الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الفرق بين مقاومة فتح والمنظمة ومقاومة حماس

نشر بتاريخ: 2023-08-08 الساعة: 22:51

 

باسم برهوم


بالنسبة للشعب الفلسطيني، المتعرض لأبشع أنواع الظلم والقهر لأكثر من مئة عام، والفاقد  للأمل بإمكانية إلحاق هزيمة سريعة ساحقة بالاحتلال الإسرائيلي. بسب الاختلال الكبير لميزان القوى. فإن كلمة مقاومة لها وقع السحر. لأنها تمثل أملا وأحيانا فشة خلق في ظل غياب الحلول العادلة. والجماهير العربية المأزومة حتى النخاع، بدورها تمثل لها كلمة مقاومة أملا قد يخرجها من عجزها المزمن. لذلك من السهل اللعب على العواطف والاختباء وراء كلمة المقاومة لتمرير مشاريع وأجندات تتناقض كليا مع كل هو وطني وقومي فلسطيني وعربي. لذلك علينا أن ندقق بشدة بين مقاومة وأخرى، وندقق بهوية كل منها وأهدافها الحقيقية، وألا نقع في حبال كل من قال أنا مقاوم. وربما علينا، في هذا السياق، أن نرى الفارق بين المقاومة التاريخية لحركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وبين مقاومة حماس.

فعندما تأسست فتح في نهاية الخمسينيات، وتأسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 وعندما انطلقت فتح  بالثورة الفلسطينية عام 1965، كانت المنطقة العربية تشهد نهوضا ومدا قوميا، وكان الحديث ساخنا عن الوحدة العربية،  بالتزامن مع ترسخ جذور الدولة الوطنية. لذلك كثيرا ما كان التداخل بين ما هو قومي وما هو وطني يبدو معقدا وغير مفهوم للكثيرين. بالإضافة إلى التأثير المتزايد للأحزاب الشيوعية العربية وقوى يسارية أخرى. وعلى الصعيد الدولي كانت الحرب الباردة، التي بدأت ملامحها الأولى تظهر عام 1949،  قد بلغت ذروتها في تلك المرحلة، وكان قد بلغ الصراع ذروته أيضا في المنطقة بين الدول الاستعمارية الغربية وبين الاتحاد السوفييتي. كل ذلك مع بروز ساطع وجذاب لحركات التحرر الوطني ضد الاستعمار، في الجزائر وفيتنام وكوبا وفي اليمن الجنوبي وفي عدة دول أفريقية اخرى، ولا ننسى ظهور حركة عدم الانحياز وتأسيس كتلة دولية اكثرية اعضاؤها من دول الجنوب.

فتح التي تأسست في تلك الظروف والمتغيرات، وما لدى مؤسسيها من إدراك عميق لأسباب النكبة، ومن بينها سلب الأنظمة العربية الحركة الوطنية الفلسطينية قرارها الوطني المستقل.  ولإدراك اهمية إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية. جاءت الثورة الفلسطينية عام 1965. ثورة وطنية أعادت الشعب الفلسطيني والقضية الوطتية الفلسطينية إلى الواجهة. أهداف فتح

ولاحقا فصائل منظمة التحرير الفلسطينية كانت أهدافا وطنية تنحصر بتحرير فلسطين، واعتبرت فتح والمنظمة وفصائلها حركة التحرير الوطني للشعب الفلسطيني، لذلك جاءت أسماء الفصائل مقرونة بفلسطين. على سبيل المثال: حركة التحرير الوطني الفلسطيني  "فتح"، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وجبهة التحرير الفلسطينية.

كانت فصائل المنظمة وما زالت تتفق وتختلف وأحيانا تفترق لكنها سرعان ما كانت تعود لتتوحد تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، كإطار جبهوي تعددي يضم الحميع له هوية وطنية واضحة، ومن ثم أصبحت المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، باعتراف عربي ودولي. وتم تمثيل جميع الفصائل ضمن نسب متفق عليها في المجلس الوطني والمركزي وفي كل مؤسسات المنظمة، وكان كل شيء يدور عبر الحوار وبشكل ديمقراطي وكل له رأيه ومواقفه، والمهم أن نلاحظ هنا أنه في كل تلك المرحلة كان ينظر لجماعة الإخوان المسلمين. بأنها حركة رجعية وجزء من التحالف الغربي، وأداة للتصدي للمد القومي والوطني العرب.

