فلسطين عبر التاريخ محطات وطنية العدوان على لبنان( 1982) (أطلقت عليه إسرائيل “سلامة الجليل”)
نشر بتاريخ: 2023-07-16 الساعة: 10:12اعلام فتح / عدوان لبنان 1982 ويسمى أيضا بـ"حرب لبنان" أو ما أطلقت عليه إسرائيل اسم ”عملية سلامة الجليل" و"عملية الصنوبر".
كان هذا العدوان حربًا عصفت بلبنان، وأصبحت الأراضي اللبنانية مرة أخرى ساحة قتال بين منظمة التحرير الفلسطينية وسوريا وإسرائيل.
زجت إسرائيل إلى لبنان ضعف عدد القوات التي واجهت بها مصر وسوريا في حرب أكتوبر، بالرغم من أن العدوان الإسرائيلي الذي بدأ يوم 6 حزيران 1982 لم يكن أمرًا غير متوقعا؛ ولكن شدة المعارك والفترة الزمنية التي استغرقتها لم تكن في حسبان أي من الأطراف المتنازعة. وكان الغزو اختبارًا عصيبًا للمؤسسات السياسية والحكومية المنهكة في لبنان.
بداية عام 1982 كانت بداية كالسنوات التي سبقتها منذ عام 1975؛ فلم تكن هناك في الأفق بوادر نهاية قريبة للحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت قبل 6 أعوام؛ وكان هناك صراع مستمر بين كتلة اليسار اللبناني المسلم والمقاتلين الفلسطينيين ومنظمة التحرير الفلسطينية والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة- واللبنانيين المسيحيين وحزب الكتائب اللبنانية وإسرائيل من جهة أخرى، واستمرت خلال النصف الأول من عام 1982 صراعات عنيفة بين هذه الأطراف.
أحداث سبقت العدوان:
سبق غزو لبنان 1982 تصاعد للقلق الإسرائيلي من تجمع قوات منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان منذ وقف إطلاق النار الذي تم إبرامه في تموز 1981 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بوساطة المبعوث الأمريكي فيليب حبيب؛ واعتبرت إسرائيل تجمع أعضاء منظمة التحرير في الجنوب اللبناني تهديداً لأمن حدودها الشمالية.
وفي 21 نيسان1982 قصف سلاح الجو الإسرائيلي موقعًا لمنظمة التحرير في جنوب لبنان، وفي 9 أيار/مايو 1982 قصفت منظمة التحرير الفلسطينية بالصواريخ شمال إسرائيل؛ ردًّا على ذلك؛ وتلا هذا القصف المتبادل محاولة لاغتيال سفير إسرائيل في بريطانيا (شلومو آرجوف) في 3 حزيران 1982؛ فقامت إسرائيل، بقصف منشآت ومواقع تابعة لمنظمة التحرير في قلب بيروت. ومن الجدير بالذكر أن منفذي محاولة اغتيال شلومو أرجوف كانوا من جماعة أبو نضال المناهضة لياسر عرفات، والتي كانت تعرف باسم "فتح-المجلس الثوري" (توفي شلومو أرغوف عام 2003).
في اليوم التالي لمحاولة الاغتيال والقصف الإسرائيلي لبيروت؛ قامت منظمة التحرير بقصف شمال إسرائيل مرة أخرى؛ وقتل في هذا القصف إسرائيلي واحد.
في 5 - 6 حزيران 1982 بدأت إسرائيل حملة قصف جوي ومدفعي كثيف على صيدا والنبطية والدامور وتبنين وعرنون وقلعة شقيف؛ ودخل الجيش الإسرائيلي الأراضي اللبنانية في 6 حزيران 1982 مجتازًا المواقع التي كان يشغلها 7000 جندي تابعين لقوات الأمم المتحدة بكل سهولة.
