التعليم العالي مرة أخرى حول معايير التصنيف للجامعات الفلسطينية
نشر بتاريخ: 2023-08-30 الساعة: 12:29
وسام رفيدي
يبدو من الطبيعي أن تنشد اية جامعة للحصول على تصنيف جيد ضمن تصنيفات دولية للجامعات، كأن تكون مثلاً ضمن ال 500 الأوائل لتصنيف الجامعات في العالم، أو ضمن 3% لأفضل جامعات تنتج أبحاثاً علمية محكمة، أو ان يحتل باحثون منها مكانة مرموقة في تصنيف الباحثين ومكانة أبحاثهم عالمياً، إذ لا يمكن حرمان اية جامعة من المنافسة على مكانة أفضل في (سوق) الجامعات العالمية.
لا يستغربن أحد كلمة سوق، فعلى حد تعبير أحد المسؤولين الماليين في جامعة محلية في نقاش وجاهي معي حول السياسات المالية الظالمة للطلبة والعاملين إذ قال ( It is a business) فإذا كانت السياسات المالية تتعامل مع التعليم من وجهة نظر تجارية وباعتباره Business فمن الطبيعي ان تحتل المنافسة على التصنيف والاحتفاء بنتائجه اهتماماً متزايداً باعتبار المنافسة من أوليات اقتصاد السوق.
قبل الولوج لمعالجة تقترب من التفصيلية لا بد من تأكيد حقيقة وموقف:
الحقيقة: جامعاتنا تنشط في ظل الشرط الاستعماري الاستيطاني الصهيوني الذي يستهدف وجودنا كشعب وهويتنا وكيانيتنا السياسية، وتلك ما درجت الأدبيات السياسية والاجتماعية على اعتباره الخصوصية التي ينبغي الالتفات لها في كل ما يتعلق بما هو مطلوب، وفي كل الحقول والمجالات الاجتماعية والسياسية والوطنية والثقافية والاقتصادية والتربوية والعلمية. غير ذلك فإن اي نقاش خارج إطار تلك الخصوصية فإنه سيغدو في الحد الأدنى لا صلة له بالواقع،، وبالحد الأقصى يحرف البوصلة عن الاتجاه الذي ينبغي أن تؤشر إليه.
الموقف: جامعاتنا، وضمن مهامهما العلمية والمجتمعية، ينبغي ان تخدم الهدف التاريخي لشعبنا بالتحرير والعودة، بما يستلزمه ذلك من كليات ودوائر وتخصصات وأقسام ومساقات تخدم بناء مجتمع مقاوم وصامد، وتربية أجيال تتمتع بروح العمل الجماعي لخدمة الوطن وقضيته، إضافة لتعزيز العقلية العلمية النقدية بديلاً للثقافة الغيبية التقليدية القائمة على الخنوع والاستتباع في حقول العلوم الانسانية والاجتماعية، وتطوير المهارات المهنية والبحثية والإبداع في حقول العلوم الطبيعية. ضمن هذه الحقيقة وهذا الموقف تناقش هذه المقالة قضية تصنيف الجامعات والمعايير المعتمدة.
