يافا في روايات فلسطينية وعربية
نشر بتاريخ: 2023-06-04 الساعة: 09:49
عادل الأسطة
وأنا أكتب عن الفلسطيني في الرواية العربية توقفت أمام رواية إلياس خوري «كأنها نائمة» ٢٠٠٧ وكتبت تحت عنوان «مرايا يافا»، فقد أتت الرواية العائد زمنها الروائي إلى ما قبل ١٩٤٨وبعده بقليل على المدينة.
يكتب إلياس عن يافا في لحظة غروبها، فالمرأة البيروتية التي جاءت لتعيش في يافا رأت فيها غير ما رأته في بيروت «رائحة زهر الليمون ومشهد المنازل الفسيحة والخوف». ويافا مدينة العطر كما سماها الناس نمت على كتفها مدينة جديدة تسعى إلى ابتلاعها تدعى تل أبيب، يافا مدينة نساؤها قويات متسلطات يحب أهلها الحياة ولهذا ينفقون في كل عام شهرا في خيام روبين حيث يستعدون لاستقبال الخريف. «يا روبني يا طلقني» تخاطب المرأة زوجها.
عاد إلياس ليكتب عن يافا في الجزء الثاني من ثلاثيته «أولاد الغيتو» «نجمة البحر». أقام آدم في فترة من حياته «بتل أبيب - يافو (هكذا صار اسم فيحاء فلسطين بعد طرد سكانها منها وإلحاقها ببلدية تل أبيب)». وعندما يمارس آدم الحب في يافا مع صديقته دالية يمارسه على قمة الصخرة المدببة، ويشعر أنه يقف في المكان «الذي قيل إنه يحمل آثار قدمي آدم بعد هبوطه من الجنة.
«انظري إلى آثار الأقدمين. هبط آدم من الجنة العلوية فوجد نفسه في يافا». هكذا يؤسطر إلياس المدينة.
إن موسم روبين الذي أشار إليه تتكرر الكتابة عنه في روايات عديدة: في رواية وفاء أبو شميس ونوال حلاوة «الست زبيدة» وأفاضت الثانية في الكتابة عن مسقط رأسها وحي النزهة فيها والمواسم الشعبية وطفولتها. إن لروايتها عموما قيمة توثيقية أكبر بكثير من قيمتها الأدبية.
يسترجع رشاد أبو شاور في «وداعا يا زكرين» ٢٠١٦ مشهد زيارة أبيه وأمه يافا قبل ١٩٤٨، يوم كان طفلا، لمعالجته هناك. يافا كانت مركزا يؤمه أهل الريف للعلاج وكانت أيضا مركزا للنشاط السياسي، ففيها يلتقي محمود والد رشاد برفاق الحزب الشيوعي، وفي يافا يتعرف على السينما ويشاهد الأفلام، وتروق المدينة لزوجته التي تدهشها بيوت الخليل قياسا لبيوت زكرين، فيعقب:
«- سترين بيوت يافا.. يافا عروس البحر... الله الله على يافا».
وتندهش زينب حين ترى نساء يافا وتفتحهن وتحررهن، وفي غرفة الفندق تقف على الشباك سارحة في منظر البحر، فتراه قطعة من الجنة، وتعرف سبب تردد محمود على يافا وتفضيله الحياة.
وتكتشف زينب بعد أن رأت يافا والناس الآتي:
«- محمود، إحنا مش عايشين».
عاطف أبو سيف الذي هجر أهله من يافا وولد في أحد مخيمات غزة عرف يافا من حكايات اللاجئين ولم يكتف بذلك، فقد زار أقاربه الباقين هناك وعاش بينهم فترة. كتب عاطف في غير رواية عن يافا؛ في «حياة معلقة» التي هي رواية مخيم بالدرجة الأولى، وكتب في «الحاجة كريستينا» وفي «الجنة المقفلة»، وقد أنجزها كلها بعد العام ٢٠١٥.
في صفحات عديدة من الأولى، نقرأ عن يافا المدينة التي صار أهلها يطلقون اسمها على مواليدهم من الإناث، وإحدى الشخصيات الرئيسة فيها اسمها يافا. تتمنى بعض شخصيات الرواية لو أنها عاشت في يافا ويظل اللاجئون يحلمون بالعودة إليها. برعت الجدة في سرد القصص عن «مدينة ناهضة تشهد تطورا وإعمارا وازدهارا وتجارة واعدة» وفجأة صار أهلها لاجئين.
تحضر يافا أكثر وأكثر في «الحاجة كريستينا» ففضة/ كريستينا ولدت في يافا في ١٩٣٦، وذهبت إلى لندن للعلاج ولما حدثت النكبة لم تعد. استقرت هناك حتى توفي صديق والدها الإنجليزي الذي تبناها، ولما مات تخلت أختاه عنها فعادت إلى غزة.
نقرأ في الرواية فصلا عنوانه «الحياة في يافا» وفيه استفاضة عن الحياة هناك؛ عن الصحف والمقاهي والشوارع وجمال الحياة. «في يافا تبدو الحياة أحلى وألذ مما يمكن وصفه»، ومع أن قسما من أهلها أقاموا في غزة على شاطئ البحر إلا أنهم ظلوا يقولون «هادا بحر وبحر يافا بحر».
في «الجنة المقفلة» تحت عنوان «الأب» يروي السارد عن علاقة الزوجين في يافا في فترة خطوبتهما: البيت في حي النزهة والتمشي في شوارع المدينة والذهاب إلى السينما والأفلام التي شاهداها. كانت الحياة مضيئة أما الآن في المخيم وبعد موت الزوج «لم يعد من تجلس معه لتتذكر تلك الأماسي في السينما في يافا ولا من تغني له أغنيات عبد الوهاب ولا ليلى مراد». يافا هي الجنة وفقدانها هو فقدان الفردوس.
تحضر يافا في رواية إبراهيم السعافين «ظلال القطمون» ٢٠٢٠، ولكنها تكتب عن يافا في زمن غروب مجدها واحتلالها وسقوط أحيائها وضياعها وتشرد أهلها. تأتي الرواية على زمن يافا العامر حيث الصحافة والمدارس والسينما والازدهار التجاري. إنها في ذلك لا تختلف عن مجمل الأعمال السابقة من قصة «دروب جميلة» ٢٠٠٧ حتى «بدلة إنكليزية وبقرة يهودية» ٢٠٢٠، واللافت أن هذه الأعمال معظمها لم تصف المدينة في ٥٠ و٦٠ و٧٠ و٨٠ القرن ٢٠، وهنا يأتي السؤال:
- ماذا لو هيئ ليافا كاتب روائي من أبنائها ممن بقي في النصف الثاني من القرن٢٠ مقيما فيها؟
من المؤكد أن صورتها في هذه السنوات ستكون مختلفة تماما عن صورتها قبل العام ١٩٤٨؛ الصورة التي ظهرت في الروايات التي أشرت إليها.
الموضوع ما زال بحاجة إلى مساءلة!!