الرئيسة/  مقالات وتحليلات

العام في الميزان: تواطؤ إدارة بايدن في مذبحة الفلسطينيين

نشر بتاريخ: 2023-12-29 الساعة: 00:16

 

سعيد عريقات
 


في مثل هذا الوقت من كل عام، أخصص هذا الحيز لمقالة نهاية العام، التي أراجع فيها العام الذي ينصرم ، وأتكهن بشأن العام القادم ، ودائمًا حول سياسة الولايات المتحدة تجاه الفلسطينيين. العام الراحل يتحدث عن نفسه: لا حاجة لفحص ما فعلته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في سياستها تجاه الفلسطينيين، حيث يرى العالم بأسره أن بايدن وحكومته كان لهما القول والفصل في تمكين إسرائيل في مذبحتها المستمرة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين، وجرح الآلاف المؤلفة منهم وتدمير بيوتهم على رؤوسهم في غزة المحاصرة والتهجير القسري لقرابة مليوني مواطن. 

بعد مرور 11 يوما فقط على هجمات حماس المباغتة يوم 7 تشرين الأول التي أصابت العالم بالارتجاج ، كان الرئيس الأميركي بايدن في تل أبيب حاملا رسالة للإسرائيليين المصدومين من ضربة حماس قائلا: "يا إسرائيل، أنت لست وحدك...الولايات المتحدة تقف إلى جانبكم" لمنح إسرائيل ما تحتاجه من سلاح وذخيرة وغطاء دولي للمضي قدما بمجازرها المتتابعة.

بالطبع لم يختلف الرئيس بايدن عن أسلافه منذ عام 1948، علما بأنه الوحيد الذي يفتخر علنا بالقول "انه صهيوني" عتيد، "ولو لم يكن هناك إسرائيل لخلقناها" إلى آخره من التعبيرات التي يكررها وكأنه يريد أن يجتاز اختبارا بشأن مصداقية صهيونيته.

منذ السابع من تشرين الأول والعالم يشاهد إسرائيل وهي تقصف غزة عشرات الآلاف من المرات، بدون توقف ، تحت الغطاء الممنوح من بايدن بأن من حق إسرائيل "الدفاع عن النفس" وحقها في "تحقيق رغبتها في القضاء على حركة حماس"، فضربت المستشفيات والأحياء السكنية والمدارس والمخابز ومواقع النازحين المزدحمة التي قالت للفلسطينيين إنها آماكن "آمنة". 

لا شك أن تدفق الصور التي تظهر الفظائع ألإسرائيلية، والممكنة أميركيا، أدى إلى دفع مئات الآلاف من المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع (ولا زالوا ينزلون) بأعداد كبيرة، في الغرب وفي الشرق ، ودفع غالبية البشر والدول إلى الدعوة إلى وقف إطلاق النار؛ الدعوة التي ارتطمت، وترتطم برفض بايدن لوقف شلال الدم.

بايدن وإدارته استمروا ملتزمون التزاما فائقا بالوقوف إلى جانب إسرائيل، واستخدم بايدن حق النقض في مجلس الأمن مرة تلو الأخرى ، وأرسل عشرات الآلاف من أطنان الذخائر لضمان عدم توقف قتل المدنيين الفلسطينيين الأبرياء ولو للحظة ، ما جعل المتظاهرين حول العالم كما أمام البيت الأبيض ينددون به بشعار "جو بايدن، رجل الإبادة الجماعية"، شعار ظل عالقا كرائحة الكبريت بساكن البيت الأبيض رغم احتجاجات مسؤوليه بأن ذلك لا يليق.

بالطبع لم يكن لائقا بالرئيس الأميركي بايدن، (أو أي رئيس آخر) أن يردد أكاذيب الرواية الإسرائيلية عن "الرضع الإسرائيليين ألمقطوعي الرؤوس " التي ادعى أنه رآها بأم عينه (12/10)،  أو الأدلة عن "حالات الاغتصاب الجماعي التي ارتكبتها حماس" والتي ادعى الرئيس أنه تحقق منها بنفسه. ولكن لا ضيم، فلا كذبة صغيرة كانت أم كبيرة، تضيع سدىً من أجل إسرائيل. حيث قال بايدن بتركيز ودراما مصطنعة ومبالغ بها، لمستمعيه من الجالية اليهودية الأميركية في احتفال الهانوكا في البيت الأبيض يوم 11 كانون الأول أن: " التقارير تتحدث عن اغتصاب نساء (يوم 7 تشرين الأول على يد حماس) – اغتصاب متكرر – وتشويه أجسادهن وهن على قيد الحياة، وتدنيس جثث النساء، وإلحاق إرهابيي حماس أكبر قدر ممكن من الألم والمعاناة بالنساء والفتيات، ثم قتلهن".

