إسرائيل: الخلاف غير المسبوق في زمن الحرب
نشر بتاريخ: 2024-01-17 الساعة: 23:53
أشرف العجرمي
أول من أمس، عقد وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت مؤتمراً صحافياً، قال فيه: إن الحرب لن تتوقف، ولا إفراج عن المحتجزين في غزة دون ضغط عسكري، وإن مرحلة الحرب المكثفة في شمال قطاع غزة قد انتهت، وستنتهي في الجنوب قريباً. وأضاف: إن العام 2024 سيكون عام حرب وانتصار، كما وجّه دعوة، لكل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس حزب «المعسكر الرسمي» بيني غانتس، للتوحّد والتفاهم على اعتبار أن بقاء حكومة الحرب شرط للانتصار. كما وجّه انتقاداً مبطناً لنتنياهو بسبب غياب الرؤية السياسية لما بعد الحرب والذي قد يضر بالعمليات العسكرية. وكان واضحاً أن غالانت يرد على معارضي موقفه.
في الواقع يشهد مجلس الحرب خلافات بين غالانت ونتنياهو حول إدارة الحرب، واليوم التالي للحرب، والتواصل مع قادة الأجهزة الأمنية، لدرجة أن غالانت غادر اجتماع الحكومة، مساء السبت الماضي، وطالب رئيس الحكومة بعدم التشويش على عمله. كما أن هناك خلافاً بين كل من نتنياهو وغالانت من جهة، وبين بيني غانتس وغادي آيزنكوت من جهة أخرى، حول إمكانية وقف إطلاق النار بشكل تام إذا كان هذا هو السبيل للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة. فرئيس الحكومة ووزير الحرب يعتقدان أن وقف الحرب سيؤدي إلى هزيمة إسرائيلية كاملة، ولن تستطيع بعدها إسرائيل استئناف القتال، ما سيؤدي إلى إعادة بناء قوة «حماس» وسيطرتها على قطاع غزة. بينما غانتس وآيزنكوت يميلان لتبني الموقف الأميركي بشأن إعطاء أولوية لتحرير المحتجزين، وأيضاً بخصوص إعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.
وهناك خلافات أوسع داخل المجلس الوزاري السياسي - الأمني، الذي يضم وزراء آخرين مثل بتسلئيل سموتريتش من «الصهيونية الدينية»، وإيتمار بن غفير من «القوة اليهودية»، وبعض الوزراء المتطرفين من «الليكود» الذين قام بعضهم بالتهجم على رئيس هيئة الأركان، ووجّه بن غفير اتهامات لغانتس بأنه يسرب تفاصيل اجتماع الحكومة. بالإضافة إلى الخلاف العميق حول اليوم التالي للحرب، حيث يؤيد وزراء «الصهيونية الدينية» العودة للاستيطان في غزة، وعدم الانسحاب منها حتى بعد انتهاء الحرب. وبطبيعة الحال يدعمون عدم وقف الحرب، وتشديد الحصار، ومنع دخول كل أشكال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بما في ذلك قطع الماء والغذاء والوقود. ناهيكم عن الخلاف حول التعامل مع السلطة الفلسطينية سواء بتحويل الأموال أو بعودة العمال الفلسطينيين للعمل في إسرائيل. كما توجد تناقضات كبيرة حول الموازنة العامة لهذا العام.
لا يبدو أن الخلافات التي تعصف بالحكومة قريبة من الحل أو التفاهم بخصوصها. فحتى لو أعلن غانتس أنه لن ينسحب من الحكومة، يظهر أنه سيستمر حتى النهاية مع نتنياهو، خاصة أن إسرائيل الآن في الطريق لخلاف جدي مع الإدارة الأميركية. وقد أشارت وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية إلى وجود انزعاج أميركي من عدم استجابة الحكومة الإسرائيلية للمطالب الأميركية لا بخصوص الانتقال السريع نحو المرحلة الثالثة الأقل شدة ودموية، ولا حول توسيع إدخال المساعدات الإنسانية، ولا بشأن تحويل الأموال للسلطة وتخفيف حدة التوتر والتصعيد في الضفة الغربية، ولا أيضاً حول تحديد السياسة الإسرائيلية بشأن إدارة قطاع غزة بعد الحرب. وبعض التسريبات الصحافية تقول: إن آخر مكالمة بين نتنياهو والرئيس الأميركي بايدن قبل أكثر من عشرين يوماً كانت مشوبة بالتوتر. والخلاف الإسرائيلي الأميركي أصبح مرتبطاً بأجندات مختلفة تفرضها ظروف الولايات المتحدة، التي تدخل الآن عام انتخابات في ظل تدهور شعبية الرئيس بايدن، واحتمال خسارته الانتخابات الرئاسية في حال تم ترشيحه مجدداً عن الحزب «الديمقراطي». وفي هذا الإطار يريد بايدن تخفيف شدة الحرب وصولاً إلى وقف إطلاق نار كامل في أقرب فرصة.
الموقف الأميركي لم يختلف من حيث دعم إسرائيل في حربها ضد «حماس» ولا حول الأهداف الإسرائيلية المعلنة لها. ولكن يظهر أن واشنطن لم تعد تثق بقدرة إسرائيل على الانتصار وتحقيق أهدافها. ولهذا تعتقد أنه من الأفضل البحث عن تسوية سياسية يتم في إطارها تسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية بعد قيامها بإصلاحات محددة، بحيث يتم توحيد الضفة والقطاع تحت إدارتها، ثم الذهاب إلى تسوية سياسية شاملة على أساس حل الدولتين. ودون تحقيق اختراق سياسي في ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، واحتمالات توسّع رقعة الحرب إقليمياً، وكذلك في ظل الفشل الأميركي بتحقيق انتصار على روسيا في الحرب الأوكرانية - الروسية، لا يمكن لبايدن الفوز في الانتخابات. وحتى لو كانت الدولة العميقة في الولايات المتحدة ترى في إسرائيل حليفاً إستراتيجياً لا ينبغي التضحية به، خاصة أنها تخدم المصالح الأميركية في المنطقة، فلا يمكن لبايدن أن يضحي بنفسه أو بحزبه من أجل عيون حكومة نتنياهو.
ومن المحتمل أن يكون الموقف الأميركي عاملاً حاسماً ومؤثراً في السياسة الإسرائيلية الداخلية بما في ذلك في تحديد مواقف أحزاب سياسية، نظراً لأهمية الدعم الأميركي من أجل بقاء إسرائيل. وما يحصل في إسرائيل هو سابقة من حيث الخلافات العلنية بين أطراف الحكومة، والخلافات على مستوى الشارع مع الحكومة في زمن الحرب.