ما لا يستنبت.. بالقوة !
نشر بتاريخ: 2025-01-12 الساعة: 13:12
- حسن حميد
يكاد المرء يخرج من جلده، وهو يرى الإسرائيليين يقترفون من الكواره، والأذيات، والبشاعات، والقباحات الكثيرة التي اجتاحها ورم الغطرسة، والعنصرية، والتصديق بأنهم فوق البشر، وأنهم من سلالات أعلى من سلالات البشر طرا، هؤلاء الذين يعيشون نهاراتهم ولياليهم تفكيرا وتصريحا وفعلا من أجل إلحاق كل كريهة بالفلسطينيين، وتقييد حرياتهم، واعتقالهم، ومطاردتهم في جميع أنحاء الدنيا، وقتلهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
هؤلاء السياسيون الإسرائيليون، وقادة جندهم، لا يخجلون إن ظهروا تجليا على العالم كله، وحالاتهم وهيئاتهم هي حالات وهيئات من يعملون في مسالخ ذبح الحيوانات، إنهم يفرحون إن هم خرجوا فرحين أمام الكاميرات، والدماء تغطيهم، وبأيديهم السكاكين الطويلة، لأنهم يشعرون بالبطولة، والتفوق، والانتصار، ولو كان ذلك الانتصار على الأطفال الفلسطينيين الرضع، أو على التلاميذ الذاهبين إلى المدارس، أو الجرحى الراقدين في المشافي، أو على المصلين الراكعين في المعابد.
هذه الأفعال الناقصة، وهذه الثقافة الدموية الإسرائيلية ليست جديدة، إنها سيرتهم الذاتية التي يتفاخرون بها منذ أزمنة طويلة منصرمة، فليس من شبر في الأراضي الفلسطينية، إلا وروي بالدم الفلسطيني، والقاتل دائما هو الإسرائيلي، وما من مذبحة أو مجزرة ارتكبت فوق الأراضي الفلسطينية، إلا وكان مرتكبها هو الإسرائيلي، وما من خوف يشيع في الهواء الفلسطيني، إلا وسببه الإسرائيلي، لأن العقل الإسرائيلي، هذه هي طبائعه، وهذه هي مرجعيته العنصرية الاستعلائية، وهذا هو استناده للقوة الباطشة المنفلتة من كل قانون، وعرف أخلاقي، وخجل إنساني، العقل الإسرائيلي هو كذلك لأنه يعرف بأنه ناج، لا شك، من كل حساب أو عقاب أو عتاب، هذا العقل الإسرائيلي يتفتق، في كل طالع نهار، ويتشقق عن آراء، وأفكار، وتوجهات.. أنفاسها حامضية وأكثر، ولا هدف لها سوى ديمومة الصراع، والبحث عن منازلات دموية أخرى، وآخر ما تفتق عنه هذا العقل الإسرائيلي الأعمى، هو ما ينشره دعاة اليمين الإسرائيلي المتطرف، وهم حكام الكيان الإسرائيلي في هذه الآونة، من خرائط دينية، لا تستند إلى التاريخ ولا إلى الجغرافية ولا إلى المنطق، وإنما تستند إلى حكايا خرافية يتناقلونها قيلا عن قيل، وعمرها آلاف السنوات، كمايدعون، شأنها في ذلك شأن أكاذيبهم بأنهم (أبناء الله وأحباؤه)، وليس بين أيديهم من سند أو تلميح، أو إشارة، أو حادثة، أو خبر يؤكد ما يقولونه، أو ادعاؤهم بأنهم جاؤوا إلى الأرض الفلسطينية ليعيشوا ويبنوا دولتهم فيها، لأنها أرض بلا شعب، وهذا محض هراء وكذب، لأن الفلسطينيين هم أول من عمر هذه الارض، وهم أهلها،وهممن قاوموا وتصدوا لكل الغزوات التي هددت جغرافيتهم، وقيمهم، وكرامتهم، لقد قاتلوا كل من طمع ببلادهم، وليقرأ الإسرائيليون تاريخ المنطقة، وما الذي فعله الفلسطينيون، خلال التواريخ الدانية من أيدينا فقط تجاه الاسكندر المقدوني، والرومان، والبيزنط، والبطالمة، والسلوقيين، والمغول، والتتار، والعثمانيين، ونابليون بونابرت، والانكليز.. وهم أهل فلسطين الذين كتبوا تاريخها، تاريخ العمران والكرامة، ومن كان تاريخه تاريخ عمران وكرامة، لا يرضى بالضيم والظلموت.
لو كان هؤلاء الإسرائيليون يدركون ويعرفون الدنيا وأحوالها لتساءلوا، وهم يشهرون اليوم خرائطهم الخرافية/ البدعة في وجوه الفلسطينيين، أليس كل الشعوب في الدنيا تمتلك خرائط قديمة باتت لا تتناسب مع واقع الحال في أيامنا الراهنة، وأن تلك الخرائط القديمة، وحتى الحديثة منها، رسمت بسبب مفاعيل القوة، وتجاهل القانون، والايمان بثقافة التهديد والوعيد، وكل هذا يعرفه الشعب الفلسطيني، ولا يسمح للكيانية الإسرائيلية بأن تهدده بمثل هذه الخرائط المستلة من ذهنية متطرفة في عنصريتها وتوحشها، على الرغم من المعرفة الجلية بأن موازين القوى تميل لصالح الكيانية الإسرائيلية، وأن كل أصحاب القوة، على مختلف أشكالها، في االغرب، يدعمونها ويؤيدونها ويسكتون على أفعالها الدموية لأسباب كثيرة ومعروفة، ولكن دوام الحال من المحال، ولا بد لهذه الموازين، إن استرشد أهل القوة بالعقل، من أن تمضي إلى القوانين الدولية كي يتم إنصاف أهل الظلموت من ظالميهم، وصفحات التاريخ ملأى بالحادثات الشائنة، مثلما هي ملأى بأنفاس القوة، وروائح الدم، لحكام سالفين ظنوا، كما يظن الإسرائيليون اليوم، بأن القوة هي كل شيء، وهي الكفيل والضامن للحياة والبقاء وهي الحارس لأفكارهم الشيطانية، ونزعاتهم العنصرية الدموية، وهي الحارس لمستوطناتهم القشرية، وهم واهمون، لأن ما يبنى على الباطل باطل، وما يأتي به السيف ظلما وعدوانا يمحوه الإيمان بالحق، وتمحوه القناعات الأبدية بالعدالةوجمالياتها وترسيماتها الباقية، و القيم السمحة النبيلة، وفي طالعها..المحبة.
ما يريده الإسرائيليون المتطرفون فكرا ودينا وسلوكا وجلافة.. من خرائطهم التي ينشرونها اليوم هنا وهناك، ويجاهرون بأنها ستصير واقعية، هو التهديد الذي يشير إلى هشاشة هذه الكيانية الإسرائيلية، وهشاشة ثقافتها، وفساد سلوكها، وتخبطها الأعمى، وتطرفها الوحشي، لأن كل شيء فيها مستجلب، وطارى، ومستعار، وهجين، انها كيانية فاقدة إلى ما يسميه هيغل بـ (الطبيعية)، وما سماه ابن رشد بـ (الحس الآدمي)، وما تسميه أمهاتنا (بالأصالة)، وكل هذه: الطبيعية، والحس آلادمي، والأصالة، لا تستنبت.. بالقوة!