التضحيات في غير سياقها الوطني كارثة
نشر بتاريخ: 2024-08-16 الساعة: 04:41
باسم برهوم
هناك ظاهرة لابد من مناقشتها، وهي ظاهرة صاحبت النضال الفلسطيني منذ بدايات الصراع مع الصهيونية، وهي ان الكثير من ارواح الفلسطينيين قد ازهقت ليس في سياق وطني وغالبا في خدمة اجندات خارجية، ولا ضمن خطة وطنية متفق عليها، فالاستعداد للتضحية بالروح فداء الوطن هي مسألة غاية بالاهمية وضرورية. ولكن عشرات الآلاف من أبناء الشعب قضوا خارج السياق الوطني بدون وجود خطة وطنية تراكم بشكل صحيح هذه التضحيات، وتحولها الى إنجازات ومكاسب وطنية. وتاريخيا ونتيجة للاستعداد غير الطبيعي للشباب الفلسطيني للتضحية، من دون التدقيق بجدوى التضحية وطنيا، كان ولا يزال عرضة للاستخدام والاستغلال من قبل أطراف اقليمية عديدة.
مثال قريب وملموس، إيران على سبيل المثال. وفي سياق سعيها للضغط على الولايات المتحدة الأميركية، إما بخصوص ملفها النووي، او بهدف تخفيف العقوبات، فإنها تدفع من تمولهم من الفصائل للاشتباك مع إسرائيل من خلال الفلسطينيين، المستعدين للتضحية دائما وفي اي وقت، وخارج اي سياق وطني حقيقي. بالمناسبة طهران لا تستغل الفلسطينيين، وإنما ايضا اللبنانيين والعراقيين واليمنيين وغيرهم، ولكن الفلسطينيين الاكثر والابشع استخداما. وما ان تنجح إيران في مسعاها حتى يهدأ كل شيء وتذهب تضحيات الشعب الفلسطيني هدرا وفي غير مكانها وسياقها.
والسؤال الراهن: هل كانت هناك ضرورة وحاجة وطنية ان نرى عشرات آلاف الشهداء والجرحى في فلسطين ، وتدمير قطاع غزة؟ هل قدم الشعب الفلسطيني كل هذه التضحيات كي تتواصل واشنطن مع طهران لتفاوضها على وقف النار في غزة، ويكون الهدف الحقيقي المقايضة لتخفيف العقوبات او الاعتراف بدورها ومشروعها الإقليمي؟
وفي مراحل سابقة كانت انظمة عربية تستخدم الاستعداد الفلسطيني للتضحية، خدمة لأجنداتها، فعندما كانت هذه الانظمة بحاجة لتجديد شرعيتها "الثورية"، تدفع فصيلا فلسطينيا، تدعمه هي للقيام إما بعملية ضد إسرائيل، او على الساحة الأوروبية، وأحيانا كان شبان فلسطينيون يستشهدون في سياق إما مناكفات الانظمة فيما بينها، او للضغط على دولة أوروبية من اجل حصول هذا النظام او ذاكعلى تسهيلات او مكاسب خاصة به. وفي هذا السياق يمكن التذكير بجماعة "ابو نضال" المنشقة. الثورة الفلسطينية، وكيف كانت هذه الجماعة اداة بيد أجهزة المخابرات للقيام باغتيال او تفجير هنا او هناك. وكانت تتنافس عمليا مع الموسادالإسرائيلي في اغتيال وقتل قادة وكوادر فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقامت على امتداد عقدين من الزمن في القتل.
وحتى خلال الحرب الاهلية اللبنانية في سبعينيات القرن العشرين، كانت الفصائل المحسوبة على الأنظمة هي التي كانت تورط الثورة في معارك لا يستفيد منها سوى هذا النظام او ذاك. اما في المرحلة الراهنة فيأتي النظام الإيراني كأكبر مستغل لاستعداد الشباب الفلسطيني للتضحية، وفي كل مرة يعتقد فيها هؤلاء الشباب ان هذه المعركة تقربه اكثر من التحرير، ولكن ما ان تنتهي حتى نكتشف كم خسرنا ودمرنا دون ان نحرر شبرا من أرضنا، لان التحرير ليس هو هدف المستخدم لتضحياتنا، بل هدفه إطالة بقاء نظامه، او ان تكون هذه الجولة مقدمة للتفاوض مع واشنطن.
منذ ان قامت حماس بالسيطرة على قطاع غزة بالقوة عام 2007، اشتبكت مع إسرائيل خمس مرات بدعم وتشجيع من إيران. عندما كانت جماعة الاخوان المسلمين بحاجة لهذا الاشتباك ماليا وسياسيا. او في سياق الحاجة الإيرانية التفاوضية مع الولايات المتحدة الأميركية، وإعطاء تمددها في جسد الامة العربية الشرعية عبر الاشتباك مع إسرائيل. وفي هذه الاخيرة كان اليمين المتطرف الفاشي هو المستفيد ايضا، عبر استخدام إيران والتهديد الإيراني كشماعة لاخافة المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي يضمن استمراره في الحكم. جميع هؤلاء كانوا يستخدمون الدم الفلسطيني والتضحيات الفلسطينية، والخاسر هو الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
وخلال العقود الماضية منذ كان لدى كل هؤلاء مصلحة بعدم قيام دولة فلسطينية، وبالتالي تخريب كل فرص الوصول اليها، هذا حصل منذ التسعينيات وحتى اللحظة، وهم تعاونوا بطريقة او أخرى مع هذا اليمين على فصل قطاع غزة عن الضفة، لإعاقة فرص ان يمتلك الشعب الفلسطيني دولته الخاصة به وأن يشعر بنوع من الاستقرار وتنمية نفسه في المجالات المختلفة. الاستقرار عدو لكل هؤلاء لذلك هم لا يوفرون اي فرصة لمنع حدوثة، والمشكلة ان ذلك يتم عبر الدم الفلسطيني، وربما بحاجة للسؤال، لماذا تلاقي حماس وطهران مع نتنياهو برفض ان تعود السلطة الوطنية الفلسطينية الى قطاع غزة؟
mat