بخلاف وصفه المجسم والمفصل "لهجوم حماس المروع" على إسرائيل والضحايا الإسرائيليين... نادراً ما تحدث بايدن عن الأطفال الفلسطينيين الممزقين إرباً، أو مليوني مهجر ، أو مئات الآلاف من الأشخاص بدون ماء أو طعام، ناهيك عن تبريره لاقتحام مستشفيات غزة كلها تحت ذرائع كاذبة. بايدن ورموز إدارته ، مثل وزير الخارجية آنثوني بلينكن، أو مستشاره لشؤون الأمن القومي، جيك سوليفان عندما يتحدثون عن الفلسطينيين، فإنهم يتحدثون عنهم وكأنهم ضحايا زلزال أو كارثة طبيعية، دون ذكر إسرائيل.

مسؤولو البيت الأبيض ما فتئوا يذكروننا أن بايدن قال أكثر من مرة أن "على إسرائيل أن تفعل كل ما في وسعها، رغم صعوبة ذلك، لحماية المدنيين الأبرياء" ، كما وجه دعوات متكررة لزيادة المساعدات لغزة لتخفيف معاناة الفلسطينيين الأبرياء. 

في وزارة الخارجية الأميركية التي أذهب إليها يوميا (تقريبا) ، يواصل المتحدث باسم الوزارة ، ماثيو ميلر - في تكرار ممل - إصراره على أن إسرائيل لا تستهدف المدنيين عمدا. علما بأنه مع تحليق الطائرات الأميركية بدون طيار فوق غزة يوميًا، فإن وزير الخارجية أنتوني بلينكن لديه دليل مرئي على أن القصف الساحق على المباني المدنية يقتل المدنيين ألأبرياء.

 

والدليل على ذلك موجود في أنقاض المستشفيات والعيادات الصحية وسيارات الإسعاف والمدارس والمكتبات ودور العبادة والأسواق وأنابيب المياه والمنازل والمباني السكنية وأكوام الجثث غير المدفونة التي تأكلها الكلاب الضالة. كل هذه المعلومات موجودة في حوزة إدارة بايدن.

ناهيك عن أنه تم تحذير إدارة بايدن، وزملائهم المتعطشين لسفك دماء  الفلسطينيين في الكونجرس الأميركي عندما صرخ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت ومسؤولون إسرائيليون آخرون في الثامن من تشرين الأول بأوامر الإبادة الجماعية المروعة لجيشهم: "لا كهرباء، لا طعام، لا وقود، لا ماء... نحن نقاتل الحيوانات البشرية وسوف تتصرف وفقا لذلك".

يكثر الحديث في واشنطن عن وقف محتمل لإطلاق النار، ربما مع نهاية العام، وربما بعد ذلك. ولكن بغض النظر عما إذا حدث وقفا لإطلاق النار أم لا، فإن اللامبالاة القاسية لإدارة بايدن ، ودعمها النشط  والمتفاني ، للإبادة الجماعية والتطهير العرقي المستمرة التي تقوم بها إسرائيل، سوف يلوث سمعة أمريكا حول العالم لأجيال قادمة. وكون أن بايدن يعترف بأنه لم يطلب حتى وقف إطلاق النار في محادثة ألأخيرة مع نتنياهو (يوم السبت، 23 كانون الأول) تقول الكثيرً عن النهج القاسي وغير الأخلاقي الذي تتبعه الإدارة الأمريكية تجاه الإبادة الجماعية في غزة بشكل خاص، والفلسطينيين بشكل عام.

لكن قمة النفاق الأميركي جاءت حين تذمر وزير الخارجية الأميركي، آنثوني بلينكن  في مؤتمره الصحفي السنوي يوم 20 كانون الأول 2023،  من الانتقادات العالمية لدعم الولايات المتحدة لحملة القتل الجماعي التي تشنها إسرائيل في غزة.

احتج واحتد بلينكن، وقال ممتعضا : "لا أسمع فعليا أحدا يطالب حماس بالتوقف عن الاختباء خلف المدنيين، وإلقاء سلاحها، والاستسلام. ستنتهي هذه الحرب غدا لو فعلت حماس ذلك"، اشتكى بلينكن. "كيف يمكن ألا تكون هناك مطالب من المعتدي (حماس)، بل مطالب من الضحية (إسرائيل) فقط؟"

قول بلينكن المستهزئ بعقول البشر عن أن إسرائيل هي الضحية و "حماس" هي المعتدية، هو تأييد صريح للمجازر الإسرائيلية ، ويؤكد على منطقها الأساسي أن إسرائيل حرة في ذبح المدنيين الفلسطينيين إلى أن تقدم المقاومة المسلحة في وسطهم "الاستسلام".

لن ننتظر من البيت الأبيض، أو من الكونجرس الأميركي اعترافهم بذنبهم الدموي. لكن من المؤكد أن ذلك سيأتي لاحقاً مع حكم التاريخ على دعم واشنطن غير المشروط لحرب الإبادة  الإسرائيلية ضد ما أسمته صحيفة هآرتس الإسرائيلية مراراً وتكراراً "الشعب الأعزل تماماً" في غزة.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024