إيران وإسرائيل.. اللعبة التي لم تنتهِ..!
نشر بتاريخ: 2024-10-27 الساعة: 14:42
الكاتب: أكرم عطا الله
ما أثبتته الضربة الإسرائيلية على إيران، فجر أمس، هو قدرة الولايات المتحدة الأميركية على سحب اللجام الإسرائيلي وبقوة بعد ضربة الأول من تشرين الأول الإيرانية، التي شكلت اختباراً صعباً لقدرة إسرائيل على التصدي وانكشاف قواعدها العسكرية أمام الصواريخ الإيرانية، صعدت إسرائيل بالتهديدات إلى أعلى الشجرة، فوزير الدفاع يوآف غالانت اقترب من الحديث عن قدرات خارقة وفوق العادة، عندما قال: لن يعرف الإيرانيون كيف ومن أين جاءتهم الضربات. وكان الجميع بانتظار ضربة لم تتنازل عنها إسرائيل.
كان العالم على موعد ضربة قاسية لن تقوم لإيران بعدها قائمة، هكذا كان التصور والمتوقع من دولة ينفلت عقالها حد الجنون وتلقت ضربة مهينة تتعلق بقوة الردع بعد ضربة استعراضية إيرانية كبيرة، كان يبدو أنها جولة من جولات الإرادة بينهما وستعيد إسرائيل هدفها بضربة ساحقة، لكن الرد الإسرائيلي كان باهتاً.
وبين التقدير شبه المؤكد بأن الفرصة جاءت لنتنياهو على طبق لتحقيق حلمه التاريخي، وهو ضرب إيران، وجر الولايات المتحدة لذلك مستغلاً ظروفها الانتخابية وتواجد القوات الأميركية في المنطقة، واستغلال الصورة التي نشأت بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وبطاقة الائتمان التي حصلت عليها من العالم للتحرك كما تشاء بغطاء دولي لن يتكرر، كان متوقعاً أن الصواريخ الإيرانية وفّرت الوقود اللازم لانطلاق الضربة الإسرائيلية، ولكنها لم تحدث. لماذا؟
قدرة الولايات المتحدة على لجم إسرائيل دليل إدانة على كل ما ارتكبته إسرائيل في غزة، وأيضاً لأن موازين القوى مع غزة لم تشكل تهديداً لإسرائيل كما يمكن أن تشكله طهران. فقد كانت كلمة السر في السؤال الذي ألقاه بلينكن على نتنياهو حين قال له: ما قدرة الشعب الإسرائيلي على تحمل ثمانية آلاف صاروخ تضرب في كافة المدن الإسرائيلية دفعة واحدة وتتركز على تل أبيب؟ ستتمكن منظومة ثاد من اعتراض المئات ولكن ماذا عن الآلاف الأخرى؟
مائة وأربعون طائرة إسرائيلية شاركت في الهجوم، كانت تلك إمكانيات إسرائيل التي تعرف منذ سنوات أن قدراتها وحدها لا تكفي لإنجاح المهمة وإلا لكانت قد فعلتها منذ سنوات طويلة، وأنه لا يمكن ضرب إيران دون القوة الأميركية. وحين كان لواشنطن موقف مضاد، أدركت إسرائيل أن عليها أن تنزل عن الشجرة كما حصل فجر أمس.
وما بين المصالح الأميركية التي ستتضرر في حال اندلعت مواجهة كبرى مع إيران، وما بين إبادة في غزة لن تتأثر بها المصالح الأميركية حتى لو قتلت إسرائيل كل سكانها، ينكشف الموقف الأميركي شديد البشاعة. فالاقتصاد الأميركي وإمدادات النفط وخلخلة الأسعار وارتفاعها، واستفادة روسيا كدولة منتجة للنفط والغاز وهي تخوض حربها وكيف يصب ذلك في خدمة المجهود الحربي لموسكو، أنتج موقفاً أميركياً صارماً بعد أن أظهر ما يكفي من الهشاشة والضعف خلال أكثر من عام كان يتم فيه قتل المدنيين والأطفال والنساء، وكان يتم سحق مدينة غزة وكامل قطاعها.
وما بين الدوافع الإسرائيلية بإشعال الحريق الذي توفرت لحظته النادرة والتي لن تتكرر، وبين الكوابح الأميركية والدولية، وجدت إسرائيل نفسها في وضع لا تحسد عليه تبحث عن حل وسط. لذا جاءت الضربة مخالفة لكل التوقعات، ضربة تقول إن إسرائيل ضربت، أما إيران فتعتبرها خدشاً في صَدّام المركبة، كما قال أحد الصحافيين الإسرائيليين.
تجلّت الورطة الإسرائيلية في حديث المصادر، التي نقلت لموقعَي «أكسيوس» و»واللا»، أن إسرائيل أرسلت من خلال أطراف ثالثة تطالب إيران بعدم الرد على هجومها، وتحثها على وقف تبادل الضربات، بعد توجيهها للضربة التي تريد أن تكون الأخيرة. وطبقاً لذلك من الطبيعي أن تكون مخففة هكذا بعد أن وجدت إسرائيل نفسها وحيدة، فلا روسيا ولا العرب ولا الولايات المتحدة مستعدة للانجرار خلف مغامراتها لتصبح الحكومة الإسرائيلية مدعاة للسخرية أمام الشارع الإسرائيلي والمعلقين.
لا يمكن تخفيف وطأة الضربة على إيران، ولكن إسرائيل لم تكن تبحث عن ضربة عابرة، بل عن فرصة عمر تشكّل إضاعتها تبديداً لحلم وجهد استغرق عقوداً وهي تتحين الفرصة، فقد اتخذت قرارها ثلاث مرات بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية قبل أكثر من عشر سنوات، لكنها توقفت عندما أدركت محدودية تلك القوة، فهي دولة قدمت نفسها على أنها مهيمنة إقليمياً لديها من فائض القوة ما يجعلها قادرة على تقديم خدمات الحماية لدول الإقليم، بعد أن خلصت في إحدى مؤتمراتها إلى الدعوة لتشكيل محور سني في مواجهة إيران، وهو الأمر الذي تعاطى معه البعض مؤقتاً قبل أن يكتشف قوته الكامنة وضعف مكانة ومحدودية قوة إسرائيل التي يمكن لها الاستعراض في غزة وقتل المدنيين، لكن خارج غزة فالحسابات تختلف.
رغبة إسرائيل بالقضاء على القدرات النووية في إيران لم تتوقف. صحيح أن الولايات المتحدة وقفت حائلاً أمام الطموحات الإسرائيلية، ولكن يبدو أن نتنياهو مرر الفرصة بانتظار فرصة أكبر سيوفرها وصول صديقه الأكثر تهوراً دونالد ترامب. وبكل الظروف لم تضع الفرصة تماماً؛ فالحرب قائمة وحتى كانون الثاني القادم ولا صفقات توقفها إن جاء ترامب سيفعلها، وإن جاءت هاريس سيفكر كيف يورطها لكنه لن يتراجع.