الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ضرورة الفهم قبل إصدار الحكم.. معتز عزايزة

نشر بتاريخ: 2023-12-26 الساعة: 01:08


 

الكاتب:عواد الجعفري

كان المصور الصحفي معتز عزايزة ولا يزال هدفا لهجمات كلامية شديدة، تثير الدهشة على منصات التواصل، وبخاصة منصة "إكس" (تويتر سابقا).

ووصل الأمر بالبعض بأن هتف ضد عزايزة في مظاهرة بعيدة مكانيا عن النار والدم في غزة. هذه الهجمات غير مقبولة، لا في محتواها ولا في وقتها.

لماذا هاجم البعض معتز عزايزة؟

تكرر الهجوم على معتز منذ بداية الحرب الإجرامية الإسرائيلية على غزة رغم أنه من أبرز أصواتها، لكن الهجوم ازداد شراسة بعد نشره، قبل أيام، مقطع فيديو لشهادة مواطن من مخيم البريج وسط قطاع غزة، بعد أن طالب جيش الاحتلال سكانه بالرحيل.

إن خلاصة ما قاله المواطن الغزي في رسالته إنه يريد السلام و"التعايش" وهو ما أثار غضب البعض، لكنه قال أيضا إن هذا الشعب يريد حقوقه، والمشكلة لدى الإسرائيليين.

كان معتز واضحا في وصفه لكلام الشخص في الفيديو فكتب ما يلي: "رساله من احد المواطنين في مخيم البريج وسط قطاع غزه والذين تم إبلاغهم اليوم باخلاء المخيم والتوجه إلى دير البلح". هو لم يقل إن الرسالة من الشعب في غزة.

نقول إن الهجمات غير مقبولة في محتواها، لأن هناك 2 مليون إنسان في غزة. هل تعتقد أنهم جميعا يملكون نفس الرأي؟ ولماذا يصر البعض على مصادرة رأي المظلوم الذي يعيش تحت النار والقهر ويطوقه الموت من كل اتجاه؟

يريد هؤلاء الذين هاجموا معتز أن يرسموا صورة لأهل غزة هي صورة "الأبطال الخارقين" الذين لا شيء في حياتهم سوى الصمود والمقاومة والموت، وهي صورة حقيقية، لكن غالبية هؤلاء لا يقدمون ما يقدمه أهل غزة ولا يعيشون ما يعيشونه.

والحقيقي بالمقدار نفسه أنه أهل غزة بشر وتحملوا فوق طاقة بني الإنسان، وأهل غزة موجوعون، أفليس من حقهم التعبير عن ألمهم وسط كل هذا القهر والخذلان؟ ممنوع أن يعبر الغزيون عما في داخلهم؟ كيف تطلب من الناس أن يصمدوا وأنت لا تقدم لهم شيئا؟

نقول إن هذه الهجمات ضد معتز غير مقبولة في وقتها، لأن هذا يعني افتعال معارك جانبية، تشتت جهد الفلسطينيين وأنصارهم في الميدان الإعلامي عن المعركة الأهم مع الاحتلال الإسرائيلي. لقد بذل الإسرائيليون جهدا كبيرا في هذه الحرب لتجنب المعارك الجانبية وإطفاء نيرانها أو الحد منها إلى أقصى درجة ممكنة، بغية التركيز على العدوان على غزة، فلماذا تخوض أنت هذه المعارك؟ ماذا تستفيد حقا؟


الأسوأ من ذلك هو تبني البعض لنظرية المؤامرة، التي أحيلت للتقاعد منذ أمد بعيد. إن وجهة نظر المنتقدين هي أن معتز "يروج لأفكار خبيثة" ويبث "رسائل مشبوهة" عبر التركيز على أشياء وإغفال أخرى. قالوا مثلا إن حسابات بقية الصحفيين والناشطين في غزة على منصات التواصل جرى تقييدها، الأمر الذي لم ينسحب على حال معتز، وكأنهم يريدون القول إن "جهات خفية" تريد إبراز معتز على حساب الآخرين.

لو كانت جهات خفية، وهي الغرب في معظم الحالات، معنية بشيء في غزة، فهي لا تريد أصواتا ولا صورا تخرج من تلك الأرض المكلومة التي تذكّرهم بدعمهم لدولة الاحتلال، فكيف تسعى لإبراز صوت مثل صوت معتز؟

إن هناك مشكلة مستعصية في العالم العربي، كانت موجودة ولا تزال، وتبرز الآن في "السوشال ميديا"، وهي البون الشاسع بين الأقوال والأفعال، والتنظير والممارسة.

إن كمية التنظير التي طفحت بها شبكات التواصل ضد معتز كانت صادمة، خاصة من أولئك الذين يعيشون خارج قطاع غزة، فهؤلاء لا يواجهون جوعا ولا عطشا ولا قصفا ولا تهجيرا. أحسب أن معظم مَن هاجم معتز لا تتسق أفعاله مع أقواله فهو لا يشهر السيف في وجه الأعداء.

لو أن كل المنظّرين يفعلون شيئا لفلسطين عوض افتعال معارك جانبية لكان الحال أحسن كثيرا. هناك مَن لم يهتم بشأن غزة إلا بعد 7 أكتوبر، وأود التذكير هنا بشبان وشابات في الغرب كرسوا حساباتهم على منصات التواصل للحديث عن فلسطين وشعبها الذي يعاني من المحتل قبل الحرب على غزة بوقت طويل.

بعدما تنتهي هذه الحرب، سينصرف الكثير من رواد مواقع التواصل إلى شؤونهم (البعض انصرف مع أن المدافع لم تصمت بعد) وينسون أن مأساة بشرية هائلة في غزة، تحتاج إلى كثير من الجهد والعمل للتخفيف منها، فهل سيفعلون شيئا لإزالة الركام والعناية بأيتام قتل الاحتلال آباءهم؟ هل سينفذون تلك الحكمة الصينية أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام؟

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024