خوف العسكر السبب
نشر بتاريخ: 2023-07-31 الساعة: 09:05
عمر حلمي الغول
عادة منتسبي المؤسسة العسكرية والأمنية في الدول المختلفة ينأون بأنفسهم عن التدخل في الصراعات البينية داخل بلدانهم، ويتخذون موقف الحياد الإيجابي، الا اذا كانوا هم وراء الحدث، كأن يكونون خلف الانقلاب او التحرك العسكري لاي سبب ذات صلة بدورهم. لكن في إسرائيل الخارجة على القانون الامر مختلف، حيث نلاحظ تفاعل منتسبي المؤسسة العسكرية والأجهزة الامنية مع تداعيات الانقلاب القضائي، ويعلنون صراحة وقوفهم الى جانب المعارضة، ويهددون بشكل علني ودون مواربة برفضهم المشاركة في التدريب او الالتحاق في الاحتياط في سلاح الجو او القوات السيبرانية او غيرها من الوحدات العسكرية وخاصة وحدات النخبة، المتورطة في جرائم الحرب والإرهاب ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني في الوطن والشتات والمنافي.
وكان الكثير من المراقبين يعتقدون لوهلة ان الامر متعلق بالدفاع عما يسمى "الديمقراطية" و"الليبرالية" في مواجهة الصهيونية الدينية والتطرف، وهذا الاعتقاد للأسف الشديد خاطئ من حيث المبدأ. لأنّ أيّا منا لو دقق في جرائم الحرب التي ينفذها أولئك الجنود والضباط لما ذهب للمنحى آنف الذكر، ولذهب ابعد من ذلك، وطرح على نفسه خلال الشهور الستة الماضية العديد من الأسئلة لسبر غور هذا الانحياز الواضح والمتزايد، حيث شهد الأسبوع الماضي زيادة في اعداد القادة والضباط والجنود المعارضين للانقلاب القضائي، وبات الامر يقلق المؤسستين العسكرية والأمنية، وتضاعفت المواقف المناشدة للعسكر بالابتعاد عن المواقف السلبية، التي تسيء لهيبة ومكانة المؤسسة الأمنية والعسكرية، وتضع علامة سؤال على مستقبلها، وجاهزيتها في حال حدث تطور امني يهدد أمن إسرائيل.
كان من الضروري البحث والتدقيق أكثر فأكثر عن السبب الحقيقي، وتقديمه للرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي حتى يتبينوا الحقيقة. ولهذا تملي الضرورة تقديم الشكر لـ"موقع عرب 48" يوم الجمعة الموافق 28 يوليو الحالي، الذي سلط الضوء على أسباب العسكر الحقيقية لذلك الانحياز، الذي عبرت عنه احدى المجموعات المشاركة في الاحتجاج، وتطلق على نفسها "طريقنا"، التي كتبت في بطاقة تعريفها ما يلي: ثمة جهات في العالم تحاول المساس بالجيش الإسرائيلي، وتلاحق المقاتلين والمقاتلات من إسرائيل، وتهدد برفع شكاوى في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ومحاكم دولية أخرى، وتسعى هذه الجهات لمنع الجنود من الجنسين من مغادرة البلاد خشية ملاحقتهم امام المحاكم الدولية. والجهة الوحيدة التي تشكل حامي لهم، هي المحكمة العليا الإسرائيلية. وفي حال تم اضعافها، وتغييب دورها، فإن إمكانية الملاحقة الدولية تصبح اعلى.
حسب المجموعة انفة الذكر، ان احد الأسس المركزية التي يستند اليها القضاء الدولي والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي هو ما يعرف بـ"أساس التتام"، الذي ينص على ان تكون الصلاحية القضائية الدولية متممة للصلاحية الوطنية لكل واحدة من الدول. وهذا يعني انه طالما ان الدولة الوطنية تقوم بالتحقيق، وتقدم متهمين الى المحاكمة، وتدير عملية قضائية جديرة ومستقلة، فإن المحكمة الدولية لن تتدخل". وبالتالي وجود المحكمة العليا الإسرائيلية يشكل الحماية الفعلية لاولئك المجرمين والمتورطين بعمليات القتل والتدمير والتخريب لابناء الشعب الفلسطيني ومصالحهم الخاصة والعامة.
اذاً، هذا بيت القصيد، وهذا السبب والخلفية الحقيقية وراء انحياز الضباط والجنود الإسرائيليين المتورطين بالمجازر والمذابح وعمليات القتل السافرة على الأساس العرقي التطهيري للمعارضة الإسرائيلية، الخشية على الذات، وليس تضامنا مع لبيد ولا غانتس ولا ليبرمان، لانهم اكثر وحشية من بن غفير وسموتريتش وماعوز ونتنياهو وأضرابهم من القتلة، لان أيديهم ملطخة بالدم الفلسطيني، وارتكبوا من المجازر ما يجعلهم يرتجفون من انكفاء دور المحكمة العليا الإسرائيلية. الامر الذي خلق تعارضا بين مصالحهم الذاتية، وبين قادة ائتلاف حكومة الترويكا الفاشية، الذين ضاقوا ذرعا من دور المحكمة العليا، التي تحاصرهم في توجهاتهم الديكتاتورية، وتحد من خياراتهم المنفلتة من عقالها، والمسيئة والمضرة بصورة دولتهم اللقيطة والطارئة.
والنتيجة لا خوف على "الديمقراطية" غير الموجودة أصلا، ولا على الليبرالية الاقتصادية، ولا اعتراض على خيارات الصهيونية الدينية، ولا تحفظ على فساد نتنياهو، ولا هم ضد أي مظهر من مظاهر الإرهاب والجريمة المنظمة للدولة الصهيونية، لانهم هم أداة وعنوان تلك الجرائم كلها، وانما الخوف على حياتهم، ومصيرهم. ومع ذلك، فعلى كل ذي صلة ان يشجعهم على توسيع نطاق حراكهم وعدم التزامهم بالضوابط العسكرية. لان جيشهم ولد من رحم العصابات الصهيونية الإرهابية، ويتجه للتحلل من ضوابط المؤسسة العسكرية والعودة لواقع العصابات السابق على قيام الدولة، او المتمثل الان بـ"شباب التلال" و"لاهافا" وغيرها من العصابات الصهيونية مع اتساع نطاق التمرد داخل أوساط الجيش وكتائب النخبة.