كيف ساهم كثيرون في إضعاف السلطة الوطنية.. ولماذا؟
نشر بتاريخ: 2024-09-06 الساعة: 01:53
باسم برهوم
ثمة حاجة للنظر بتأن وعمق في الأزمة الراهنة، وذلك للإجابة على سؤال لماذا كانت هناك اطراف وجماعات عدة ضد السلطة الوطنية الفلسطينية، ويعملون بشكل مكثف ومنهجي على إضعافها بشتى السبل؟ قد تكون أسهل الإجابات هي أن نقول ان السلطة هي المسؤولة عن إضعاف نفسها بنفسها، وهناك قائمة جاهزة للأسباب، الفساد سوء الأداء، وبعد ان نجحوا من خلال هذه المزاعم في إضعاف السلطة، أضافوا بندا آخر للقائمة وهو وجب تغيير السلطة واستبدالها، والسؤال استبدالها بماذا ولمصلحة من؟ أما التسمية الأخرى، أو المصطلح الجاهز وهو "سلطة أوسلو" ويتبعها مباشرة كلام له علاقة بالتنسيق الأمني وغيرها من المتلازمات التي تشير الى اننا امام سلطة فاسدة منسقة أمنيا ضعيفة وقائمة طويلة من الصفات التي تمعن في اضعاف الكيانية الفلسطينية الوحيدة التي اقيمت على الأرض الفلسطينية، ويمكن اذا تم دعمها وليس إضعافها يمكن ان تتطور إلى دولة. والمسألة الأكثر غرابة هي عندما يشارك إعلام ودوائر دول وقعت معاهدات وطبعت مع إسرائيل، او هي تتعامل وتنسق مع الدولة العبرية ليل نهار.
السؤال: لماذا كل هؤلاء ضد السلطة الوطنية، ومن هم هؤلاء؟
في مقدمة هؤلاء اليمين الإسرائيلي، وإسرائيل بشكل عام، والسبب بسيط ان الدولة الصهيونية تعتبر أي كيانية وطنية فلسطينية يمكن ان يتعزز وجودها على أي جزء من أرض فلسطين التاريخية، هو تهديد وجودي لها، وهي النقيض الجذري للرواية الصهيونية التي بالأساس لا تعترف بوجود الشعب الفلسطيني، ولا بحقه في تقرير مصيره على أرضه. والدليل ان اليمين الصهيوني اضطر إلى اغتيال رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي ليمنع مثل هذا التطور، وبالفعل ما ان اغتالوه جرى التنصل من أوسلو بالتزامن مع عمل منهجي لاضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية ومنع تطورها لتصبح كيانية متمكنة يمكن ان تتحول الى دولة فلسطينية.
وفي سياق ذلك دعمت إسرائيل، ونتنياهو تحديدا الانقسام الفلسطيني وفصل قطاع غزة عن الضفة، وهو أمر لم يقسم ظهر السلطة فحسب إنما منع أي احتمال وأي إمكانية لوجود دولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين، كما تم محاصرة السلطة ماليا وسياسيا، وكانت تحدد بالتدريج سيادتها الى ان أصبحت بلا أية سيادة على اي بقعة من الأرض عمليا، والدليل ان حكومة نتنياهو لا تريد أبدا أي وجود للسلطة الوطنية في أي خطة لليوم الثاني في قطاع غزة. إضعاف السلطة كان هدفا إسرائيليا مركزيا واستراتيجيا، خاصة لليمين المتطرف واليمين بشكل عام، والمعروف ان إسرائيل تكون في غاية الرضا والسرور عندما ترى هذا الجيش الكبير المكون من أطراف عدة عربية وإقليمية وحتى اطراف فلسطينية، وكل حركات الاسلام السياسي ومن مواقع مختلفة، تسهم معها، اي إسرائيل، في اضعاف الكيانية الوطنية الفلسطينية.
