الرئيسة/  مقالات وتحليلات

القبر والنصر والدمار والانتصار !!

نشر بتاريخ: 2025-01-18 الساعة: 02:50

 

 موفق مطر


حملة انقلاب لغوية ممنهجة، تقتحم وعي الجمهور الفلسطيني خصوصا، كما العربي عموما، أسلحتها مفردات ومصطلحات اللغة العربية، ومعانيها، الغاية منها، تكريس المعاني المعاكسة، لمعانيها الحقيقية، وذلك لتحقيق مكاسب سياسية، تبدو لناظرها من عامة الناس عظيمة، مهمة، لكنها بمعيار الحقائق والوقائع عكس ذلك تماما.

وللتوضيح دعونا ننظر لمعنى فعل ضادَّ بين الشَّيئين: سنجد حسب معجم المعاني الجامع "جعل أحدهما ضدّ الآخر" هذا في الحالة الطبيعية، أما في هذه الحملة التي نقصدها، فإن تضليل الجمهور هو الاستراتيجية، التي لا بد منها لدى الانقلابيين، لبلوغ مرحلة السيطرة على الوعي الفردي والجمعي للجمهور وإدراك الفرد والمجتمع، ورؤيتهما للأمور، فهؤلاء لا يقدمون النجاح، لبيان ضده (الفشل) وإنما يذهبون مباشرة لابتداع معنى وطرح تفسيرات، وتأويلات، لا جذور لها في معارف وعلوم اللغة، لتغييب النجاح، وتبديد معناه  اللغوي والعملي، وتعميم المعنى الانقلابي المصطنع لتبرير الفشل، الذي أصبح علامة فارقة لدى هؤلاء الانقلابيين.

وإذا ألقينا نظرة سريعة على المصطلحات والمفردات، المتداولة الآن على ألسنة المُضَلِلِين في سياق خطاباتهم الاعلامية والسياسية، سنكتشف حجم الكارثة المدمرة لبصيرة الجماهير الفلسطينية والعربية، وذلك بالهتك المقصود لشرف معنى النصر والانتصار.

وحتى نكون في موقع الحياد، سنقدم للقارئ الكريم المعنى الحقيقي، للنصر والانتصار، كما هو حرفيا في المعاجم العربية، فالنصر معناه: تحقيق الإتقان أو النجاح في النضال أو المسعى ضد الصعاب أو الصعوبات، أما الانتصار الذي هو مصدر انتصر، ووفقا للمثال الوارد في المعجم: انتصر على خصمه: غلبَه وقهره واستظهر عليه.

وبمقارنة سريعة بين المعنى الأصلي، والمعنى المزيف، أو الانقلابي، سنكتشف حجم وأبعاد الجريمة المرتكبة بحق التكوين المعرفي للجماهير، والثقافي، كشروط لازمة، لتطبيق قواعد تربية وطنية، قائمة على الفهم الدقيق للمصطلحات والمعاني وتطبيقاتها، في الحياة العملية للفرد والمجتمع والشعب، وهذا الاكتشاف متروك لكل شخص- انثى كان أو ذكرا- ما زال يتمتع ببصر وسمع وحس سليم، وصحة نفسية، والأهم اعتقاده بوجوده برتبة انسان!

لكن هذا الاكتشاف سيبقى منقوصا ما لم يعرف المعنى الحقيقي للقَبْر، الذي كرسته المعاجم على أنه: المكان الذي يدفن فيه الإنسان من الأرض، وللتدليل: قبَر القضيَّةَ: ومعناها: أخفاها حتى لا يبقى لها أيُّ أثَرٍ! وما لم يعرف المعنى الحقيقي ايضا للدَّمارُ: المعرف بأنه: خراب وهلاك، وللتدليل كما جاء في المعجم: دَمَّرَ الشَّيءَ: حَطَّمه وأباده، بدَّده وضيَّعه، وتدمَّر الشَّيء: تَضَرَّر ولحِقَ به خرابٌ شامِلٌ، تخرَّب، تقوَّض، باد وتبدَّد!

الآن.. وبعملية جمع بين مصطلحي النصر والانتصار، المنطوقة بين كل كلمتين في الجملة الواحدة بألسنة قادة سياسيين انقلابيين فاشلين، ويبيعها محللون في أسواق فضائيات الخديعة والتضليل، تحت يافطة خبراء استراتيجيين! سيدرك ابن البلد الانسان أن المقصود ليس بيته وابنه وعائلته، ليكونوا في القبر، وليس المدرسة والمستشفى والجامعة والنادي والمصنع والمزرعة، وكل اركان الحياة العصرية وحسب، بل وجوده أصلا، والمعاني النبيلة كافة التي من شأنها تعزيز انسانيته وانتماءه لوطن، من أرض وشعب، ودستور، وقوانين، وعدالة، تشمل الجميع في الحياة، سيدرك ابن البلد، أن المتكسبين من موته وتضحياته ومعاناته، يحاولون اقناعه ان الفوز بالقبر هو النصر، وان الدمار هو الانتصار.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2025