نزعة القتل في الموروث التوراتي
نشر بتاريخ: 2023-11-25 الساعة: 03:25
أسماء ناصر أبو عياش
كم من الدم سيستغرق هذا الأمر لإشباع هذا التعطش للانتقام؟ إلى متى ستستمر هذه النزعة الإبادية الإلغائية؟ إلى متى سنتابع هذا المشهد المتخم بالإجرام كظاهرة جماعية تتباين وجوباً عن الجريمة والتي تُعتبَر _ وحسب العلوم الجنائية _ ظاهرة فردية؟
لقد استندت أيديولوجية الكيان الإسرائيلي المحتل على الأيديولوجية الصهيونية والمتمثلة في الإمعان في فرض يهودية الدولة والتي بدورها تحصيل حاصل لفكرة وفعل إسكات الزمن والتاريخ الفلسطيني من خلال الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.
وبنظرة سريعة على ما ورد في بعض أسفار التوراة نرى الدعوة للإبادة مسوغ لفعل الإجرام ضد الشعب الفلسطيني والعمل سياسياً وعسكرياً وثقافياً على إلغائه، فقد ورد في سفر التثنية الإصاح 20/16 (قواعد الحرب لا تسمح بالبقاء على قيد الحياة، لا شيء، لا رحمة) وكما في الإصحاح 25/19 من ذات السفر (محو ذكر عماليق من الوجود، ويشمل الرجال والنساء والأطفال، ليس لهم الحق في الوجود).
ورد في كتاب "فلسطين" لمؤلفَيّْه المفكرَين اليهوديين البروفيسور الأميركي نوعام تشومسكي، والمؤرخ ذي الأصول الألمانية إيلان بابيه أن الرغبة الإسرائيلية بتحويل فلسطين إلى فكرة النقاء العرقي، هي في قلب المشروع المستمر منذ العام 1882، بل والأسوأ من ذلك أنه ولا مرة واحدة أدانته الأسرة الدولية والتي بقيت مكتوفة الأيدي مما أدى في العام 1948 _ والكلام هنا للمؤلفَين _ إلى الطرد الجماعي لنحو 750 ألف فلسطيني من أرضهم وتدمير أكثر من 500 قرية وعشرات المدن، وبسبب هذا الصمت صارت التصفية العرقية البنية التحتية التي تقوم فوقها وحسب تعبيرهما (الدولة اليهودية).
ويضيف المفكران بالقول أن هذا لم يستهدف الفلسطيني وحده بل طالت هذه التصفية العرقية وعانى منها اليهود الذين تعود أصولهم إلى دول عربية وإسلامية، إذ فُرض عليهم ولكي يتم قبولهم في الحلم الصهيوني، أن ينزعوا عنهم ما يتعلق بروابطهم مع العرب والمسلمين.
لقد تطلبت سياسة التصفية العرقية أن يلجأ مغالو الصهيونية إلى نزع أي صفة إنسانية عن الفلسطيني، فقد وصف وزير دفاع سلطات الاحتلال يوآف غالانت الفلسطينيين بحيوانات بشرية مما يبرر تصفيتهم وقتلهم! فالتصفية العرقية صارت في "إسرائيل" أسلوب حياة وليست مجرد سياسة.
وفي كلمة تناقلتها وسائل إعلام قال بنيامين نتنياهو رئيس وزراء العدو في مؤتمر دولي عقد في القدس المحتلة في العام 2015:" توجد حيوانات متوحشة من المسلمين في مدننا." ولا يغيب عن الأذهان ما واجه به وزير دفاع العدو الأسبق موشيه دايان الفلسطينيين بقوله: "ليس أمامكم من بديل سوى العيش كالكلاب أو الرحيل".
وتستمر هذه السياسة الإلغائية للفلسطيني على كل صعد ومستويات دولة الكيان المحتل، إذ ذكر المستشار المقرب من شارون دوف فايسغلاف أن هدف إسرائيل هو تقليص عدد الفلسطينيين إلى أدنى مستوى، ولذلك لجأت إلى التطهير العرقي والخنق الاقتصادي والسجن الديموغرافي ومنع مسيرة السلام وقيام دولة فلسطينية.
وما الحرب الإبادية ضد الفلسطيني التي تشنها آلة القتل الاسرائيلية في غزة والضفة الفلسطينية المحتلتين سوى ترجمة عملية بكافة أبعادها لمجمل هذه الأفكار الصهيوتوراتية سواء حاخامات أم عسكر ولا أقول سياسيين فالكل المحتل عسكر يتمنطق أداة قتل يستهدف بها الكل الفلسطيني على طريق تحقيق الحلم التوراتي المزعوم (من الفرات إلى النيل أرضك يا إسرائيل).
وقد أفتى الحاخام آفي روتنسكي بالقول إن أحكام التوراة تبيح قصف البيوت الفلسطينية من الجو على من فيها. فيما ورد في كتيب أعده مردخاي الياهو والذي شغل في فترة سابقة منصب الحاخام الأكبر لإسرائيل وكان قد أعده على شكل رسالة لإيهود أولمرت رئيس الوزراء الأسبق لدولة الاحتلال جاء فيه: "طبقاً لما ورد في التوراة فإن مدينة بأكملها تتحمل المسؤولية الجماعية عن السلوك غير الأخلاقي لأحد من أفرادها."
أمام كل ذلك فإن الدعوة هنا وعلى كل المنابر في العالم إلى ضرورة تفعيل المسار القانوني المتمثل في محكمة الجنايات الدولية لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين وقد باتت الجريمة وفعل الإجرام واضحة دون لبس كوضوح الشمس في كبد السماء. والرهان هنا والتعويل ليس على الأنظمة الملجمة بلجام الخوف والمصالح الذاتية، وإنما نعوّل ونراهن على الشارع واستثمار الحراكات الشعبية في شوارع العالم ومؤسسات المجتمع المدني، فإذا الجماهير أرادت تستطيع.