يا سواد وجه البيت الأبيض !!
نشر بتاريخ: 2023-07-26 الساعة: 07:53
موفق مطر
ما حدث بالأمس بعد إقرار الكنيست ما سمي قانون التعديلات القضائية لم يكن انتصارا للصهيونية الدينية، ولا هزيمة للصهيونية السياسية، وليس "سقوطا لدولة إسرائيل" كما قال رقم واحد في المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، وإنما عملية تبديل طبيعية لجلد (المنظمة الصهيونية) دون المساس بجيناتها الموروثة والمورثة لدى جماعات وأحزاب، تمت تهيئة كل الظروف لتمكينها من الصعود إلى سدة القرار والتحكم بإدارة منظومة الاحتلال والاستيطان، ولا نستبعد تصريحا في يوم ما من إدارة جو بايدن في البيت الأبيض بأن حكومة ائتلاف نتنياهو منتخبة وأنها لا تملك قدرة التأثير على ممثلي الجمهور في الكنيست، وأن الحل يكمن بيد الشارع الإسرائيلي وصندوق الاقتراع، لأن الإدارة الأميركية بكل بساطة لا تريد انفلات المنظومة (إسرائيل) وخروجها عن الطاعة، فإسرائيل جزء لا يتجزأ من النظام الأميركي، وخاضعة لمتطلبات الأمن الاستراتيجي الأميركي، وتحديدا في هذه اللحظات المصيرية التي يتشكل فيها نظام عالمي جديد، فما بين إسرائيل وواشنطن أكبر وأعمق من مفهوم المصالح، وسنرى ذلك عندما يوقع رئيس المنظومة (هيرتسوغ) على القانون ليصبح ساري المفعول، ثم نشهد مسلسل التبريرات الأميركية، أما إذا لم يوقعه ضمن فترة محددة، ويتم سحبه بعد ذلك، فإن إدارة بايدن تكون قد نجحت بتوجيه لكمة لنتنياهو بقبضة هيرتسوغ الذي نال تبجيلا سخيا من واشنطن كرشوة سلفا، وبذلك لا يضمن البيت الأبيض ألا يسودّ وجهه من انكشاف كذبته التاريخية :"إسرائيل الديمقراطية الفريدة في الشرق الأوسط ".. أما من ناحيتنا فإننا نقول من جديد كما قلناها سابقا : يا سواد وجه البيت الأبيض .
يجب ألا يغيب عن بالنا أن ما بين الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية، والصهيونية الدينية والسياسية التي تدير شؤون القاعدة الاستعمارية المتقدمة (إسرائيل) قواسم مشتركة ، فكلاهما نشأ على عقلية الغزو وتهجير مواطني البلاد المستهدفة من أوطانهم، أو إبادتهم، أو إخضاعهم، وتعميم مقولات بعد نسبها زورا وبهتانا للكتب المقدسة لتبرير الجرائم ضد الإنسانية اللامسبوقة منها مثلا :"أرض الميعاد" و" شعب الله المختار"، وقد نرى بعض مشاهد التوتر بين السيد وخادمه لكنها ستمر وتمضي كسحاب الصيف، بعد ابتداع واختراع المبررات وأولها أن كل ذلك هو"لحماية وجود وأمن اسرائيل" هذا المبرر الذي ارتكبت تحته أفظع جرائم الحرب وضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني ودول عربية ورغم ذلك بقيت المنظومة الصهيونية الخادمة للدولة الاستعمارية العميقة - حسب دعايتها الممنهجة- واحة الديمقراطية الفريدة ونموذجا لحقوق الإنسان في منطقة تقصدت الإدارة الأميركية وحكومات المنظومة إغراقها بجماعات التطرف والإرهاب الديني، لإثبات صحة مقولة النموذج المتفرد.
المسؤولون في البيت الأبيض مركز قرار الدولة الاستعمارية رقم واحد التي قررت وعملت بكل إمكانياتها المادية وعبر الضغط على دول العالم وابتزازها، على إنشاء منظومة الاحتلال والاستيطان (إسرائيل) وسوقتها باعتبارها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط لا يحسدون على حرج بالغ سببه كبير موظفيهم رئيس حكومة قاعدتهم العسكرية المتقدمة في الشرق الوسط (بنيامين نتنياهو) الذي بانقلابه على سلطة المنظومة القضائية عبر تمرير قانون التعديلات القضائية في الكنيست مساء أمس، فقد أطاح ما يسمونه في البيت الأبيض ولدى الأغلبية في الكونغرس مقولة القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان المشتركة بين واشنطن وتل أبيب، رغم قناعتهم – كما نقدر – بأنها مجرد دعاية وغطاء لتمرير الإسناد اللامحدود للمشروع الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني العنصري بوجهيه السياسي والقانوني الداخلي ولدى المحافل الدولية والأممية، والمادي العسكري والمالي، المتزامن مع ضغوط بأشكال مختلفة على أنظمة عربية ودفعها للتطبيع بدون ثمن أو مقابل لصالح الحق الفلسطيني، وكأننا نسمع صدى تساؤل الرئيس الأميركي جو بايدن وصدى تساؤلات أصوات أعضاء الكونغرس الذين وقفوا أكثر من ثلاثين مرة يصفقون لرئيس المنظومة إسحاق هيرتسوغ قبل بضعة أيام فقط أثناء إلقاء خطابه تحت قبته: أين سنواري وجوهنا من الفضيحة التي تسببتم بها لنا، لماذا أسقطتم قناعا ألصقناه على وجوهكم منذ ثلاثة أرباع القرن ؟!، ألا تعلمون أنكم بفعلتكم هذه قد غدرتم بنا، وأضعتم جهودنا لإقناع دول كثيرة في العالم ترى حقيقتكم التي اشتغلنا بجد على إخفائها بعمليات تجميل لعقود إثر أجيال ؟ ! فأنتم بإقرار قانونكم قد ضربتم عرض الحائط بنصائحنا، وانتقلتم إلى ذات خانة الدول التي نصنفها بالدكتاتورية !! فكيف لا تعلمون أن حجتنا على تلك الدول أن سلطة القضاء فيها شكلية، مجردة من الصلاحيات الفعلية، وخاضعة لرغبات السلطة التنفيذية، كنا نعتقد أنكم على درجة من الذكاء تمكنكم من مراعاة مصالحنا، وتمرير مصالحكم، ولا ندري الآن كيف سنصحح ونرمم صورتكم التي شوهتموها بأيديكم، رغم حرصنا الشديد، ونصائحنا المكثفة ؟!.رغم قناعتنا أنكم عدتم إلى صهيونيتكم الدينية الحقيقية، بعد خلعكم عباءة الصهيونية السياسية التي فصلناها لكم من أحسن خيوط النسيج الدعائي والإعلامي والثقافي بما فيه التاريخي والديني حتى !.
mat