لماذا لا يدفع مشعل الثمن كما يريد لنا؟!
نشر بتاريخ: 2024-07-06 الساعة: 05:12
د. رانية اللوح
فيما يقوم مواطن غزاوي بسيط من حي الشجاعية المنكوبة بفعل حرب الإبادة الجماعية التي تشنها دولة الكيان الفاشية على غزة منذ مايقارب تسعة أشهر، يقوم بوضع عدد من الشهداء منهم المجهول الهوية، وحملهم على (كارة حمار) يجرها بثقل متوسلاَ المارة لإقامة الصلاة على أرواحهم الزكية، وفيما يلبي المواطنون المنهكون بفعل النزوح المتكرر لأغلبهم والذين أصابهم المرض والإعياء مع انعدام الغذاء والماء، يطل علينا ذوو مناصب عليا لفصيل استفرد بقرار تدميري اتخذه بتفرد وفرض وقائعه على الشعب الفلسطيني فيما لم يتوان هو في أي خطاب الحديث عن ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني ومنع احتكار القرارات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
لا أنكر أنه لم يستهويني سماع أي خطاب لأي قيادي من ذاك الفصيل المستفرد بالقرار والمواطن على حد سواء، فقد ضاق صدري من تصريحاتهم الصادرة بنكهة الاستعلاء واللامسؤولة، والمشاعر الخالية الدسم، إضافة للاستخفاف بحجم الضحايا الهائل لطوفانهم الذي أغرق جميع المواطنين في قطاع غزة.
ففي حين يتضرع الأطفال جوعاً وتأكل الناس أعلاف الحيوانات، يطل علينا أحدهم قائلاً: "إن المساعدات للمقاومين وما يتبقى يأكله الشعب، في لقاء مع سامي أبو زهري، ويتشدق موسى أبو مرزوق على إحدى الفضائيات قائلاً:"إن الأنفاق لحماية عسكرنا فيما باقي المواطنين الذين يزيد عددهم عن 75% هم من مسؤولية الأونروا، في تخلٍ كامل عن واجبهم الإنساني والأخلاقي والوطني تجاه المواطنين. خالد مشعل الذي لايبتعد كثيراً في طريقة حديثه ونصائحه وتهديداته المبطنة، والذي بدأ يعلن انتصاراته من فوق جثث وأشلاء الشهداء والمنكوبين في لقائه الزومي في ندوة مركز الزيتونة، وهو يرتدي قميصه الأبيض الذي لم يتسخ بفعل القصف وتطاير البيوت، يرتدي جاكيتايحميه من برودة المكيف التي تكافح بنجاح حرارة الجو، بالتالي على مايبدو أن هذا الرجل الذي يتحدث باسترسال عن المقاومة من خارج وطنه، لم يدفع ثمن المقاومة كما يريد ويشعر بأريحية كبيرة من دفع شعبه لهذا الثمن.
نعم نحن ندفع ثمن الحرية لا ثمن المقاومة، نحن ندفع ونرضى حين يكون في المحصلة حرية وليس احتلالاً لما تم تحريره سابقاً، وحتى الثمن الذي ندفعه من أرواحنا وفلذات أكبادنا وعوائلنا وبيوتنا وحاضرنا وذكرياتنا ومستقبلنا جميعها يجب أن نتحدث عنها بخشوع وانكسار وحزن وألم، لأن كل هذا يعز علينا فقدانه، ولأن كل مافقدناه له قيمة بداخلنا وترك ندبات سوداء في قلوبنا. لم أر ولم أستشعر أي لمسة حزن أو دمعة على عشرات الآلاف من الشهداء، لم أر أي انكسار لاعتقال نسائنا وبناتنا في سجون العدو وتعذيبهم أسوأ عذاب والباقي عندك أيها القيادي.
لم أستشعر حزناً على رجال دفنوا أحياء، كنت أنتظر سماع اعتذار لشعب أكلت أطفاله الكلاب ونهشت جثثه، شعب يستدل على الأشلاء من تجمع القطط، لم أسمع من خطابك سوى تخطيط جيد لصالح حزب الطوفان عن حكم غزة فيما بعد، بالورقة والقلم فصلت ورسمت وأنكرت تاريخ السابقين الحاضرين بالنضال، تريد إجبار التاريخ ليكتب ويبدأ من عندك، وأن يحجب كل ماقبل حماس، أتظن أنكم الإسلام حقاً وما قبلكم جاهلية؟! مهلاً أبو الوليد فقد سبقكم آلاف مؤلفة من الشهداء والثوار ممن أوفوا العهد ولم يطعنوا بالظهر، وحموا شعبهم ولم يتطاولوا عليه، واحترموا آدميته وسمعوا منه البذيء والحسن ولم يطلقوا الرصاص عليه ولم يشبحوهم في زنازين همها الأول والأخير الحفاظ على البقاء.
ما قلته وأنت مهندم لايبدو عليك أي نوع من دفع الثمن، كان أكثره نظرياً، فالعدو مع الأسف ميدانياً سيطر وأحكم سيطرته على غزة، والأميركان لم يرتبكوا ولم ينقصوا من دعمهم للكيان قيد أنملة، والعالم انتفض ضد جرائم وبشاعة وقذارة العدو ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وأعلن تضامنه مع ضحايا حرب الإبادة ليس إلا.
وفي نهاية المطاف تتحدث بصوت المنتصر كالعادة بعد كل جملة ضحايا معتبرة وقبل أن تجف دماء الشهداء ودموع الثكالى. لقد قمت بالنصح للجالسين، لكن إن شئت تقبل نصيحتي، قبل التفكير بما بعد الحرب، فكر في تفاصيل الحرب وامنع الفاسدين ذوي القلوب القاسية والأخلاق المنعدمة من تجار الدم والحروب بالتلاعب بالأسعار واحتكار السلع والتسبب بالمجاعة بجانب الاحتلال، أوقف قطاع الطرق الذين يسرقون المساعدات فور وصولها، وامنع الملثمين من قتل المواطنين كلما سنحت لهم الفرصة لذلك. هناك الكثير يجب فعله أثناء الحرب قبل التفكير بمن سيحكم البلاد بعد الحرب، وأساليب السطو على الحكم.
mat