طقم المهد في الفاتيكان.. الدبلوماسية الثقافية الفلسطينية.. ماذا بعد؟
نشر بتاريخ: 2024-12-17 الساعة: 04:08
د. دلال صائب عريقات
في عالم مليء بالتحديات وعدم اليقين، تتجلى أهمية استثمار التراث الثقافي والديني كوسيلة لإحياء الأمل وتعزيز الدبلوماسية العامة. تجربة ترميم كاتدرائية نوتردام في باريس كانت نموذجًا عالميًا يحتذى به، حيث تحولت الكارثة (الحريق) إلى فرصة لإحياء الروح الجماعية والتأكيد على أهمية الحفاظ على الإرث الثقافي والإنساني وهذا ما شهدناه باستضافة فرنسا لمشاهير وصانعي القرار من حول العالم.
على ذات النهج، تقدم مدينة بيت لحم، مهد المسيح، نموذجًا فلسطينيًا رائدًا في استثمار الثقافة والإبداع لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية. ورغم غياب الاحتفالات بعيد الميلاد للسنة الثانية على التوالي، فإن بيت لحم لم تغب عن المشهد العالمي، بل أطلقت مبادرات تعكس الحضور الفلسطيني على مستوى دولي.
أبرز هذه المبادرات كان مشروع طقم المهد الذي صممه الفنان الفلسطيني جوني أندونيا من جامعة دار الكلمة، بالتعاون مع سفارة فلسطين في الفاتيكان واللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس. وقد افتتح البابا فرنسيس هذا العمل الفني الذي يروي قصة الميلاد برؤية فلسطينية، مجسدًا التعاون بين المؤسسات الثقافية الفلسطينية والحرفيين المهرة في بيت لحم. تم نحت الشخصيات من شجرة زيتون واحدة على يد الفنان بيتر خانو، وصُنعت النجمة من عرق اللؤلؤ بأيدي حرفيي مركز Piccirillo، بينما قام أطفال ذوو الإعاقة من مؤسسة L’Arche بصناعة الخروف من الصوف. هذه التحفة اليدوية ستبقى معروضة في قاعة الفاتيكان خلال موسم عيد الميلاد، حاملة رسالة فلسطين إلى العالم.
في هذا السياق، تظهر أهمية تحويل التحديات إلى فرص. في ظل جريمة الابادة وغياب الاستقرار السياسي والاقتصادي لا يعني غياب القدرة على التأثير، بل يدفع نحو البحث عن طرق مبتكرة لتقديم الرواية الفلسطينية للعالم. اليوم، النجاح لا يُقاس فقط بالقوة العسكرية أو الاقتصادية، بل بمدى قدرة الشعوب على نقل قصصها والتأثير في عقول وقلوب الآخرين. في معركة الروايات، المنتصر هو من يتمكن من تقديم قضيته بأسلوب يلهم ويؤثر ويقنع، الرابح هو من تنتصر روايته.
فلسطين تمتلك كل المقومات لتحقيق الانتصار في معركة الرواية، بدءًا من إرثها التاريخي والثقافي، مرورًا بإبداع شعبها، وصولًا إلى عدالة قضيتها. المطلوب اليوم هو العمل بجدية وخيال لابتكار وسائل جديدة تصل بقضيتنا إلى العالم، وتعيد رسم صورة فلسطين كأرض ثقافة وإبداع وإنسانية.
كما توحد العالم لإعادة ترميم كاتدرائية نوتردام، لدينا فرصة لتوحيد العالم في كنيسة المهد، يجب أن يكون إبداع بيت لحم حافزًا لتجديد التضامن العالمي مع فلسطين. هذه المبادرات ليست مجرد رموز، بل أدوات حقيقية للدبلوماسية العامة، تعزز من حضورنا الدولي وتفتح آفاقًا جديدة لنقل قضيتنا إلى عقول وقلوب العالم. فلسطين تستحق منا جميعًا العمل بإخلاص وإبداع لرواية قصتها وإحياء الأمل في تحقيق العدالة والسلام.
التدويل لا يعني فقط التواجد الفلسطيني حول العالم بل إحضار العالم إلى فلسطين ومن هنا دعوة مباشرة للجنة الرئاسية لشؤون الكنائس ولوزارة السياحة ووزارة الخارجية ومحافظة وبلدية بيت لحم لبدء التحضير واستلهاما بما فعله الرئيس الفرنسي ماكرون بدعوة العالم لكنيسة المهد للعام القادم احتفاء بترميم الكنيسة، وتأكيداً علئ تاريخ الحق الفلسطيني، إضافة لترجمة عملية للدبلوماسية من أرض فلسطين. لا حديث ولا مشاركة تضاهي أثر التجربة العملية من أرض الواقع تثبيتاً للاعتراف الدولي.
mat