تونس.. الدولة والقرار المستقل في "معركة التحرر الوطني"
نشر بتاريخ: 2023-06-04 الساعة: 09:49
موفق مطر
الشعب الفلسطيني وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها وحتى اليوم برئاسة قائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية ورئيس الشعب الفلسطيني محمود عباس ابو مازن، دفع وما زال يدفع ثمن استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، فحركة التحرر الوطنية أو الدولة لا تكتمل اركانها إلا باستقلالية القرار الوطني بوجهيه السياسي والاقتصادي، والصمود في مواجهة الضغوط والإخضاع بقوة المال السياسي، فمعركتنا الوجودية ومعنا الأمة العربية مع المشروع الاستعماري الدولي الصهيوني، تحتاج إلى السلاح الأهم وهو استقلالية القرار الوطني لكل دولة عربية، ما سيؤدي بالنتيجة لنصرة الحق الفلسطيني حتما.
نرى في عمقنا الاستراتيجي العربي تحولات، لا بد من تسليط الضوء عليها لأهميتها، ونعتقد أن تجربة رئيس الشعب العربي التونسي قيس سعيد تستحق أن تكون نموذجا لمعنى تجسيد مقولة استقلالية القرار الوطني والحفاظ على سيادة البلاد، وتتبع كيفية تجسيد رؤيته التي افصح عنها بقوله :" أن المعركة هي معركة تحرير وطني من المنظومة الراسخة " ونقدر أنه قصد منظومة "الاخوان المسلمون" التي سيطرت على سلطات الدولة ومفاصلها الرئيسة، - تحت يافطة - ما يسمى- الربيع العربي واخضعوا مقدرات تونس وثرواتها لمشيئة دول أجنبية مقابل دعم في تثبيت اركان حكمهم، منظومة اهدرت موارد الدولة بلا رقيب او حساب!.
يعتقد البعض – وهذا خطأ جسيم - أن معركة التحرر من الاستعمار تنتهي بجلاء آخر جندي اجنبي من الجيش الاستعماري الذي كان يحتل البلاد، ولا يدرك هؤلاء أن حركة التحرر الوطني تدخل أهم المعارك المصيرية في اللحظة التالية لإعلان الاستقلال وتشكيل سلطة وطنية وحكومة من اهل البلاد ليس لتمثيل ارادة الشعب وحسب، بل لتحريرها من قيود مصالح شديدة المتانة احكمتها الدول الاستعمارية قبل انسحابها لضمان لاستمرار هيمنتها على البلاد من بدون جيوش احتلال مباشر، وتدفق المكاسب على حساب نمو الشعوب التي استعمرت اوطانها .
في العام 2021 أضفى رئيس تونس الشقيقة قيس سعيد على معنى معركة التحرر والتحرير الوطني بعد الاستقلال بعدا وعمقا واضحا، ومسلطا الضوء على " منظومة راسخة " وهي القوى السياسية المستخدمة للدين والشعارات الفارغة من مضامينها، التي حاولت كثيرا في فترة ما بعد الاستقلال عرقلة الرئيس الزعيم الحبيب بورقيبة في مسار بناء دولة كاملة الأركان، وهي ذاتها القوى التي سلمت مفاتيح الاستقلال الاقتصادي وحتى السياسي لدول كبرى وأخرى اقليمية لتعبث بمصير ومستقبل الشعب التونسي الشقيق، وبلقمة عيشه بعد تمكنها من سدة الحكم بعد أحداث جانفي 2011، فتونس التي كانت تعج اسواقها بالمنتجات المحلية، وكانت على وشك دخول شراكة اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، باتت تستورد المواد الغذائية الضرورية للمواطن، في سياق مؤامرة على الدولة بأركانها الثلاثة الشعب والأرض والقانون والنظام، دفع المواطن العادي – ذو الدخل المحدود - الثمن !.أما على الصعيد السياسي فقد بلغ الأمر أن شخصيات سياسية وصاحبة قرار تبوأت مواقع رسمية في البلاد طلبت تدخل دول كبرى في بلادها بحجة حماية ( الديمقراطية ) التي اكتشف الشعب التونسي انهم منها براء !
