المهنة الأخطر في مواجهة جهنم الأرض.. ثمانية شهداء
نشر بتاريخ: 2023-10-12 الساعة: 14:43
تحت القصف وحمم جهنم التي تحول فيها الليل إلى نهار فسفوري تبصره كل عين إذا بقي فيها ذرة حياة، حمم لا تبقي حجراً أو بشراً حتى في الظروف التي يتاح فيها كل الاحتياطات، فما بالك إذا كانت الحمم تسكب دون أي إنذار او تحذير، في هذه الظروف تكون عيون الصحافة في مقدمة الصفوف تنقل مشهد الحياة المهددة بالإبادة لعل وعسى تجد من يكون لها نصيرا في عالم نخره الانحياز بكل المعايير، والثمن في معظم الأحوال يكون التضحية بالحياة ولكن تبقى عدسة هذا الصحافي مشرعة تنقل هموم وقضايا وطن حتى في أحلك الظروف.
منذ بدء العدوان على غزة وحتى اليوم فقدت الأسرة الصحفية 8 صحفيين لا ذنب لهم إلا أنهم جزء من هذا الشعب الذي يناضل منذ 100 عام وأكثر لبناء دولة يعيش فيها أبناؤه بأمن وسلام كحال كل شعوب الأرض.
الصحافة في فلسطين ليست سباقا لالتقاط صورة نادرة أو تحقيق سبق صحفي لحادث، إنها معركة حياة ونضال من أجل الحرية في الواقع الفلسطيني، إنها جزء من ساحة من معارك المواجهة مع الاحتلال، ساحة للصراع بين قوة الإعلام وإعلام القوة، بوابة لفتح عيون العالم على الإبصار والوصول للحقيقة التي تحجبها قوى احتكار الإعلام عالميّا، ومحاولات التعتيم والاستهداف لكل عين صحفية تسعى لكشف ممارساته.
ثمانية شهداء لو كانوا في ساحة مواجهات أخرى لقامت الدنيا ولم تقعد باعتبار ذلك انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، لكن وبكل أسف، الإنسان الفلسطيني سواء كان مزارعا أو معلماً أو صحفياً يكون هدفاً سهلاً للقتل في كل لحظة، ومع انكشاف جريمة استهداف الصحفيين في أكثر من مناسبة إلا أنها لم تحظ بالمحاسبة التي تنص عليها القوانين والتشريعات الدولية التي وضعها أصحاب ودعاة حقوق الإنسان، ولا شك أن ما كشفته الأحداث الأخيرة في الأزمة الأوكرانية الروسية من ازدواج المعايير للمجتمع الدولي، من إغلاق كافة حواسه عما يجري في الأراضي الفلسطينية، وفتح أعينه على كل صغيرة وكبيرة في الأراضي الأوكرانية دليل واضح على مدى الغبن الذي يواجهه الصحفيون في الأراضي الفلسطينية منذ عقود، فلسان حال أصحاب المكاييل المزدوجة تقول إن الفلسطيني متهم سواء كان مواطناً عادياً أو صحفياً يمارس دوره بكل مهنية ولا حق لقلمه بمواجهة الاحتلال أو توجيه عدسته لتكشف ممارسات الاحتلال ومستوطنيه.
استهداف الصحفيين لا يعني بأي حال من الأحوال نهاية الصحافة في فلسطين، أو إسكاتًا للقلم والكلمة الفلسطينية التي تنقل في كل يوم ومن كل زاوية حكاية الفلسطيني المتمسك بأرضه وقضيته والصامد إلى جانب شعبه في كل الظروف، وما الجولة الحالية من المواجهات إلا حلقة ضمن سلسلة تصدي هذا الشعب لآخر وأقسى الاحتلالات التي عرفها التاريخ البشري المعاصر، وما استهداف وحصار الصحفيين إلى جانب شعبهم الصامد إلا دليل على خوف المحتل من خروج الحقيقة، وانتهاكاته التي تخالف كل المواثيق الدولية والإنسانية مهما اشتدت لا تزيد الصحفيين إلا قوة وصلابة في وجه حمم الاحتلال ونيرانه، وأثرها المباشر سيكون في تعرية وجه الاحتلال طال الزمان أم قصر، هكذا تعلمنا تجارب الحياة، فالحقيقة قد تتأخر بعض الشيء، لكن الاحتلال إلى زوال مهما كانت قوة الانتهاكات.
قد تكون هذه المرحلة من أخطر المنعطفات التي تمر بها قضيتنا ومشروعنا الوطني، وقد تنذر بكارثة غير مسبوقة على المواطنين العزل، إلا إذا كان هناك آفاق لعقلانية الضمير العالمي للتدخل وإيجاد حل جذري ينهي الاحتلال ويفضي لإعادة الحقوق لأصحابها ويضمن الأمن والاستقرار للمنطقة، لأن طوفان المواجهات يكون في كل مرة أشد وأقسى والخسائر تكون أكبر، ولا خيار يمكن أن يجلب الأمن والاستقرار للجميع إلا الحل الحقيقي والشامل الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، لأن ذلك شرط وضمان السلام وصمام الأمن الإستراتيجي للمنطقة بأكملها، وحتى ذلك الحين ستبقى الصحافة الفلسطينية ومن خلال صحفييها في قلب أبناء ومعارك شعبهم على مختلف المحاور، من شمال فلسطين إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، تسطر فيها نموذجاً للعطاء رغم المخاطر والتضحيات، لأن صحافتنا عنوان فخر وفارسة الميدان وقاهرة أعداء الحرية، فالبطش الاحتلالي الموجه لعدسات وأقلام الصحفيين دليل على انتهاك هذا الاحتلال لحقوق الصحفيين وقبلها حقوق الانسان، ودليل على أن الانتهاكات لا تلثم قلم الإعلام أو تكسر عدسة الصحفيين، بل تزيد من عزيمة إعلامنا وتمسكه بحقه في الحياة بعناد وإصرار على مواصلة رسالته الملتزمة بقضايا الوطن ومعايير الصحافة المهنية التي أقرتها معايير وأخلاقيات الإعلام، فهذه روحنا فهي عصية على الإسكات، كلماتها وعدساتها تجوب عنان السماء وهذا هو الدرس الذي لم يفهمه صمت العالم حتى الآن.
mat