في الذكرى السادسة والثلاثين لرحيل أول الرصاص وأول الحجارة
نشر بتاريخ: 2024-04-19 الساعة: 01:02
كتب / عباس زكي
عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح
ما أحوجنا اليك يا من كنت الأول في الترجمة العملية للفكرة الملهمة التي اعتمدتها حركة فتح، باعتماد السياسة الدامية التي تنبع من فوهات البنادق، وباعتبار الكفاح المسلح أقصر الطرق الى فلسطين، رداً على النكبة السوداء بقيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين في 15/5/1948 وما رافق هذه النكبة من مذابح يندى لها جبين البشرية.
دعا لها بن غوريون، اذبحوا ما استطعتم لننتصر على الفلسطينيين بالرعب. مذابح متنوعة من قبل عصابات ارغون، شتيرن، هاجانا، كمذبحة دير ياسين مثلاً، مروراً بمجموعة الدوايمة، والطنطورة، في ظل صمت عربي ودولي مع رفع شعار وزير خارجية أمريكا آنذاك جون فوستر دالس "العرب الكبار يموتون والصغار ينسون" ويسدل مع الوقت الستار على القضية.
ولكن خاب ظنهم، فلم يعد الاستعمار الأوروبي بقيادة بريطانيا، وقرارات كامبل بانرمان عام 1907 التي كانت بإقامة حاجز بشري يفصل المشرق العربي عن مغربه، ويحول دون إقامة الوحدة العربية، ويفرض سياسة الهيمنة على ثروات ومقدرات شعوب المنطقة، ويمنع العرب من استعادة الحضارة التي أخذها عنهم الغرب.
وجاءت معاهدة سايكس بيكو عام 1916 نتيجة الحرب العالمية الأولى لتقسيم الأرض العربية وخاصة بلاد الشام والعراق تحت الحكم البريطاني والفرنسي، وبدأ مسلسل قتل الفلسطينيين وإستقدام الهجرات لليهود، بالاشراف ومنح التسهيلات من قبل دولة الانتداب، بريطانيا العظمى، التي أصدر وزير خارجيتها وعد بلفور بمنح فلسطين، وطنا قوميا لليهود.
كل هذه الترتيبات فشلت أمام تمرد حركة فتح على هذا الواقع الفاسد بمئات آلاف اللاجئين وعشرات آلاف الشهداء والأسرى والمعتقلين.
كانت الحالة العربية لا تسمح بثورة، ونصائح الأصدقاء في القيادة الصينية شو ان لاي، والفيتنامية بقيادة الجنرال جياب، تقدر معنى احتكار الغرب وصعوبة نفاذ ما تطرحه فتح بلسان الأخ أبو جهاد والأخ أبو عمار، ولكن كان القرار وإرادة الانتصار لرواد شعبنا شعب الجبارين أن تبدأ الثورة، فعملت شلالات الدماء حضوراً فدائياً اقنع الخصوم بأننا شعب لن يستسلم، والحرب الشعبية طويلة الأمد هي التي تركت أصغر جغرافيا تشغل صناع القرار في العالم، فأصبحت فتح بعد معركة الكرامة الرقم الصعب في معادلة الصراع بالشرق الأوسط، وانتصرت بنداءات ياسر عرفات بالوحدة، وباللقاء على أرض المعركة، وتحولت منظمة التحرير الفلسطينية بدخول الفصائل الفلسطينية الى ان تمثل عقل وشرف الجماهير المؤمنة بالتحرير.
لم يترك شعبنا الذي وصفه أبو عمار بشعب الجبارين، اذا ما فقد الامل صنع المعجزات، وكان مقابل هذا الصعود الفلسطيني تعاظم مخططات العدو بقيادة أمريكا بتقسيم المقسم، وجاءت كل التطورات في ظل زعامة الإدارة الامريكية المتصهينة والتي تكيل بمكيالين حين يتعلق الأمر بفلسطين، لأنها تقرأ أحداث المنطقة بالعيون الإسرائيلية وهذا للأسف ما يجري اليوم في ملاحقة أحرار فلسطين في الضفة الغربية والقدس، والممارسات العنصرية والجريمة المتواصلة بحق أهلنا في فلسطين التاريخية، والتدمير الشامل والتطهير العرقي وحرب الإبادة، والمحارق النازية، والاعمال الوحشية، وبدعم لا محدود من صهاينة أمريكا، ولكن بشاعة الكارثة الإنسانية في غزة، والصمود الأسطوري للشهر السابع أمام كل إمكانات الغرب يفرض غزة "قيامة أمة"، فشكراً للشباب الدولي، وخاصة رافعي شعار وقف الإبادة في غزة، والمتضامنين مع فلسطين في حاضنات الكيان، رداً على حكومة التطرف الصهيوني، والدعم اللامحدود من أمريكا التي تستهدف حياة كل من هو غير يهودي، وتمثل خطراً على البشرية جمعاء.
فالتحية لروحك قائداً وموجهاً لكفاح شعبنا في الأرض المحتلة.
ما أحوجنا اليك يا مهندس عملية دلال المغربي على رأس فيلق عربي،
ما احوجنا اليك يا من كنت بعظمة تطلعاتك تستهدف مفاعل ديمونا ووزارة الحرب الصهيونية.
سلام عليك اخي أبو جهاد، يا رجل الوحدة الوطنية، فقد كان رحيلك خسارة شعب ورحيل أمة.
سلام عليك يا مفجر انتفاضتنا الكبرى عام 1987 ومهندسها، لتؤكد مجدداً أن الدم ينتصر على السيف، وأن مهمة الشعب الفلسطيني التناوب في حمل الراية، الى أن يحقق الانتصار بإزالة الاحتلال، لتكون فلسطين العاصمة النواة للوحدة العربية مهما كانت قدرات المستعمرين على تقسيم المقسم وشعاراتهم المعادية بفرّق تسد.
بمناسبة غيابك الطويل، لم تغادرنا صورتك البهية وابتسامة المنتصر بشعبه، وبسلوكه وقوة بأسه وتسامحه وتواضعه، بما يليق بطبيعة الفلسطيني الذي خلقه الله للشدّة .
تحية للراحلين في شهر ابريل، القائد عبد القادر الحسيني، ورواد ثورتنا المعاصرة خليل الوزير وكمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار.
ولك شهادة من أشجع القادة الذي لا يأخذه في الحق لومة لائم صلاح خلف " أبو اياد" الذي وصفك بأنك العاشق لفلسطين، وكأنما خُلقت من أجل إشغال العدو الى أن تصحوا الأمة العربية والإسلامية واحرار العالم لتحريرها وتحقيق الحلم.
تركت امانتك في رقاب أبناء حركة فتح، وكل الفصائل الفلسطينية برسالتك الأخيرة لجماهير الانتفاضة "استمروا في الهجوم". ولا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة ورغم المفاجأة المؤلمة أطلقت الرصاصة الأخيرة، ونلت من العدو، فكان رحيلك هو بمثابة استفتاء على شخصك وعلى حركة فتح، والله يكرم الأكثر جذرية واخلاصاً للمبادئ والقيم ... يوم الرحيل زحفت الملايين للوداع الأخير في مقبرة الشهداء في دمشق وكل ارجاء الوطن.
فالمجد للشهداء وانت أميرهم، يا من بدأت بالرصاص وغادرت وانت ضاغطاً على الزناد.