عار وأكثر !!
نشر بتاريخ: 2024-05-19 الساعة: 10:16عار.. وأكثر!
تغريدة الصباح - حسن حميد
أشعر أن الأسى يطوقني، ورؤية ما يحدث في بلادنا الفلسطينية العزيزة يقطع أنفاسي، وهذه اللامبالاة تفتت الروح، وتطوي كل أمل في أن تستيقظ البشرية وتفتك نفسها من هذا الخدر والموات تجاه القيم الإنسانية التي تستباح وتحيد، وتغيب.
ترى أما انتهت هذه الفرجة العالمية على الدم الفلسطيني الذي غدا أنهارا، أما شبع أهل التوحش من هذه المشاهد المتوحشة التي لا نرى مثيلا لها في الغابات والأودية والصحارى، أما تفطن أهل القانون أن القانون/ ناموس البشر وكتابهم قد احترقت صفحاته كلها، وأنه بات لا شيء، لا مرجعية، ولا مؤانسة، ولا هيبة أو مهابة أمام ما يحدث في غزة والضفة الفلسطينية منذ سبعة شهور وأزيد، أما تفطن أهل العقائد، إلى أن ما يحدث في البلاد الفلسطينية ليس صلاة طويلة أو دعاء طويلا، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى هذه الساعة، وأين هي المنظمات والهيئات المهمومة بالمرأة والأطفال، وقد صارت مقابر النساء والأطفال مساحات تقاس بالكيلومتر، ثم أين هم المنادون بالقيم وحقوق الإنسان، وهم يرون أن لا قيم إنسانية تراعى أو تحترم في البلاد الفلسطينية، وأن التوحش الإسرائيلي يطال كل شيء بالقتل والتدمير والحرق والموات، وهم يرون أيضا أن ما من حديث أو دعوات أو انتباهات لحقوق الإنسان ولو بالحدود الدنيا، ولا حقوق للحيوانات والنباتات والحجارة، ثم أين هم أهل الفنون السينمائية والمسرحية والمعارض، ألا يخرج أحد منهم ليقول مواجهة للتوحش الإسرائيلي: كفى.. انتهى العرض؛ أما انتبه أهل الموسيقى إلى أن هذا الألم المحمول على كف الهواء هو الألم الفلسطيني المألوم بسبب هذا التوحش الإسرائيلي الذي لا يطاق.
بلى، أما آن لهذا العالم الذي يدعي أنه غدا عالما حضاريا، وعالما للعمران، وعالما للكتب، وعالما للفنون، وعالما يقدس القيم وينادي بها أن ينتبه لما يحدث في البلاد الفلسطينية، وقد عمت روائح حرائق الأجساد والبيوت والمشافي والأسواق ومشاهدها العالم كله، أكل هذا السكوت والخرس، والعماء، والضباب، والدخان، والطرش والتجاهل، واللامبالاة بسبب الخوف من الإسرائيليين؟ ولماذا الخوف؟ وأين هي الكتب التي تتحدث عن الحق والخير والجمال، وأين هي النظريات التي تقدس الإنسان الباني والمبدع وصاحب الاشتقاق والحافظ لكل نبيل.
نعم، نحن أهل فلسطين نعرف، وربما معظم العالم يعرف أيضا، أن الكيانية الإسرائيلية هي بنت من بنات الاستعمار الغربي، أقيمت بقرار من الأمم المتحدة، وأن الغرب تكفل بحمايتها وصيانتها وإمدادها بالماء، والهواء، والخبز، والسلاح، لكن لم نعرف أنها كيانية لا مهنة لها ولا احترافية سوى مهنة القتل ببراعة متناهية في استخدام الأسلحة الذكية، ها هي، أعني هذه البيانية الطاغية، ومنذ 76 سنة لا عمل لها، إن جازت التسمية، سوى قتل الفلسطينيين صغارا وكبارا، وما يحدث الآن في غزة والضفة الفلسطينية وأمام كاميرات العالم هو الصورة لكل ما كان يحدث من توحش إسرائيلي منذ 76 سنة وحتى الآن!
ترى أما آن لهذا العالم الذي ربى غوته في ألمانيا واحترم ما كتبه، وتشارلز ديكنز في بريطانيا واحترم ما كتبه، وهمنغواي في أميركا واحترم ما كتبه، ودينو بوتزاتي في إيطاليا، ولوركا في إسبانيا، ودوستويفسكي في ورسيا، وطاغور في الهند، وابسن وهيغو وماركيز وبيتهوفن وغوغان وبيكاسو وأنطوني كوين وتيريزا وبوشكين وسارتر وانجلز وماركس.. إلخ أما أن لهذا العالم أن يتعلم شيئا مما قاله هؤلاء فيجعله سلوكا أو مسارا من سلوكيات ومسارات هذه الحياة التي قال إن أسسها الأولى هي: الحق والخير والجمال، وهذه الثلاثية الذهبية لا تتجلى أو تبدو في عالم التوحش والظلموت مثلما يحدث الآن في البلاد الفلسطينية التي يكتوي أهلها بالحرائق الإسرائيلية التي طالت كل عمران، وكل جمال، وكل حق.
نعم، العالم الذي لا يرى ولا يعي ولا يدرك، بعد أكثر من 35 ألف شهيد في البلاد الفلسطينية، نصفهم من النساء والأطفال، وأكثر من 130 ألف جريح ومعاق ومفقود، وأكثر من 88% من العمران في قطاع غزة دمر مرة ومرتين وثلاثا وألفا، وأن الحياة في أبسط أشكالها مفقودة، وغير متاحة،.. لهو عالم أعمى أو عالم مفقوع في عقله، أو عالم فقد حواسه فصار بليدا، له عيون لا يرى بها، وآذان لا يسمع بها، ولسان فاقد النطق، وقلب أخذته الجلطة، وعقل مغلق بالشمع الأحمر.
أجل، عالم له هذه الصفات، أيحق له أن يسمى عالما؟!
ما يوجع القلب ويفتك به، هو أن الحق يقتل ويدمر، وأن الباطل والزيف يجدان من يثني عليهما، ومن يصفق لهما أيضا.
الصورة في البلاد الفلسطينية، أيها العالم/ الجثة، واضحة لكل من يملك عينين تريان، ليس الآن فقط، وإنما منذ نكبة الفلسطينيين في بلادهم عام 1948، وأن ما حدث بحق الفلسطينيين وبلادهم عام 1948 عار وأكثر، وما يحدث الآن في قطاع غزة والضفة الفلسطينية والقدس، ومنذ سبعة شهور وأزيد، هو عار وأكثر أيضا، ترى أما أن الأوان أن تجهر بقول الحق.. أيها العالم!
mat