بالمقابل من هي حماس وفي أية ظروف تأسست؟

وبالتالي السؤال المهم حول هويتها وما هي أهدافها وأهداف مقاومتها الحقيقية؟ 

تحدد حماس هويتها في ميثاقها عندما تقول إنها جزء من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، لذلك هي ليست تنظيما وطنيا فلسطينيا كباقي فصائل المنظمة. ومن هنا لم يأت أي ذكر لفلسطين في اسمها، الذي جاء كالتالي: حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ولاختلاف الهوية رفضت حماس الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإن كل مبررات عدم انضمامها ما هي إلا عملية ذر الرماد على العيون لتخفي السبب الحقيقي لعدم الانضمام. فقط ستقبل بذلك إذا سيطرت هي على المنظمة وعلى قرارها وعندها لن تعود منظمة التحرير الفلسطينية التعبير الوطني للشعب الفلسطيني وإنما أداة بيد التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين وخدمة لأهدافه.

وفي فهم ظروف تأسيس حماس. علينا أولا أن نستذكر أن جماعة الإخوان لم ترفض الانضمام للمنظمة بل كانت ترفض مبدأ مقاومة الاحتلال الإسرائيلي طوال الفترة من عام  1967 وحتى عام 1988. أي عقدين من الزمن لم تكن الجماعة متفرجة على عملية الصعود

    الفلسطيني عبر المقاومة الفلسطينية التي تقودها منظمة التحرير وحسب، بل كانت متهادنة مع الاحتلال الإسرائيلي وتعمل في العلن. صحيح أن حماس قد تأسست مع بداية الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الكبرى، لكن في ظرف كانت فيه المشاريع القومية العربية قد انتكست،  وعلى الساحة الدولية كان الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي في حالة انكماش وانهيار. هذا المعسكر الذي كان داعما لحركات التحرير الوطني في العالم، كل ذلك بالتزامن مع صعود حركات الإسلام السياسي ومن بينهم جماعة الإخوان. فحماس  التي تمثل النقيض لكل ما هو قومي وما هو وطني لأنها تؤمن بالأمة الإسلامية.

ما الذي يعنيه ذلك وعلى كل فلسطيني إدراكه والتنبه الشديد له؟

يعني ذلك أن القضية الفلسطينية بالنسبة لحماس هي ورقة تستخدمها لتحقيق الهدف الأكبر لجماعة الإخوان، وبالتالي المقاومة بدورها ورقة تستخدم للتغطية على المشروع الحقيقي لجماعة الإخوان وبهدف تحقيق أهدافهم وليس الأهداف الوطنية الفلسطينية. دعونا ندقق معا في أهداف كل اشتباكات حماس مع إسرائيل في قطاع غزة،  لم تربط حماس أية هدنة مع إسرائيل بأي هدف وطني عام، وإنما بأهداف تخدمها هي وتخدم مصالحها. وفي المرحلة التي سبقت ثورات الربيع العربي كان واحدا من أهم اهداف اشتباكات حماس مع إسرائيل هو تعزيز جماهيرية الجماعة. خاصة في مصر بهدف السيطرة على الحكم هناك.  ولاحقا كان  الهدف، وإلى جانب خدمة مصالح حماس، هو استعادة شعبية الجماعة بعد أن انفضح دورها في ثورات الربيع العربي والتورط في إجهاض هذه الثورات هي والقوى السلفية والماضوية الأخرى.

واليوم بعد أن ابرمت حماس هدنة طويلة مع إسرائيل في قطاع غزة، تحاول فرض نفسها بأنها الطرف المهيمن في الضفة أيضا، بهدف التسريع باتخاذ قرار دولي لتسليمها السلطة في الضفة أيضا وحينها ستقبل بهدنة طويلة مع إسرائيل حتى ولو على 20 %  من أراضي الضفة.

وبغض النظر عن شكل المقاومة التي ترى فتح أنها هي التي تناسب المرحلة فإن الفارق بين مقاومة فتح ومقاومة حماس، أن الأولى مقاومة وطنية قراراها فلسطيني مستقل ومن أجل تحقيق أهداف وطنية فلسطينية، أما مقاومة حماس فهي مقاومة تحت راية جماعة غير وطنية وأهدافها ليست وطنية وإنما خدمة لمشروع ومصالح وأهداف التنظيم الدولي لجماعة

الإخوان المسلمين، وخدمة لمشاريع إقليمية وهذه الأخيرة مقبوضة الثمن مالا وخدمات وتسهيلات. قد نتفق او لا نتفق مع خيارات فتح لشكل المقاومة لكن لا يمكن التشكيك بأنها مقاومة فلسطينية وطنية ولا أهداف لها سوى الاهداف الوطنية المعروفة الحرية والعودة والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024