العروبة مصدر قوة الهوية الوطنية الفلسطينية
نشر بتاريخ: 2023-10-22 الساعة: 15:11
موفق مطر
لا يمكن بأي حال قبول الطعن بالعروبة، أو طعنها بسلاح وقائع وتفاصيل، يتخذها البعض ذريعة وفرصة مناسبة لإظهار قناعاته ومفاهيمه الشخصية المضادة، وتحديدا في اللحظات المصيرية التي يمر بها شعبنا الفلسطيني وكذلك أمتنا العربية، فوحدة المصير والثقافة واللغة ليست تنظيرات في فضاءات الصالونات السياسية، وإنما مسمى طبيعي لسجل تاريخ الأمة وثقافة شعوبها، رغم التنوع العقائدي الروحي السماوي، فالعروبة ليست توليفا ماديا مصطنعا، ولا برنامجا سياسيا يمكن إعادة النظر به كلما تغيرت الظروف، إثر أحداث عظيمة مؤلمة، فهذه الأحداث وتحديدا المصيرية تستدعي البحث أكثر عن مكامن الخلل المانعة للتطبيق العملي والفعلي لمبادئ وقيم وأخلاقيات العروبة، وجوهرها الإيمان بوحدة المصير، حيث ثبت للعربي أن الغزاة والمستعمرين والمحتلين يستهدفون الأمة العربية ووطنها الكبير بغزوهم واحتلالهم أي ارض وطن لشعب عربي، فنحن العرب جميعا مؤمنون أن الاحتلال الاستعماري الصهيوني لفلسطين (قلب الأمة العربية وقلب الوطن العربي) دينيا روحيا، وجغرافيا بحكم موقعها الاستراتيجي، وخطر كان وما زال يهدد حاضر ومستقبل الأمة كلها، مدمر لثقافتها، وشواهدها التاريخية الحضارية، وليس صدفة مواكبة القوة العسكرية اللازمة للاحتلال والاستيطان وتدمير مقدرات شعوب الأمة ودولها، بحملات منظمة لاجتثاث عقيدة العروبة من قلوب وعقول الأمة وجعلها شعوبا متفرقة متناحرة متصارعة، وأبعد من ذلك، عملت على تلبيس العروبة أثوابا مزيفة كانت ذريعة لتعميم ونشر توصيفها (بالقومية المتطرفة)، وحاولوا زجها في بوتقة القوميات العنصرية التي نشأت في قلب أوروبا وتسببت بنشوب حربين عالميتين، حيث كانت القومية العنصرية بمثابة الوقود لنيرانها، إن وعي قادة حركات التحرر الوطنية العربية، وإدراكها لأبعاد وأهداف المؤامرة الاستعمارية العالمية، دفع حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، التي استلهمت مبادئها وأهدافها من ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لتكريس الإيمان بالعروبة في (دستورها الكفاحي النضالي) أي نظامها الأساسي، حيث في الباب الأول وتحت عنوان المبادئ والأهداف والأسلوب:" إن فلسطين جزء من الوطن العربي والشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية وكفاحه جزء من كفاحها وإن الشعب الفلسطيني ذو شخصية مستقلة وصاحب الحق في تقرير مصيره وله السيادة المطلقة على جميع أراضيه وإن الثورة الفلسطينية طليعة الأمة العربية في معركة تحرير فلسطين وإن نضال الشعب الفلسطيني جزء من النضال المشترك لشعوب العالم ضد الصهيونية والاستعمار والإمبريالية العالمية والرجعية وإن معركة تحرير فلسطين واجب قومي تسهم فيه الأمة العربية بكافة إمكانياتها وطاقاتها المادية والمعنوية وإن "الصهيونية حركة عنصرية استعمارية عدوانية في الفكر والأهداف والتنظيم والأسلوب".. وإن "الوجود الاستيطاني في فلسطين هو غزو صهيوني عدواني وقاعدة استعمارية توسعية وحليف طبيعي للاستعمار والإمبريالية العالمية والرجعية وإن "تحرير فلسطين والدفاع عن مقدساتها واجب