الأهداف والدعم الأمريكي
قدم رونالد ريغان (الرئيس الأمريكي وقتها) الغطاء لإسرائيل في هجومها؛ حيث أعطى لإسرائيل الضوء الأخضر لتدمير منظمة التحرير، وأكدت إسرائيل للأمريكيين أنها ستدخل لبنان لمسافة لا تتجاوز 30 كيلومترا لتحقيق أمنها والدفاع عن نفسها. وكان ريغان لا يمانع في القيام بعملية سريعة تكون بمثابة درس قوي لمنظمة التحرير الفلسطينية ولسوريا حليفة الاتحاد السوفيتي الشيوعية؛ حيث صرح دافيد كمحي بأنه لم يكن لدى واشنطن مقاومة قوية لخطط أرئيل شارون، وأن الولايات المتحدة لم تستطع منع إسرائيل من الهجوم. وفي مقالة في واشنطن بوست مع شارون قال هيج: إننا نفهم أهدافكم، ولا نستطيع أن نقول لكم لا تدافعوا عن مصالحكم. وقام وزير الخارجية الأمريكي (الجنرال الكسندر هيغ) بإخبار شارون عن الحاجة إلى استفزاز واضح كذريعة للعدوان يعترف بها العالم؛ بهدف شنّ الهجوم. ويرى البعض أن عملية أبو نضال في محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن جاءت في اللحظة المناسبة تماما بصورة غريبة، وشكلت ذريعة إسرائيلية للهجوم على المقاومة في لبنان.
قاد العمليات الإسرائيلية أرئيل شارون (وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت) في الحكومة التي رأسها مناحيم بيغين، وأعلن وقتها أن السبب هو دفع منظمة التحرير الفلسطينية وصواريخ الكاتيوشا إلى مسافة 40 كيلومترًا عن حدود إسرائيل.
تعدلت الأهداف لاحقًا؛ حيث أعلن الناطق الرسمي للحكومة الإسرائيلية (آفي بارنز) أن أهداف إسرائيل هي:
• إجلاء كل القوات الغريبة عن لبنان، ومن ضمنها الجيش السوري.
• تدمير منظمة التحرير الفلسطينية.
• مساعدة القوات اللبنانية على السيطرة على بيروت، وتنصيبها كحكومة لبنانية تملك سلطة وسيادة على كامل التراب اللبناني.
• توقيع اتفاقية سلام مع الحكومة اللبنانية؛ لضمان أمن المستوطنات الإسرائيلية الشمالية.
المقاتلون الفلسطينيون:
كان معظم المقاتلين الفلسطينيين مسلحين تسليحا خفيفًا؛ ما جعلهم يستعملون أسلوب المقاومة وحرب العصابات.
بيروت المحاصرة
تفاجأ ياسر عرفات بوصول برقية من الجنوب تنبئ بأن القوات الإسرائيلية تعدت صور شمالا؛ وبسرعة جورج حاوي نقل عن عرفات قوله: ده مش ممكن، لا، مستحيل، واتصل مع الحاج إسماعيل ليستفهم منه عن الأوضاع؛ إلا أن الحاج إسماعيل كان منشغلاً بإخراج القوات من صيدا بسبب محاصرة الإسرائيليين لها.
تفاجأ الجميع بحجم الاجتياح، بالرغم من أن بشير الجميل كان قد أكد في أكثر من مرة أن القوات الإسرائيلية قادمة.( يعزى ذلك التوقع في تفاجأ أبو عمار ، إلى خطاب ريغان الذي أكد أن الاجتياح سيكون محدودًا بثلاثين كيلومترًا.)
