تفشي الجريمة بين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر
نشر بتاريخ: 2023-06-08 الساعة: 03:34
باسم برهوم
لا يختلف اثنان حول مسؤولية الحكومة الإسرائيلية، بكل وزاراتها، وخاصة وزارة الأمن الداخلي، بخصوص ظاهرة تفشي العنف وجرائم القتل في المجتمع الفلسطيني داخل الخط الاخضر، كما لا يختلف اثنان على عدم وجود نية حقيقية لدى هذه الحكومة لوضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة. بل لدى الغالبية شعور ان هناك اوساطاً إسرائيلية متواطئة وتعمل بالسر ومن تحت الطاولة من اجل تغذية تفشي العنف وجرائم القتل في المجتمع العربي الفلسطيني، والهدف واضح وهو اشغال هذا المجتمع بمشاكله الداخلية وابقاؤه مجتمعا هامشيا مفككا تمزقه الخلافات على شتى أنواعها.
ولكن السؤال: هل نكتفي بترداد هذه المقولات، المحفوظة عن ظهر قلب، ام على المجتمع الفلسطيني في الداخل الوقوف بجدية امام هذه الظاهرة ووضع حلول للتخفيف منها قدر الامكان؟
ولعل الخطير بالأمر ان الظاهرة في تصاعد وازدياد الى درجة تكاد تصبح معها حالة مرضية متعصية الحل، ووفقا للأرقام يمكن ان نلمس حجم المأساة، فعلى سبيل المثال في العام 2017 بلغت جرائم القتل 72 جريمة ومن بين الضحايا 10 نساء، وفي العام 2018 بلغت الجرائم 76 جريمة بينهم 14 امرأة، اما العام 2019 فقد بلغ عدد جرائم القتل 93 بينهم 11 امرأة، وفي العام 2020 بلغ عدد الضحايا 100 بينهم 16 امرأة، وفي العام 2021 بلغ العدد 111 ضحية بينهم 16 امرأة، وأخيرا العام 2022 بلغ عدد الضحايا 109 بينهم 10 نساء.
ووفقا للأرقام أيضاً، ولإظهار تصاعد العنف والجريمة في المجتمعة الفلسطيني داخل الخط الاخضر، فبالمقارنة مع عام 2022 فقد بلغة نسبة الجريمة في الربع الاول من العام المذكور 21% في حين بلغت هذه النسبة 42% في الربع الاول من العام 2023. وحسب المعطيات الرسمية فإن جرائم القتل ارتفعت في عهد وزير الامن الداخلي الحالي بن غفير بشكل ملحوظ ما يؤكد ان هذه المشكلة لا تحتل اي اولوية لديه، ولاظهار مدى تقاعس الشرطة الإسرائيلية نلاحظ ان 83% من جرائم الوسط اليهودي يتم حل لغزها ويلقى القبض على المجرمين، في حين لا يتجاوز الرقم في الوسط العربي اصابع اليد الواحدة.
الحكومة الإسرائيلية التي ترى في الفلسطينيين داخل الاخضر "عدوا في الداخل" او في احسن الاحوال "طابورا خامسا" ليست معنية باي شكل في مواجهة هذه الظاهرة، بل العكس تشجعها بغرض التحضير لجولة قذرة أخرة من التطهير العرقي، فإسرائيل بالأساس لم تكن ترغب بوجودهم، وانهم بقوا شوكة في حلق الدولة العبرية وهم يمثلون اليوم خمس السكان ويعبرون عن الهوية الفلسطينية. ولان الوضع كذلك فإنه لا يجب ان ننتظر الحل من العدو، وربما تقع مسؤولية كبيرة هنا على قادة المجتمع الفلسطيني داخل الخط الاخضر سياسيين كانوا ام مثقفين واكاديمين وقادة المجتمع المدني، على كل هؤلاء وضع هذه المسألة على رأس سلم اولوياتهم، ومن اجل ذلك عليهم نبذ خلافاتهم، او بلغة ادق تنحيتها جانبا والتوحد من اجل التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة.
وقبل فوات الأوان، وحيث لا ينفع الندم، على زعماء المجتمع العربي العمل على جبهتين، الأولى وضع دراسة وتقيم للأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الظاهرة والخروج باستنتاجات لكيفية مواجهتها وبأي الوسائل. والثانية العمل مع الجانب اليهودي المتنور وتشكيل مجموعات ضغط وفي طليعتهم حزب ميرتس وغيرهم من اليساريين اليهود. ويمكن استنباط الحلول من اسباب المشكلة الفقر البطالة غياب التنمية وضعف البنى التحتية وسوء التعليم وانتشار الاسلحة وتسهيل انتشارها، والأهم من كل ذلك التهميش السياسي المتعمد.
فاي خطة يجب ان تمنح الميزانيات الكافية لتنمية المجتمع الفلسطيني في الداخل اقتصاديا واجتماعيا، الى جانب حملة توعية شاملة بخطورة هذه الظاهرة على الوجود الفلسطيني برمته. واذا لم تقم السلطات الرسمية بعملية جمع الأسلحة فيجب ان تبادر جهة عربية تتمتع بالمصداقية لجمع الأسلحة، ولكن الأهم هو اخراج هذا المجتمع من دائرة التهميش وإشراكه بالحياة السياسية بشكل حقيقي.
ولكن إسرائيل التي قررت منذ البداية احتكار حق ملكية البلاد والتعامل مع الفلسطينيين كسكان وليسوا مواطنين، واكملت دورة سياستها العنصرية هذه بإقرار قانون يهودية الدولة، والذي يحرم الشعب الفلسطيني من الحق في تقرير المصير ويحصر هذا الحق باليهود. كل هذه السياسات لا تدع مجالا للشك بان إسرائيل ماضية في تهميش المجتمع الفلسطيني في الداخل بدل ان يكون شريكا في القرار.
والآن وفي ظل حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، لا يبدو ان هناك اي امل في وجود نية رسمية لمواجهة الظاهرة، بل ربما ستقوم بتغذيتها بالتوازي مع خطة هذه الحكومة لتهويد الجليل وتكثيف الوجود اليهودي فيه تماما بالتوازي مع ما يجري في الضفة والقدس المحتلة. لذلك ما الذي ننتظره لنتحمل نحن المسؤولية ونبادر لنزع الشوك بأيدينا؟
mat