مَنْ يضع المعايير؟ ما مدى مواءمتها لمجتمعنا؟
السؤال الذي يجابهنا مباشرة: ما معايير التصنيف؟ ومَنْ وضع تلك المعايير؟ وما مدى مواءمة تلك المعايير مع خصوصية وجود جامعاتنا في ظل الشرط الاستعماري المشار إليه أعلاه؟
إجمالاً فإن معايير التصنيف تكاد تكون موحدة لدرجة كبيرة، وهي تشمل جودة الأبحاث، معدلات نشر أعضاء الهيئة التدريسية للابحاث، جودة التعليم، الإنتاج البحثي، الرجوع للابحاث للإقتباس، نوعية أعضاء هيئة التدريس من حيث شهاداتهم العلمية، إلى آخره من معايير، هي في الواقع تنحو نحو التركيز على البعد الكمي لا النوعي في قياس المعيار، كعدد الأبحاث المنشورة، عدد حاملي شهادة الدكتوراة، والرجوع للأبحاث للاقتباس، وحتى لو نحت نحو التركيز على البعد الكيفي، فلا يمكن تحديد حدود واضحة، بل سيبرز الاختلاف واضحاً في تحديد تلك الحدود، فما هي معايير جودة التعليم مثلاً، أو جودة الابحاث العلمية؟ هل هي في مراعاتها منهجيات البحث العلمي المعروفة، على أهميتها، أم ايضاً مواءمتها للخصوصة المجتمعية والوطنية واحتياجات تلك الخصوصية؟
وهنا نجد أنفسنا أمام السؤال الثاني؟ مَنْ يضع معايير التصنيف؟ إجمالاً إما مراكز مختصة مثل المركز الوطني للبحوث في اسبانيا الذي وضع تصيف ويبومتركس الاسباني لتقييم الجامعات (CSIC)، أو جامعات مثل جامعة جياو جونغ في شانغهاي التي وضعت معايير التصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية (ARWU)، أو مجلات عالمية مثل مجلة نيوزويك الأمريكية، أو تصنيف QS للجامعات العالمية.
بالمحصلة تتمظهر في هذا الحقل علاقة من التبعية: مراكز ومجلات ودول وجامعات ذات مكانة مهيمنة عالمياً تضع هي المعايير، وجامعات العالم (تطارد) للحصول على موقع (جيد) في تصنيفاتها، ضمن علاقة تبعية وإلحاق بيّنة. تلكم علاقة تتحدد أيضاً في كل ما له صلة بالعلاقة مع المواثيق والقوانين والعهود الدولية: وُضعت في الغرب المهيمن بمؤسساته المختلفة، السياسية والاقتصادية والإعلامية والأكاديمية،، وبالاستناد لموازين قوى ليس في صالح شعبنا، وما علينا، وفق موقف المهيمن، سوى القبول بتلك القوانين والمواثيق والعهود وكأنها الحقيقة المطلقة والصواب بعينه. وبالمناسبة كان إدوارد سعيد قد رأى لدور المؤسسات الأكاديمية في خدمة التوجه والنزوع الإستشراقي للمؤسسة السياسية الإمبريالية في كتابه المعروفة (الإستشراق). من هذه الزاوية نرى لعلاقة الجامعات بمعايير التصنيف الدولية للجامعات.
وواضح لنا أن تلك المعايير لا شأن لها بالحقيقة والموقف المسجل أعلاه. فما القيمة التي من المفترض ان تقدمها الأبحاث المنشورة عالمياً، والعدد الكبير من حملة الشهادات الأكاديمية، والعدد المتزايد من الباحثين المقتبسين، إن لم تخدم الموقف اعلاه على صعيد المجتمع والنضال والإنسان الفلسطيني؟ علماً أن العديد من الأبحاث التي تُنشر ليس الهدف منها خدمة احتياجات محلية، بقدر ما هو الحصول على الترقية لأن النشر جزء من معايير الترقية الأكاديمية. إن التأكيد على حق الأكاديمي في الترقية الأكاديمية يجب أن لا يغفل المحتوى الذي يجب تضمينه في الجهد البحثي ارتباطاً بخصوصية مجتمعنا.
إن الجامعات الفلسطينية ومعها مجلس التعليم العالي والوزارة ومجاميع الأكاديميين الوطنيين والمؤسسات ذات الصلة، مطالبة، بدلاً من اللهاث خلف التصنيفات الدولية، بوضع معايير فلسطينية لدور الجامعة وفق الشرط الاستعماري، وبالاستناد لما سجلته في مقالة الأسبوع الماضي (تعليم مرتبط بالسوق أم باحتياجات تنموية ،إن المعيار الأهم الذي اعتقده مدخلاً (لتصنيف) الجامعات تصنيفاً وطنياً لا مشروطاً بمعايير دولية مزعومة، هو ذلك المعيار الذي ينسجم مع الحقيقة والموقف المسجل أعلاه.