تشكل في 14 يونيو 1982 ما عرف باسم "القيادة المشتركة للقوات الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية" أو "هيئة الإنقاذ الوطني في بيروت" بدعوة من الرئيس اللبناني (الياس سركيس) ضمت زعماء الطوائف الرئيسية في لبنان وكتيبتين سوريتين استمرتا في القتال، على الرغم من توقيع سوريا اتفاقية الهدنة. وكان هدف هيئة الإنقاذ هو منع تفاقم أزمة المواجهة المسلحة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية؛ ولكن وبصورة تدريجية أصبحت هيئة الإنقاذ هذه عاجزة عن إنجاز أي نتيجة ملموسة؛ وبعد 9 أيام من تشكيلها انسحب وليد جنبلاط منها واصفا إياها "بهيئة دفن القتلى".
مع اقتراب نهاية فترة حكم الرئيس اللبناني الياس سركيس؛ تم تنظيم انتخابات رئاسية في بيروت، وقام البرلمان اللبناني في 23 أغسطس 1982 بانتخاب بشير الجميل رئيسًا بإجماع 57 صوتًا وامتناع 5 عن التصويت، وعدم اشتراك أغلبية الكتلة المسلمة في البرلمان الذي اعتبر الجميل حليفًا لإسرائيل؛ وقبل 9 أيام من تسلم الجميل مهامه الرئاسية وفي 14 سبتمبر 1982؛ تم اغتياله بقنبلة موقوتة؛ وبعد أسبوع وفي 21 سبتمبر 1982؛ انتخب البرلمان اللبناني شقيقه (أمين الجميل) رئيسًا الذي قام بتوجيه دعوة إلى زعيم الكتلة المسلمة ورئيس الوزراء شفيق الوزان (1925 - 1999) بالبقاء في منصبه كرئيس للوزراء؛ في محاولة من الجميل لتضييق الفجوة وتوحيد الصفوف. وعلى الصعيد الاقتصادي؛ انخفضت قيمة الليرة اللبنانية إلى مستويات متدنية، وظهرت بوادر عجز الحكومة اللبنانية في فرض الضرائب، ووصلت نسبة التضخم إلى مابين 20% و30%؛ وتم تدمير البنية التحتية في لبنان بشكل واسع النطاق.
وفي 13 يونيو قامت القوات الإسرائيلية ومليشيا بشير الجميل بمحاصرة بيروت، حتى 28 أغسطس. وطوال فترة الحصار؛ قامت القوات الإسرائيلية بقصف بيروت من البر باستعمال المدفعية ومن الجو والبحر؛ ما أدى إلى تسوية معظم المدينة بالأرض، وقتل أكثر من 30000 مدني لبناني، وإصابة أكثر من 40000 شخص، ونزوح أكثر من نصف مليون شخص عن بيروت؛ وفي فترة الست وسبعين يومًا استمرت إسرائيل بمنع المعونات الدولية والإنسانية عن بيروت. وصرحت إسرائيل أن مسؤولية الوفيات والدمار الذي أصاب البنية التحتية والخسائر البشرية هو استعمال منظمة التحرير الفلسطينية المدنيين كدروع بشرية، واستعمال منازل المدنيين كمعاقل للقتال؛ ما اضطرها (إسرائيل) مرغمة على القصف لتدمير البنية التحتية التي يمكن أن يستعملها المقاتلون (المخربون حسب تعبير إسرائيل).
استعملت إسرائيل في هجومها على بيروت أسلحة محرمة دوليًا، بدءًا من القنابل العنقودية والفسفورية، ومرورًا بالنابالم وألعاب الأطفال المفخخة، وانتهاء بقنابل بخار الوقود. وأعاد كل من رونالد ريغان وهنري كسنجر التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وتم منع جميع المبادرات التي قدمت لإيقاف القتال. وانتهى الحصار بمسح كامل لثلث بيروت من الخارطة.
الجيش اللبناني:
لم يتدخل في الصراع نهائيًا وبقي على الحياد.