الطرف الآخر الذي له مصلحة في إضعاف السلطة هي الولايات المتحدة الأميركية بشكل عام واليمين الأميركي المحافظ بشكل خاص، وحتى وعندما كانت تقول واشنطن انها مع حل الدولتين، كانت باليد الأخرى لا تتواطأ مع إسرائيل في إضعاف السلطة الوطنية وحسب بل هي كانت تساهم مباشرة في ذلك، وخاصة في عهد الرئيس ترامب، الذي أوقف بشكل تام كل أشكال المساعدات للسلطة. كما لا بد من الإشارة إلى ان هناك تيارا قويا داخل الولايات المتحدة، وليس المقصود اللوبي الصهيوني، وإنما تيار فكري وايديولوجي وثقافي وديني هو أكثر تشددا من الصهيونية ذاتها في تعزيز وجود الدولة اليهودية ويدعم توسعها، هذا التيار يعمل كما نتنياهو تماما في إضعاف السلطة الوطنية، لأنه نقيض أفكاره في جلب كافة يهود العالم إلى فلسطين على اعتبار ان هذه الطريق الوحيد لعودة السيد المسيح، وتحقيق الخلاص. وبالاضافة لهذا التيار هناك المصالح الامبريالية الأميركية المعقدة التي تتطلب وجود إسرائيل قوية في اكثر مناطق العالم أهمية من الناحية الإستراتيجية.
ويأتي الإسلام السياسي، والذي لا يرى أهمية حتى لوجود دولة فلسطينية في سياق أهداف الأمة الاسلامية الأوسع والأهم، فبالنسبة للاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي فإن المهم هو الجماعة وحكم المرشد، فالقضية الفلسطينية لهؤلاء هي مجرد ورقة صغيرة لتعزيز مكانة الجماعة وتعزيز مكانتها الجماهيرية وفي الخريطة السياسية الدولية، فمن مصلحة هذه التيارات إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية، لأنها ذات هوية وطنية تعيق أهداف الجماعة. وهنا تأتي حماس التي كان لها استراتيجية ثابتة واحدة هي اضعاف منظمة التحرير الفلسطينية وابنتها السلطة الوطنية الفلسطينية، فحماس لم ترفض الدخول للمنظمة لأنها بحاجة إلى إصلاح او انها وقعت على إتفاق إعلان المبادئ (اوسلو)، وإنما لأن هذه المنظمة ذات هوية وطنية، وما دامت هي كذلك يجب إضعافها وتقديم حماس نفسها بديلا لها، ولكن إذا أتيحت الفرصة لحماس بأن تكون هي صاحبة اليد العليا وصاحبة القرار في المنظمة فهي لن تتردد لحظة في الانضمام اليها وتأخذها معها إلى الإسلام السياسي.
وهنا نتذكر ان حماس قد شاركت في الانتخابات بالرغم انها كانت تجري على اساس اتفاقيات أوسلو بهدف السيطرة على السلطة عام 2006، وطالما كانت المنظمة والسلطة ذات هوية وطنية وقرارها بيدها فان حماس والاسلام السياسي يرون في هذا التطور تهديدا لمصالحهم وتحدّ من إمكانية استخدام ورقة القضية الفلسطينية لمصلحتهم.
وبعيدا عن بعض الدول الاقليمية، التي تمرر مشاريعها في المنطقة من نافذة القضية الفلسطينية، فإن دولا عربية مع الأسف ساهمت هي الأخرى في إضعاف السلطة الوطنية وشاركت بحصارها وتشويه صورتها إعلاميا، وليس من المناسب هنا تناول أسباب كل منها.
كل هذه الأطراف ساهمت، وكل على طريقته بإضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية، كان لهم مع الاسف امتداد داخل الساحة الفلسطينية، وبالرغم مما قد يكون بين هذه الأطراف من تناقضات الآن فانهم جميعا كانوا متفقين ضمنيا على منع تمكين اي كيانية وطنية فلسطينية من تعزيز وجودها على الأرض الفلسطينية، بالرغم أنهم يدركون جميعا ان المستفيد الأهم من إضعاف السلطة الوطنية في نهاية الأمر، إسرائيل الصهيونية التوسعية.
لا بد هنا من التنويه هنا باالتصريح الخطير الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق، ومرشح الحزب الجمهوري ترامب قبل أيام، وقال فيه: "إن مساحة إسرائيل صغيرة لقد آن الأوان لتوسيعها"، وهو التوسيع الذي يقتضي عدم وجود كيانية وطنية فلسطينية، وربما التمدد في كيانات مجاورة. والملفت في كل ما كان يجري انه عندما كانت واشنطن تقرر محاصرة السلطة الوطنية ماليا وسياسيا، فإن جميع الأطراف كانت تلتزم بحذافير القرار؟!
mat