وطني وقومي وديني وإنساني" .. لذلك تنادى الأشقاء المؤمنون بعروبتهم، وانخرطوا في الكفاح والنضال بكل أشكاله لتحقيق أهداف الثورة الفلسطينية المعاصرة، حتى إننا شهدنا نهوضا في المشهد الثقافي العربي يمكن تلخيصه بعنوان "فلسطين ثورة حتى النصر" أما السياسي فجسده الرئيس جمال عبد الناصر – رحمه الله – الذي قال في النصف الثاني من الستينيات" إن فتح وجدت لتبقى" لقناعته بإيمان قادتها بعروبتهم وثقتهم بأن العروبة التي تجسدها الأمة العربية بثقافتها وآمالها وطموحاتها، هي العمق الاستراتيجي لثورة الشعب الفلسطيني المعاصرة، تماما كما يؤكدها اليوم أشقاء عرب في مستوى رؤساء دول أو قادة قوى وطنية عربية، فالآن وفي هذه اللحظات نسمع رئيس الشعب التونسي الشقيق قيس سعيد يمثل موقف الشعب بتلاوة نصية من مبادئ حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، فيما رئيس الشعب الجزائري عبد المجيد تبون يعلن الحداد ويقرر تنكيس العلم لثلاثة أيام كما فعلت الشقيقة تونس..أما الجماهير العربية التي فاضت بمشاعرها ومواقفها الشوارع في المدن والعواصم العربية، فهي عوامل هامة وضرورية لتعزيز صمودنا ومواجهتنا وكفاحنا ونضالنا ضد مع المنظومة الاستعمارية الصهيونية، حتى وإن كنا من الداعين لتأطيرها وتنظيمهما عبر قواها الحية، وكياناتها السياسية الحاكمة والمعارضة سواء، فالعرب مجمعون على تبني الحق الفلسطيني، فالعروبة تعزز الهوية الوطنية العربية الفلسطينية في مواجهة الدعاية الصهيونية القائمة على نكران وجودها.
دعونا نقرأ في هذا السياق الموقفين الرسميين لقيادة الدولتين الشقيقتين جمهورية مصر العربية، والشقيقة المملكة الأردنية الهاشمية، فقد رفضت القيادتان حل القضية الفلسطينية على حساب مصر والأردن، ورفضتا بشكل قاطع تهجير المواطنين الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، أو من الضفة بما فيها القدس إلى المملكة الأردنية، وبذلك تتعزز استراتيجية الصمود والمواجهة الفلسطينية والنضال ضد سياسة منظومة الاحتلال الصهيوني الفاشية القائمة على تهجير الشعب الفلسطيني القسري من أرض وطنه التاريخي والطبيعي، تتعزز باستراتيجية عربية لا تتبنى الاستراتيجية الفلسطينية وحسب، بل لإدراكها أن الخطر الوجودي المحدق بفلسطين في هذه اللحظات التاريخية سيصيب مصر والأردن وكل الأشقاء العرب، وكل ذلك نابع من إيمان عميق علمي وعقلاني وواقعي لمعنى المصير المشترك للأمة، حتى إننا سمعنا تهديدات مباشرة من القيادتين المصرية والأردنية فيما إذا مضت منظومة الاحتلال العنصرية (إسرائيل) بسياسة التهجير، التي اعتبرتها المملكة بمثابة "إعلان حرب" وشاركتها مصر بذات التقدير والموقف .
نستطيع تحقيق إعجاز في الصمود، لكننا بحاجة دائما إلى عمق استراتيجي عربي متصل جغرافيا بفلسطين يسند ظهرنا، ونعتقد أن أي محاولة لتجاوز هذا العمق العربي الجغرافي الشعبي والرسمي ومحاولة إنشاء تحالفات تؤثر سلبا على عمقنا الاستراتيجي العربي، والمعاني الفاضلة للعروبة، نعتقد أن ذلك سيدخل الحق والنضال الفلسطيني ودماء مئات آلاف الشهداء، ومعاناة الملايين في متاهات الذين هرولوا – بدوافع مصالحهم الفئوية - للوقوف بالجبهة المعادية للعروبة
mat