معركة التحرير الوطني كما قال الرئيس قيس سعيد - كما نقرأها بالبحث والتقصي والمتابعة - هدفها التحرر من قيود " منظومة أراد الشعب إسقاطها " لارتباطها الشخصي والمصلحي مع الأجنبي المستعمر تاريخيا وصاحب النفوذ الاقتصادي حاليا، في مسارها الأول، وفي المسار الآخر مواجهة مباشرة مع الدول الاستعمارية المهيمنة على قرار البنك الدولي، التي استغلت انتكاسة تونس الاقتصادية خلال حكم الاخوان المسلمين لعشر سنوات، لتذهب الى ابعد الحدود في فرض شروطها على تونس (الجمهورية الجديدة)، فكان لا بد من اعلاء مصالح الشعب التونسي لتفوق أي مصلحة أو اعتبار آخر، عندما أعلن الرئيس المنتخب مباشرة من الشعب وبنسبة تفوق 72% « أن الإملاءات التي ستأتي من الخارج، وستؤدي إلى مزيد من التفقير سنرفضها » وعند النظر الى شروط البنك الدولي سنكتشف خطته لنسف القاعدة الشعبية للرئيس قيس سعيد المؤيدة لإصلاحاته الدستورية وتثبيت اركان الدولة الوطنية، باعتبارها المستهدفة من الشروط الظالمة، حيث تمسك البنك الدولي " بضرورة الحد من الدعم الموجه للطاقة (المحروقات والكهرباء والغاز والمواد الغذائية الأساسية كالخبز والزيت النباتي والسكر" ما يعني اصطناع فوضى في الشارع وتعريض السلم الأهلي لخطر الانهيار، لتمكين المتضررين من الاصلاحات الدستورية للانقضاض واستعادة مواقعهم وإسقاط الدولة.. فجوهر البرنامج الإصلاحي لحكومة الرئيس سعيد " السيادة الوطنية والسلام الاجتماعي والعدالة " وحكومته "الموظفة " لتنفيذ البرنامج لا تقبل أي إملاءات، وستبقى الإصلاحات "تونسية تونسية بامتياز".
الرئيس التونسي سعيّد ليس مستعداً للمغامرة بالسِلْم الأهلي مقابل قرض صندوق النقد المشروط برفع الدعم وبيع مؤسسات عامة وخفض الأجور. رغم حاجة تونس لنحو 7.7 مليار دولار أميركي لسد العجز في ميزانيتها العامة في عام 2023، فرفض الشروط واقترح اول امس " إقرار ضريبة جديدة على من يستفيدون من الدعم بلا وجه حق " والمقصود الأثرياء والأغنياء وأصحاب الدخل العالي اللامحدود، كحل لإنقاذ البلاد من الخضوع لصندوق النقد الدولي، وبما يحقق" "التوازن أساس العدل وحفظ السلم الأهلي". وبذات الوقت بدأت قيادة تونس ببحث امكانية الانضمام لمجموعة البريكس التي تقودها الصين وروسيا، أي نحو نظام تكافؤ الفرص واحترام حقوق الدول، ما سيخلصها من هيمنة النظام الاقتصادي المالي العالمي الحالي، ومن سياسات واشنطن وعواصم اوروبية مؤثرة تعتمد التبعية والهيمنة والتسلط، وعدم التكافؤ والاعتداء على ثروات البلاد مع البلدان النامية العالم الثالث !.
نحن واثقون من انتصار تونس في معركة التحرير الوطني، لثقتنا بتجربتنا في فلسطين التي لم يخضع رئيسها أبو مازن لمشروع ترامب الاستعماري الجديد ولا للحصار المالي، ولا قرصنة منظومة الاحتلال الاسرائيلي لأموال الضرائب، فبقي على عهده مع الشعب والوفاء للشهداء والأسرى وبناء مؤسسات الدولة وترسيخ وجودها في خريطة القانون الدولي.
mat