جذوة (المَحرقة.. والمِحرقة) وشهادة الجنرالات الثلاثة!
نشر بتاريخ: 2023-06-27 الساعة: 05:16
- موفق مطر
حرق فعل ماض، يحرق فعل مضارع يفيد بالحاضر، محروق اسم مفعول، حارق اسم فاعل، أما مَحْرَقَة بفتح الميم -فهي حسب قواميس اللغة العربية اسم مكان من حرَقَ أي " مكان الإحراق أو الحرق، مثال "أقام النازيّ إبّان الحرب العالميَّة الثانية محارقَ لمعارضيه، أما مِحْرَقة- بكسر الميم– فهي اسم آلة من حرَقَ مثال: "فرن لحرق جثث الموتى.. أو رُكام من موادّ قابلة للاحتراق تُستعمل لحرق الجثث".
تقدم لنا القواميس أمثلة للتدليل على معاني الكلمات وتبسيط ايصالها الى وعي القارئ ، لكنها لا تقدم ابحاثا علمية كالتي نقرأها في الكتب، وتحديدا اذا كان مؤلفها يرى الأحداث ببصيرة انسانية خالصة، والغاية عنده الانتصار للحقيقة وللتاريخ ، ولعلنا نذكر هنا مقولة الدكتور الرئيس محمود عباس ابو مازن:"نحن لا نكتب التاريخ وإنما نكتب للتاريخ".
المحروق مواطن فلسطيني حي، حرق بالنار، أو اسير شهيد حرقت جثته بالتجميد، أو في مقابر الأرقام، ويبدو أننا نحن الشعب الفلسطيني مخطط لنا لأن نكون ضحايا المحرقتين- الأولى بفتح الميم، والأخرى بكسرها– أما الحارق فهو المستخدم، الموظف لدى الدولة الاستعمارية العميقة وامبراطورياتها المتتابعة،وأحدث وريث لهذه الوظيفة المنظمة الصهيونية التي حملت جذوة من (مَحرقة) النازية -التي كان ضحاياها ألمانا وأروبيين يهودا– لتشعل بها فلسطين الوطن الأزلي التاريخي للشعب الفلسطيني، وتحولها الى (مِحرقة)، ذلك أن المنظمة الصهيونية اعتبرت كل حي على ارض فلسطين بحكم الميت سلفا، لتمكين الوكالة اليهودية من تهجير اليهود من مواطنهم الأصلية، وإنشاء الاساسات البشرية لدويلة صديقة حليفة وقاعدة متقدمة للدول الاستعمارية حسب وثيقة كامبل 1905..أما (المَحرقة) النازية فكانت جزاء الألمان اليهود الذين رفضوا الخضوع والانصياع والهجرة الى فلسطين تحديدا حيث اعلنت الحكومة النازية تسهيلات،منها السماح لكل الماني يهودي يغادر الى فلسطين مباشرة بنقل كل ممتلكاته وأمواله، وذلك حسب اتفاق المنظمة الصهيونية مع الحكومة النازية آنذاك.
