انتبهوا.. قوتكم وهم وهشاشة!
نشر بتاريخ: 2023-07-16 الساعة: 09:05
حسن حميد
يظن الظانون بأن كل شيء انتهى وثبت على ما هو عليه اليوم في البلاد الفلسطينية، وأن تفوق المحتل الإسرائيلي هو تفوق أبدي، وأن ظلموته الذي اعتمد على القوة، والتخويف، والتهديد والوعيد، وتعطيل الحياة وشلها، وإماتة الروح الإنسانية في سجونه ومعتقلاته، هو ظلموت أبدي أيضاً، وأن الإسناد الغربي لجدران هذا الاحتلال الإسرائيلي وسقوفه هو إسناد أبدي أيضاً، وأن اللامبالاة تجاه سفك دماء الفلسطينيين، وتهجيرهم وسرقة أراضيهم، ومحاصرتهم في قراهم ومدنهم ومخيماتهم وداخل بيوتهم.. كلها أبدية أيضاً، وأن المواجهة ما بين روايتين وسرديتين، واحدة للفلسطينيين أصحاب الأرض، وكتاب التاريخ من جهة، وثانية للإسرائيليين الذين لفقوا واخترعوا، وكذبوا، وتقولوا رواية أخرى، وسردية واهية الأركان من جهة ثانية هي مواجهة أبدية أيضاً، وأن الحال هي حال مراوحة بين تعب المحتل من سفك الدماء والبطش والمطاردة الدائمة وبين تعافي جروح الأجساد والنفوس للضحايا من الفلسطينيين، وقد غدا كل شيء في حياتهم ضحايا.. هي حال أبدية أيضاً!
مثل هذا الظن ليس سوى ظن لا مصداقية له، وأن الأيام تكذبه في كل ساعة، فالمحتل الباطش والقاتل ما عاد منتصراً ومتفوقاً طوال الوقت، وحال منازلة الفلسطينيين للمحتل ومواجهته تزداد فتوةً وعافيةً في كل يوم، ومن يؤمن بديمقراطية الزمن يراهن وبثقة على أن موازين العدالة بدأت تميل نحو الثوابت والحقائق لتبدي نورانية الحق بعد كل هذا الزيف والاستعلاء والتلفيق الذي دام مئة سنة وأزيد من التهويل والتجهيل والمساندة الغربية، التي لا توصيف لها سوى العماء!
أمران جليان الآن، يبدوان لكل من يملك عينين تريان، أولهما: أن الغرب، ومنذ سنوات، وبعد أن دخل الوعي بالمأساة الفلسطينية إلى كل بيت غربي، وكل مؤسسة غربية، بدأ يشعر بالندم لما اقترفته يداه بحق الشعب الفلسطيني، الذي بدأ حضوره فوق أرضه مع البدايات الأولى للعصور البشرية، والذي بنى وعمر فوق أرضه منذ الساعات الأولى لشروق الشمس، فإن ذكرت صفحات الحضارة ذُكر، وإن ذُكرت الأساطير الأولى كان صاحبها وكاتبها، وإن صدع الحديث عن الزراعة والصناعة والتجارة كان سيدها، وإن دار الحوار حول الآداب والفنون دار حوله، وسوف يظل الغرب رهينة الندم العميم لأنه تبنى محتلاً جلفاً تاريخه تاريخ بطش وسفك للدماء، وتاريخ قتل ومجازر ودمار وتشريد وسجون ومعتقلات، وتاريخ تقول واستعلاء، وكذب وتلفيق ليس على الناس وحدهم، بل على السماء!
والأمر الثاني الجلي أيضاً، هو عدم استسلام الفلسطينيين، وعدم الانحناء، وعدم الخوف من القوة الخارقية التي امتلكها المحتل الإسرائيلي، لأن اليقين بحقهم في أرضهم وتاريخهم وعمرانهم والعيش في وطنهم هو يقين لا تهزه قوة في الدنيا، ولا تمحوه الأحزان والمآسي والمناحات وإن تكاثرت مثل الفطر المسموم، بعد كل مجزرة ومقتلة يقترفهما المحتل الإسرائيلي.
كل هذا يحيل إلى تاريخ الاستعباد للبشر، والاستيلاء على حقوق الشعوب، وتاريخ المظالم التي طالت بأذياته كل جغرافيات الدنيا، ولكن هذا التاريخ محته نباهة الشعب ويقظته، وهذا التاريخ الأسود غدا عاراً على هؤلاء المحتلين الطغاة، الذي بات أحفادهم يخجلون منه، فمحوه من أدبياتهم لأن ما هو إنساني، وما هو قيمي، وما هو مشرف، التهمه الغياب، مثلما التهمه التوحش، وتبني قانون الغاب، أحفاد الإنكليز والفرنسيس والإسبان اليوم يتنكرون لما فعله أجدادهم ، وما اقترفوه من ممارسات دموية في الكثير من جهات الجغرافية البشرية.
كل صفحات التاريخ، كل مراياه، وكل معانيه تقول للمحتل الإسرائيلي: إنه زائل على الرغم من قوته الباطشة، لأن الغرب، كل الغرب، هزمته بشاعة ثقافة الاحتلال، وأفكارها، وقد كان يمتلك القوة الهائلة يوم هُزم في أمريكا اللاتينية، وفي جنوب أفريقيا، وفي الهند، وهو يهزم في هذه الأيام مع أنه يمتلك من القوة ما هو هائل ومروع.
بلى، على المحتل الإسرائيلي المتباهي بقوته أن يحدق طويلاً في مرآة الاحتلال متعددة الوجوه، وأقربها إليه مرآة حروب الفرنجة، كيما يتعظ ويدرك أن هزيمة الفلسطينيين المتجذرين في الحضارة والتاريخ والعمران مستحيلة، لأن هزيمة الأشجار ذات الجذور العظيمة مستحيلة .. وأكثر، وعليه أن يدرك ويعي أيضاً أن قوته وهم، وليست حقيقة، وأن أعماقه هشة وأكثر..لأنها تتفتت وتتلاشى في كل لحظة وآن!