خلفيات تنازل حماس وتشدد نتنياهو
نشر بتاريخ: 2024-07-16 الساعة: 18:53
عمر حلمي الغول
من القراءة الموضوعية لما ينشر في وسائل الإعلام، ومن معلومات بعض المصادر العليمة بخفايا ما يدور في الكواليس، يمكن الاستنتاج بأن تجربة حركة حماس في إدارة مفاوضات صفقة التبادل للأسرى ومحدداتها لوقف حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال الاسرائيلي تشي بالضعف واستسهال تقديم التنازلات عن مواقفها الأولى بعد حدث 7 أكتوبر 2023، ولم تحاول الاستفادة من وحدة الموقف الفلسطيني، ومن مشاركة قيادة منظمة التحرير في إدارة الصراع، بل سعت عن سابق تصميم وإصرار إلى قيادة العملية التفاوضية وحدها، وحصر التشاور مع حركة الجهاد الإسلامي، نتاج شعورها بإمكانية تحقيق أهدافها المعلنة، ولاعتقادها الخاطئ بفرضية انها عنوان معركة أكتوبر، مما دفعها للغرور والصعود الى قمة الشجرة، وتجاهلت ان حرب الإبادة ليست عليها، انما على الشعب العربي الفلسطيني كله ووجوده على ارض وطنه الام فلسطين، وعلى الكيانية الفلسطينية ومنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب، ما افقدها أوراق قوة كان يمكن ان تساعدها وتساعد الشعب وقواه وقيادته الشرعية في تعزيز الموقف التفاوضي بما يخفف من حجم التنازلات المجانية.
لم تقرأ قيادة حركة حماس الواقع جيدا، ولا قدرت موازين القوى جيدا، وافترضت أن فرصتها التاريخية أزفت لقيادة المركب الفلسطيني، او على الأقل إقرار إسرائيل وأميركا ببقائها مسيطرة على حدود انقلابها وامارتها في قطاع غزة. ولم ترَ ابعد من ارنبة انفها معادلة الصراع جيدا، واتفق مع تقدير فرع الاخوان المسلمين في فلسطين بأن الأعداء يريدون بقاءها، ولكن بعد تقليم اظافرها، ونزع أسلحتها، والتخلص من القوى النافذة على الأرض في قطاع غزة وخاصة يحيى السنوار ومحمد الضيف واقرانهم من قادة كتائب القسام ومعهم سرايا القدس وكل أذرع المقاومة المشاركة في القتال، واستحضار نموذج طالبان في فلسطين.
لكن هل هذا ما طرحته حركتا حماس والجهاد بعد 7 أكتوبر الماضي، أم انهما طرحتا شعار التحرير للقدس العاصمة والوطن الفلسطيني، الذي لم يبق منه شيء؟ والان في المفاوضات الدائرة مع دخول الشهر العاشر للحرب تنازلت عن الوقف الدائم والفوري للحرب على القطاع، وحتى عن وجود نص مكتوب وتعهد واضح وصريح في الصفقة من قبل الولايات المتحدة والاشقاء العرب وخاصة مصر وقطر يؤكد وقف حرب الإبادة الإسرائيلية الأميركية، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، وعودة النازحين الى بيوتهم ومدنهم في غزة والشمال، واسقطت المطالبة بالذهاب لعقد مؤتمر دولي للسلام لاستقلال دولة فلسطين على حدود 4 يونيو 1967، وبات همها الأساس حماية وجود قيادتها ومكانتها في اليوم التالي للحرب على القطاع. رغم هول وفظاعة ما دفعه الشعب على مدار الـ279 يوما من حرب الفاشية الصهيوأميركية، الذي تجاوز 38 الف شهيد و88 الف جريح وما يزيد عن 10 الاف مفقود، والتدمير الهائل للوحدات السكانية والجامعات والمدارس والمعابد الإسلامية والمسيحية والبنى التحتية، وأمس الأربعاء 10 يوليو طالب جيش الموت والابادة الإسرائيلي كل سكان غزة بالنزوح الى الجنوب، وهي المرة الأولى التي يطالب فيها سكان المدينة جميعا بالنزوح.
ومع ذلك لم تستخلص حركة حماس الدرس الأهم، وهو الذهاب للوحدة الوطنية، واستحضار تجربة التفاوض عام 2014، حيث شاركت قيادة المنظمة فيها، وتم تقليص حجم الخسائر بالمعايير النسبية. المهم ماذا بقي من اهداف ومحددات الحركة لوقف الحرب؟ ولن انكأ الجراح وافتح ملف الخلفيات لسيناريو الحرب الهوليودي او البوليودي، ولا ما كان عليه الوضع قبل 7 أكتوبر في القطاع، وما أدت اليه الحرب من خسائر غير مسبوقة فلسطينيا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
نتاج ذلك التنازل المجاني الحمساوي لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي، صعد نتنياهو وأركان حكومة حربه شروطهم، التي تضمنتها خطوط رئيس الوزراء الـ5 يوم الاحد الماضي، إضافة لنقطتين أساسيين لم اتوقف امامهما امس الأولى رفض رجل إسرائيل القوي منح المرشح الديمقراطي للرئاسة، بايدن أي انجاز، وعدم تقديم اية تنازلات قبل القاء كلمته في 24 يوليو الحالي امام الكونغرس، والثانية المماطلة والتسويف لحين اجراء الانتخابات الأميركية وصعود حليفه المرشح الجمهوري، ترامب لسدة الحكم، وبالتالي مواصلة حرب الإبادة على أبناء الشعب الفلسطيني في ارجاء دولة فلسطين المحتلة وفي المقدمة منها القدس العاصمة وتحقيق هدف التطهير العرقي للغالبية الفلسطينية في الضفة والقطاع وحتى في مناطق الـ48 على حد سواء، هذا ان تمكنوا من ذلك.
لكني أؤكد ان أهداف إسرائيل الوهمية، ورغم وحشية الإبادة الجماعية، وحجم الخسائر الفظيعة والمهولة، لن تتمكن دولة إسرائيل ولا من يقف خلفها من تحقيقها، وهذا ما أكدته تجارب تاريخ الصراع الطويلة؛ لأنها باتت مهزومة ومتآكلة من الداخل والخارج، حيث تتعاظم مكانة الشعب الفلسطيني والحقوق الوطنية عالميا.
mat