المَحرقة والمِحرقة جزء اصيل في تعاليم ومفاهيم وسلوكيات الصهيونية السياسية والدينية على حد سواء، لذا من الخطأ الفادح الذي يرتكبه البعض عن جهل أو عن قصد، اعتبار حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، بعناصرها الاجرامية الارهابية مبتدأ جرائم الحرق والإحراق والتحريق، فالمحرقة بالعلامتين تطبيق عملي لمعنى ونظرية رؤوس الصهيونية لإبادة، وتهجير الشعب الفلسطيني، وإرهابه بفظاعة المجازر والمذابح، وإفقاده موطنه الآمن عبر مسح مئات القرى عن الوجود (أكثر من 531 قرية)، وتهجير أكثر من 950 الف مواطن فلسطيني من مدنهم الحضارية وقراهم الآمنة العامرة فيما يعرف بالنكبة سنة 1948، فالإرهابيون قد يختلفون بالأسماء والانتماء العرقي، أو العقائدي كما يدعون (وهم مجرمون كاذبون)، لكن جذره عند الجميع واحد وهو سفك الدماء وتحريق البشر بقصد الإبادة، فالنار افظع الأسلحة وأشدها فتكا لتحقيق اهدافهم، أما جريمتا احراق بلدة ترمسعيا ومن قبلها بلدة حوارة، فلا تنسيانِنا أبدا سجل ارهاب المستوطنين القديم والحديث، فرائحة اجساد عائلة دوابشة في قرية دوما التابعة لمحافظة نابلس مازالت في الأجواء، بينما الطفل احمد دوابشة الناجي الوحيد بعد ارتقاء أرواح والده ووالدته وأخيه الرضيع 18 شهرا، مازال شاهدا على وجهيّ الارهاب (النازي- الصهيوني الديني) الذي يستكمل اهداف الصهيونية السياسية بعد تثبيت اركان دولة روجت الدول الاستعمارية أنها واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، أما الطفل المقدسي محمد ابو خضير فإن جوف كل فلسطيني وطني حي حر مازال يشعر بأهوال بشاعة الجريمة، فقد احرقه المستوطنون حيا بعد سكب البنزين عنوة في بطنه وإشعال النار في الفتى!! احراق آلاف الأطفال الفلسطينيين والعرب بصواريخ طائرات الاحتلال، وآلاف الأسرى من الجيوش العربية، فإننا كل يوم نقرأ عن وثائق رفعت عنها السرية تبين لنا أن ما حدث خلال الأيام الماضية على ارض وطننا فلسطين ليس جديدا، ولا غريبا، ولا مخالفا لأبسط تعاليم الارهاب الديني الذي استخدمته الصهيونية السياسية، وتطور اساليبه احزاب الصهيونية الدينية بحكم تموضعها على سدة الحكم لدى منظومة الاحتلال الفاشية الاستيطانية، أما بيانات رأس منظومة الجريمة والارهاب بنيامين نتنياهو حول تصريحات ومواقف الارهابي الأجير بنغفير، كذلك البيان المشترك لرئيس جهاز "الشاباك"، رونين بار، مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هاليفي، ومفوض الشرطة، كوبي شبتاي، واعتبارهم جرائم المستوطنين بحق المواطنين الفلسطينيين الأبرياء واعتبارها "إرهابا قوميا بكل معنى الكلمة" فقد كشفت عورة هذه المنظومة، وتجردها من القيم الأخلاقية –حتى لو ورد ذلك في بياناتهم، لأنهم عندما كتبوا:"نحن ملزمون بمكافحتها"ويقصدون ارهاب المستوطنين– فإنهم كانوا يخشون ضررا سيلحق حتما بما وصفوه في بيانهم:"الشرعية الدولية للأجهزة الأمنية الإسرائيلية في محاربة المقاتلين الفلسطينيين ويصرفها عن مهمتها الأساسية"،وكأن أعمال هؤلاء في نابلس وجنين، وتأمين الغطاء للمستوطنين لا تندرج تحت بند جرائم الحرب والإرهاب، اما سيد البيت الأبيض جو بايدن فلم يجد إلا العودة الى قرار ايقافالمنح المالية للأبحاث العلمية في المستوطنات التي كان سلفه ترامب قد اعادها للإرهابيين كما وصفهم قادة اجهزة امن منظومة الاحتلال انفسهم!! ويكشف التمييز بالحقوق، وواجبات الدولة وتحديدا القضاء الأميركي بين فلسطيني يحمل جنسية اميركية وأي مواطن اميركي آخر يحمل جنسية اسرائيلية، فالأول كما شهدنا في حالة الصحفية الشهيدة شيرين ابو عاقلة (جنسية اميركية) بلا حقوق ولا متابعة، فيما تنصب المحاكم الأميركية وتفرض عقوبات على مؤسسات فلسطينية ودفع غرامات بعشرات ملايين الدولارات لمستوطنين قتلوا في ارض فلسطينية محتلة، أي انهم كانوا في مخالفة صريحة للقانون الدولي، ورغم ذلك فإن اخوتنا في ترمسعيا ومنهم حملة الجنسية الأميركية، بإمكانهم مقاضاة مجرمي منظومة الاحتلال بجيشها ومستوطنيها في الولايات المتحدة ألأميركية، علاوة على رفع شكاوى قضائية فردية أو جمعية للجنائية الدولية، فالشهادات والبينات دامغة، وما فعله الجنرالات الثلاثة ينطبق عليهم قوله تعالى:"وشهد شاهد من أهلها".