الجيش السوري:
لم تدخل القوات السورية القتال إلى أن قام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف 14 بطارية للصواريخ من طراز سام 2، 3، 6 روسية الصنع، من أصل 19 بطارية كانت سوريا قد نصبتها في لبنان، ولحقت أضرار بأربع بطاريات أخرى؛ على أثر ذلك تم صدام في الجو بين ما يقارب 200 طائرة سورية، وما يقاربها من الإسرائيلية، وتم تدمير قرابة 40 طائرة سورية في يوم واحد؛ ما أمن السيطرة الجوية لإسرائيل بعد معركتين أرضيتين سريعتين، وقامت سوريا بتوقيع هدنة في يوم 11 يونيو معلنة توقفها عن القتال.
نتائج العدوان:
قدم رونالد ريغان ضماناً شخصياً للمقاتلين الفلسطينيين بالحفاظ على أمن عائلاتهم إذا ما غادروا إلى تونس، واضطرت إسرائيل إلى الموافقة على خروج المقاتلين تحت حماية دولية مكونة من 800 جندي مارينز أمريكي، و800 جندي فرنسي و400 جندي إيطالي. غادر 14,614 مقاتلًا فلسطينيًا بيروت إلى تونس تحت الحماية الدولية.
على الجانب الآخر قُتل في الفترة ما بين 5 يونيو 1982 وحتى 31 مايو 1985 1,216 جندي إسرائيلي. على الصعيد السياسي، أوفت إسرائيل بوعودها وبضغط أمريكي لبشير الجميل حيث أصبح رئيسًا للبنان إلا أنه في 14 سبتمبر تم اغتياله هو و25 من طاقمه بتفجير ضخم استهدف مقره.
تغيرت الخريطة السياسية اللبنانية بصورة جذرية بعد الغزو الإسرائيلي؛ فبالرغم من أن الميليشيات المسيحية اللبنانية لم تشترك فعليا في القتال إلى جانب الجيش الإسرائيلي؛ إلا أنها انتشرت وهيمنت على المناطق التي كانت تحت سيطرة إسرائيل، وخاصة في الجنوب اللبناني الذي هيمنت عليه حزب الكتائب اللبنانية.
وقامت إسرائيل أثناء الغزو بنزع سلاح المجموعات الدرزية التي كانت في صراع مسلح مع حزب الكتائب.
عمل حزب الكتائب اللبنانية بقيادة بشير الجميل جاهدا على نزع سلاح الفلسطينيين في سائر أنحاء لبنان.
تمكنت حركة فتح من أسر ستة جنود إسرائيليين، تمت مبادلتهم لاحقًا بخمسة آلاف معتقل لبناني وفلسطيني تم احتجازهم في معتقل أنصار في جنوب لبنان.
استناداً إلى أرقام وزارة الخارجية الأمريكية توزع مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية على الشكل التالي:
970 مقاتلًا إلى تونس.
261 مقاتلًا إلى الأردن.
136 مقاتلًا إلى العراق.
1، 93مقاتلًا إلى اليمن الجنوبية
841 مقاتلًا إلى اليمن الشمالية
448 مقاتلًا إلى السودان.
588 مقاتلًا إلى الجزائر.
3900 مقاتل إلى سوريا.
قمة فاس الثانية
في 6 سبتمبر 1982 عاد مجلس الجامعة العربية ليعقد قمته الخامسة عشر الطارئة في فاس، بعد أشهر من الاجتياح الإسرائيلي؛ وشاركت بالقمة 19 دولة عربية، بغياب كل من ليبيا ومصر؛ وتم إقرار مشروع السلام الذي تقدمت به السعودية باعتماد المبادئ التالية:
1. انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس العربية.
2. إزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد عام 1967.
3. ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
4. تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وممارسة حقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثله الشرعي والوحيد، وتعويض من لا يرغب في العودة.
5. تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة إنتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة، ولمدة لا تزيد على بضعة أشهر.
6. قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.
7. يضع مجلس الأمن الدولي ضمانات السلام بين جميع دول المنطقة بما فيها الدول الفلسطينية المستقلة.
8. يقوم مجلس الأمن الدولي بضمان تنفيذ تلك المبادئ".
mat