعمق، وأعقد بكثير من الانتقام، نحن هنا لسنا في صراع سيوف، او نبابيت، او حتى بنادق خفيفة، ولسنا في عركة مع عائلة، او قبلية، او حتى دولة ليس لها حلفاء، نحن نقاتل دولة نقر كلنا أنها رأس حربة لمشروع استعماري قديم متجدد في المنطقة، وان هذه الدولة مدججة بكل الوسائل المدمرة، وأنها محمية من صانعيها، ومن يقاتلها عليه ان يدرك انه يقاتل عالماً كاملاً، لذا ليس عليه أن يستسلم، او أن يتنازل عن حقوقه، لكن عليه أن يعرف كيف يقاتل، وبأي الوسائل، وكيف لا ينجر إلى الميدان المحسوم لصالح أعدائه.
هنا يبرز دور العقل،،، لا مجال هنا للسماح لعواطفنا وحدها ان تقودنا،،، العواطف جميلة، ورائعة، لكنها قد تقود إلى الانتحار، وهذا برأيي ما فعلته حماا س بنفسها، وبنا، بعيداً عن اي تخوين، او اتهام.
أنا ازعم أن كل الذين قرروا إشعال فتيل مقامرة 7/10 من حماا س كانوا يدركون ان رؤوسهم باتت على المحك، ومع ذلك فعلوها، هذا يحتاج إلى فدائية عالية، لكن ما فائدة الفدائية بلا عقل؟! انظروا إلى النتائج، ما الذي تحقق من الأهداف التي أعلنها الضيف في خطابه صباح 7/10؟ لقد كانت النتائج متوقعة من كل ذي عقل، لكن ماذا نفعل إن حلت الأيدلوجيا والعاطفة محل العقل؟
للحديث بقايا.