مئة حرف.. ومئة يوم بمئة ألف اسم وحياة!
نشر بتاريخ: 2024-01-17 الساعة: 23:53
موفق مطر
"اصحوا ياعالم احنا بنموت ألف مرة في اليوم من القهر، بيوتنا وشقا السنين وذكرياتنا فيها صارت ركام ورماد، وراح كل شي جميل في حياتنا، وسامحونا اذا قلنا لكم بصدق : كرهنا الحياة، كرهنا الصبر كرهنا الوطن". كاتب السطور السابقة ليس أديبا، وإنما مواطنة فلسطينية، عاشت عزيزة كريمة، وشاركت زوجها التضحيات، لبناء وطن صغير(شقة) في وطنها الأكبر (فلسطين)، ولبلوغ فرحة وسعادة وأمل عظيم بتمكين ابنيهما للنجاح بشهادة طبيب من جامعات الشقيقة مصر العربية، وتحكي بكلماتها البسيطة مآسي ومعاناة مئات آلاف النازحين في غزة، وهي واحدة من رسائل شفوية ومكتوبة وصلتنا مدموغة بصدق مراجعها، وحسن اخلاق وسيرة سلوك ناطقها، فالحق هو منطق ضحايا حملة الإبادة الصهيونية الدموية، وتجار الحروب، ومادون ذلك باطل، حتى لو بدا ظاهره مشبعا بمصطلحات وطنية ودينية. السيدة الفلسطينية النازحة هذه، وهي ككل نساء الوطن اصيلة النسب والانتماء، تبلغنا حقيقة خطيرة للغاية، وتنذرنا بمصير مجهول إن تجاهلنا قولها :" كرهنا الحياة، كرهنا الصبر " فبعد مئة يوم من الحرب، ومئة الف شهيد وجريح، ومئات آلاف البيوت المدمرة، وبعد قصص وروايات مئات آلاف النازحين العاصرة لدموع الصخر الأشد صلابة في الطبيعة تحذرنا بأن منظومة الاحتلال الاستعمارية الصهيونية العنصرية قد شارفت على تحقيق اهداف حربها " السيوف الحديدية " على الشعب الفلسطيني، المطبقة عمليا وفعليا جهارا نهارا، والبالغة ذروة همجيتها في قطاع غزة، انذار أحمر خطير، يحضنا على رفض تفوهات مختالين، اختلت موازينهم العقلية، ولم يدركوا بعد أن فكرة الوطن في وعينا، وحياتنا، ومستقبل أجيالنا بات في خطر، لأن المتحدثين بهذه الديباجة المسمومة :" إن العدو لم يحقق أيا من اهدافه المعلنة !" وكأن جيش منظومة الاحتلال الصهيوني، الواقفة دولته ( اسرائيل ) كمتهم في محكمة العدل الدولية بدعوى ارتكاب جرائم ترقى لمستوى جريمة الابادة الجماعية، قد أباد حظائر دجاج !! فتأثير هذه الديباجة اخطر بكثير من دمار القنابل الفراغية وتحت ارضية والانشطارية، ذلك أن ألسنة ناطقين ساسة وعسكريين و" سادة " يقصفون الوطن المتكون في وعي الشعب، ويخبروننا أن قيمة الانسان الفلسطيني كقيمة " عود ثقاب " ولا يتورعون عن اظهار كفرهم علنا بحقه في الحياة، واختلاق مبررات لتلموديين، احترفوا العنصرية الدموية، وإرهاب الأبرياء ومحبي السلام والتعايش. لم تقدم هذه السيدة الفلسطينية نفسها ناطقا، وإنما هي ضحية وشاهد وحتى لا نؤثر على نقاء شهادتها آثرنا تقديمها لمن يعلي شأن انسانيته فوق كل اعتبار، وهذا قولها :" الحرب وضحاياها آلاف الأطفال والنساء كوم، وتجار الحروب كوم تاني ! والله ما عارفين نعيش الله ينتقم من اللي حرمونا الحياة بقنابلهم، واللي عم يحرمونا لقمة العيش باحتكارهم، واستغلالهم لمآسينا ومعاناتنا، ونزوحنا وتشردنا ..احنا تعبنا ما ضل فينا نفس، ارحمونا يا عالم، الواحد منا صار يتمنى يجيه صاروخ كل لحظة ويرتاح من اللي بنشوفه، فالمساعدات ما عم تنزل للنازحين، عم تتحول لتجار وعالأسواق بالمشاتيح والكراتين المغلقة، وعليها علامات البلاد الي بعثتها، والمؤلم أنو الكل شايف وساكت!!".. أما المهووسون بالاطمئنان على سلامة رؤوسهم كل يوم، فإنهم حتى اللحظة لم يعترفوا أن الشعب ليس بخير ! لأنهم لا يقرون ولا يفقهون معنى الوطن. هذه السيدة الفلسطينية النازحة تحب وطنها كما احبه أنا، وكما تحبه انت، وربما اكثر مني ومنك، لكنها تقر وتعترف وتقسم في نهاية شهادتها أن " الضغط والقهر " قد فعل لسانها، لتؤشر على اعلى درجات الخطر الوجودي المحدق بنا. لخص الأديب الكبير محمد الماغوط - رحمه الله - معنى الوطن بمئة حرف: "الوطن هو حيث تتوفرمُقوّمات الحياة لا مُسبّبات الموت وعندما يُبتلى الوطن بالحرب، يموت من لا يستحق الموت بسبب من لا يستحق الحياة".