أبرز مشاريع التسوية
نشر بتاريخ: 2023-07-26 الساعة: 07:53
عبد الغني سلامة
استكمالاً لقراءة كتاب علي الجرباوي «من الطرد إلى الحكم الذاتي»، نستعرض هنا أبرز مشاريع التسوية، من المنظار الإسرائيلي والدولي والفلسطيني.
دولياً: صدر عن مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة العديد من القرارات المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني، أبرزها قرارا 242، و338، كما طرحت عشرات المبادرات السياسية، من مشروع آيزنهاور، إلى تفاهمات فانس وغروميكو، إلى مبادرة روجرز، ثم مؤتمر السلام الدولي في أعقاب حرب أكتوبر 1973، وغيرها التي كانت تستثني الفلسطينيين، وتتجاوز حقوقهم الوطنية، ولا تعترف بوجود منظمة التحرير.
بعد الخروج الفلسطيني من بيروت، طرح الرئيس الأميركي ريغان مشروعه، والذي بجوهره يهدف إلى تحريك العملية السياسية دون منظمة التحرير، وإيجاد قيادات بديلة من خلال البلديات، تحت مظلة أردنية، وقد تنبه ياسر عرفات لهذا المسعى، فالتف باستدارة كاملة تجاه الأردن، وبعد مشاورات أردنية فلسطينية تم عقد «اتفاق عمّان» سنة 1985، وهذا الاتفاق تضمن الديباجة العربية والفلسطينية المعروفة (انسحاب إسرائيل، دولة فلسطينية، العاصمة القدس، حق العودة..) لكن الجديد في الاتفاق تنازل المنظمة عن وحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني، من خلال قبولها المشاركة في وفد أردني فلسطيني مشترك، وتحوّل الموقف من القبول بدولة فلسطينية على حدود 1967 وحق تقرير المصير إلى إقامة اتحاد كونفدرالي مع الأردن.
أراد الملك حسين الدفع بعملية السلام بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي على قاعدة القرارين 242، و338، لكن أميركا اشترطت عدم مشاركة منظمة التحرير.. والمهم أن الاتفاق لم يصمد سوى عام واحد، لتتدهور العلاقات الأردنية الفلسطينية بعدها، وصولاً إلى طرد قيادات المنظمة من عمّان.
ويوضح الجرباوي أن بيريس أراد الاستفادة من القطيعة بين الأردن والمنظمة وإجراء مفاوضات مباشرة وعلنية مع الأردن تنتهي بحل وظيفي مركب يكون للأردن دور أساسي فيه، لكن عودة شامير للحكم قطعت عليه الطريق، وبعد ذلك بعام (نيسان 1987) عقد بيريس مع الملك حسين اجتماعاً ثنائياً في بريطانيا، نجم عنه ما عُرف حينها بـ»اتفاقية لندن»، والمتضمنة عقد مؤتمر دولي للسلام من دون المنظمة، و»التقاسم الوظيفي» بين إسرائيل والأردن، بحيث تنسحب إسرائيل من أجزاء من الضفة الغربية وتسلمها للأردن مع احتفاظ إسرائيل بالجانب الأمني.. لكن شامير رفض الاتفاق.
أما أبرز تسوية مطروحة اليوم، ومقبولة «إعلامياً» من قبل أميركا والمجتمع الدولي، فهي «حل الدولتين»، وهي بحسب الجرباوي غير ممكنة لأسباب أربعة متضافرة: أولها رفض إسرائيل العقائدي والإستراتيجي إقامة دولة فلسطينية، لأن ذلك من وجهة نظرها يعني بداية نهاية المشروع الصهيوني، وثانيها، أن إسرائيل لم تقف عند حدود عدم الموافقة، بل أتبعتها بسلسلة إجراءات على الأرض تحول دون قيامها، مثل ضم القدس، والتوسع الاستيطاني، وتمزيق أوصال الدولة، وهضم واحتواء الاقتصاد الفلسطيني. وثالثاً، لأن ميزان القوى مختل بالكامل لصالح إسرائيل، ليس عسكرياً فحسب، بل وعلى كافة الصعد، مضافاً إليه دعم المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا، فضلاً عن تقصير وتخاذل الدول العربية، وأحياناً مشاركتها في المؤامرة. ورابعاً: لأن مخرجات أوسلو أوجدت وضعية فلسطينية كانت في بداياتها من الممكن أن تفضي إلى الدولة والاستقلال، ولكنها بمرور الوقت تحولت إلى وضعية مريحة للقيادة والنخب، وتكونت شبكة من العلاقات والمصالح، ما جعل تأبيد السلطة في إطار الحكم الذاتي ممكناً، بل وكأنه الخيار الوحيد.
