الرئيسة/  مقالات وتحليلات

القدس وسياسة الإستيطان و 278 نكبة

نشر بتاريخ: 2023-05-22 الساعة: 16:08

 

عماد عفيف الخطيب


تبين أحدث إحصائية إسرائيلية حول "سكان" مدينة القدس أن اليهود يشكلون 61% بينما يشكل الفلسطينيون 39%، وأن نسبة الزيادة لدى الفلسطينيين تتجاوز 3% بينما تتجاوز نسبة الزيادة لدي "المتدينين" من اليهود 4%. يولي الكيان الإسرائيلي التفوق الديموغرافي أولوية قصوى تنعكس في سياساته التي تهدف لضمان سيطرته على الأرض الفلسطينية. 

فبعد "نكسة" العام 1967 عرض يغال آلون مقترحه (خطة آلون) للسيطرة الإسرائيلية على أكثر من ثلثي أراضي الضفة الغربية من خلال إنشاء "مستوطنات" و "منشآت عسكرية" في مناطق محددة بالضفة الغربية وحول القدس وعلى طول الخط الأخضر تضمن حقائق ديمغرافية يهودية إذا ما تمت أية تسوية سياسية مع الأردن. ومع أن الحكومة الإسرائيلية عارضت الخطة حينها، إلا أن ما تبين لاحقاً هو تبنيها لسياسة الإستيطان التي توسعت وأخذت أبعاداً أمنية وسياسية وأيديولوجية.


في الفترة 1967 – 1977 قامت حكومات حزب العمل الإسرائيلية بإنشاء 32 مستوطنة في غور الأردن وحول مدينة القدس حتى وصل عدد المستوطنين أربعة الاف. وخلال حكم حزب الليكود (1977 – 1984) بادر فوراً بتبني خطة أرئيل شارون الهادفة لتوسيع الإستيطان في كافة المناطق المفتوحة بالضفة الغربية لتطويق التجمعات الفلسطينية وفصلها عن منطقة "المثلث". وخلال نفس الفترة تسارعت وتيرة الإستيطان بعد تبني "المنظمة الصهيونية العالمية" والحكومة الأسرائيلية في العام 1979 خطة دروبلس لتعزيز الإستيطان على كامل أراضي الضفة الغربية والقدس وإنشاء بنيته التحتية بشكل يمنع إنشاء تواصل وتكامل بين التجمعات الفلسطينية يمكن أن يؤسس مستقبلاً كياناً سياسياً مترابطاً. ومع نهاية حكم الليكود في العام 1984 تضاعفت أعداد المستوطنين عشر مرات مقارنة بأعدادهم في العام 1977. وحتى لاحقاً في الفترة 1984 – 1992 مع تشكيل حكومة وفاق بين حزبي العمل والليكود، تسارعت وتيرة الإستيطان وزادت أعدادهم بنحو 65%كما بقيت تزداد خلال فترة حكومة إسحق رابين (1992-1995) بنسبة سنوية بلغت 8%، على الرغم من أن نفس هذه الفترة شهدت توقيع إتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وشهدت معها إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها.


تقترح العديد من الدراسات الخاصة بتطور سياسة الإستيطان الإسرائيلية حتى يومنا، أن ما أسس لتعزيز الإستيطان الإسرائيلي بعد العام 1993 هو ما أنتجته إتفاقية أوسلو من تقسيم لأراضي الضفة الغربية لثلاثة مناطق، مُنحت السلطة الوطنية الفلسطينية في منطقتين منها صلاحيات محدودة، بينما بقيت المنطقة الثالثة خارج سيطرة وصلاحيات السلطة الفلسطينية بالرغم من أنها تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية. واليوم، وبعد 30 عاماً مضت شاهداً على توقيع الإتفاقية، يتضح أن إسرائيل أطلقت العنان لتنفيذ سياستها الإستيطانية، دون وجه حق، لإنهاء أية آمال بإنشاء دولة فلسطينية.


تبين الإحصاءات أنه مع بداية العام 2022 بلغ عدد المستوطنات المقامة بالضفة الغربية 278 بين "مستوطنة" و "بؤرة إستيطانية" يسكنها 465،400 مستوطن، أي ثلاثة أضعاف عددهم في العام 1993. وتبين نفس الإحصاءات أن المستوطنين في الضفة الغربية يشكلون 14% من المجموع الكلي "للسكان"، علماً بأن وزير المالية الإسرائيلي الحالي تقدم بخطة الحكومة الحالية لدعم سياسة الأستيطان بمبلغ 175 مليار شاقل لتوسع المستوطنات وزيادة أعداد المستوطنين.


في هذا الشهر، ونحن نحي ذكرى "نكبة" العام 1948، تتجلى أمامنا أكثر من 278 "نكبة" هجّرت قسراً شعبنا أمام أعين المجتمع الدولي وشرعيته التي تثبت يومياً نفاقها وعجزها عن تعاملها مع مأساة شعب طال أمدها. وفي غياب الإستراتيجيات الوطنية والعربية، يبقى صمود وتضحيات الشعب الفلسطيني ما يعزز الأمل بزوال الكرب.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024