أما عن حل الدولة الواحدة فيقول الجرباوي: إنه جاء كرد فعل على فشل حل الدولتين، ومع أنه منطقي وصحيح، إلا أنه أكثر صعوبة من حل الدولتين، فإسرائيل التي لم تقبل التخلي عن خُمس مساحة فلسطين، لن تتخلى عنها كلها، فالمشروع الصهيوني في أساسه مشروع انغلاقي عنصري لا يقبل شريكاً، وهو قائم على الإحلال، وأيّ تنازل بهذا الشأن يعني تقويض أسس الصهيونية وتهاوي كل الدعاية السياسية والأيديولوجية والإعلامية التي قامت عليها إسرائيل.
كما أن تفعيل حل الدولة الواحدة يتطلب بالضرورة حل السلطة كلياً، وأن تعود إسرائيل للسيطرة المباشرة على الفلسطينيين وتتحمّل مسؤولياتها، وليس في ذلك أي ضمانة، فحلّ السلطة لا يعني بالضرورة تحمل إسرائيل تبعات الاحتلال، بل إنها ستعمد إلى إغراق البلد بالفوضى، والصراعات الداخلية، وستجلب بدلاً من السلطة القوى العشائرية والمخاتير وروابط القرى.. أو «حماس» التي تتعطش للسلطة، وليس في برنامجها ما هو أكثر من حكم ذاتي لغزة أو لأي منطقة تخليها إسرائيل في الضفة، وبسقف سياسي أدنى بكثير من السقف الذي تتمسك به السلطة حتى الآن.
عربياً: كان مشروع المملكة المتحدة الذي طرحه الملك حسين 1972 أول مشروع عربي للتسوية، لكنه ولد ميتاً، فقد رفضه الفلسطينيون، ورفضته إسرائيل.. ثم مشروع الملك فهد، والذي تطور إلى مقررات مؤتمر فاس، ثم مبادرة السلام العربية والتي أقرت في مؤتمر القمة العربية في بيروت العام 2002.
أما الاتفاقيات الثنائية بين الدول العربية وإسرائيل، فكان أولها معاهدة السلام المصرية، التي لم تجلب السلام للمنطقة، ولا الازدهار لمصر، ولم تلبِّ الشروط الفلسطينية.. ثم معاهدة وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، والتي كان مكسب الأردن فيها الاعتراف بولايته على الأماكن المقدسة، مقابل تأمين الحدود الشرقية.. ثم ظهرت موجة التطبيع العربي بدءاً من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.. والتي اعتبرها الفلسطينيون طعنة في الظهر.
منذ تفجر الصراع على الأرض الفلسطينية صدرت عشرات القرارات من المنظمة الدولية، ونُظمت العديد من المؤتمرات، وظهر للوجود ما لا يحصى من المبادرات الإقليمية والدولية.. كما سعت إسرائيل بكل قوتها إلى فرض رؤيتها للحل، وحاولت أميركا كذلك عبر تاريخها الطويل من الانحياز الأعمى، والذي بلغ ذروته في «صفقة القرن»، وتآمرت بعض الدول العربية لتمرير تسويات هزيلة ومجحفة.. أو لفرض وصايتها على الفلسطينيين، واحتوائهم، ومصادرة قرارهم الوطني.
ومع كل ذلك، ورغم ضعف الفلسطينيين، فقد أفشلوا كل تلك التسويات، ورفضوا كل الصفقات التي أرادت طمس وجودهم، وتجاوز حقوقهم الوطنية.. رفضوها بالدم والتضحيات، وظلت القضية الفلسطينية شعلة متقدة، وصارت أيقونة للتحرر، ورمزاً للحرية والانعتاق من الظلم، ورفض الاحتلال والعنصرية.. وما زال الدرب أمامهم طويلاً وشاقاً.