الرئيسة/  مقالات وتحليلات

خطاب زيلنسكي الوقح

نشر بتاريخ: 2023-05-21 الساعة: 15:31

 

 عمر حلمي الغول


من آداب السياسة والدبلوماسية في الزيارات المتبادلة بين ملوك ورؤساء وقادة الدول الاحترام القائم على الندية بينهم، وهو ما يستوجب على كل من الزعماء الوافدين والمستقبلين وفق المعايير البروتوكولية احترام مشاعر بعضهم البعض حتى لو من باب المجاملة، واللياقة والكياسة الدبلوماسية، لأن الزيارات المتبادلة تعتبر شكلا من أشكال جسور المودة لتقريب المسافات بين البلدين أو مجموعة البلدان المشاركة في حدث أو مؤتمر أو نشاط إقليمي أو دولي، بغض النظر عن الخلفيات. وإذا كان هناك استثناء فيعود لاحد الأسباب التالية، أولا عدم احترام الضيف للمضيف او المضيفين في عقر دارهم؛ ثانيا رئيس قطب دولي شاء ممارسة دور البلطجي والشرطي وفارض الخاوة على البلد المضيف؛ ثالثا لقاء رئيسي دولتين بعد صراع بينهما، وبالتالي اللقاء سيكون فاترا وجافا، وفيه ندوب الصراع واضحة، والأخير امر مفهوم ومنطقي.
بيد ان خطاب الرئيس الاوكراني فلادومير زيلنسكي اول امس الجمعة الموافق 19 أيار / مايو الحالي امام الدورة ال32 للقمة العربية في جدة السعودية كان خطابا وقحا، ولم يتسم باللباقة وآداب السياسة، وكشف عن عنصرية صهيونية فاجرة، وعدم احترام لقيادة المملكة العربية السعودية المضيفة للقمة، واستخفاف قيمي واخلاقي بمشاعر الملوك والرؤساء والامراء والشيوخ العرب المشاركين بالقمة، رغم انه جاء للقمة العربية لاستجداء العرب لدعمه في مواجهة روسيا الاتحادية، ولتأليبهم على صديقة العرب التاريخية، او لحرف بوصلة حياديتهم. لا سيما وان جامعة الدول العربية من بدايات الازمة الأوكرانية شكلت وفدا للإسهام بالتوسط بين روسيا وأوكرانيا، رغم معرفة اهل النظام العربي ان الصراع لا يقتصر على كلا البلدين الجارين، لانه صراع عالمي عميق الصلة بتشكل النظام العالمي الجديد، ويتجاوز حدود قدرات الجامعة والأنظمة العربية. 
وعود على بدء فيما يتعلق بخطاب الرئيس الممثل، رغم انه تحدث عن معاناة الشعب الاوكراني الناجم حسب وصفه عن الاحتلال الروسي، ورفضه لكل اشكال الاحتلال واضطهاد الشعوب، وحرمانهم من حرياتهم الفردية والجمعية، وانعكاس الصراع على نزوح مئات الالاف من اللاجئين عن ديارهم، كما وتحدث عن أهمية وضرورة تطبيق القانون الدولي، الا انه لم يتطرق لقضية العرب المركزية، قضية فلسطين ولو بكلمة عابرة، ولم ينطق اسم فلسطين مجرد ذكر، ولم يحاول ان يمسك العصا من الوسط لمجاملة العرب، على الأقل ويطالب بالالتزام بقرارات الشرعية الدولية، وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، او يطالب بوقف الانتهاكات الإسرائيلية أحادية الجانب، ووقف الممارسات المتناقضة مع مبادئ حقوق الانسان. 
لكنه تعامى عن سابق تصميم وإصرار في ذكر فلسطين. لانه صهيوني حتى النخاع، وجميعنا يتذكر عندما عاتب قيادة حكومة بنيت / لبيد بعد اشتعال نيران الازمة الأوكرانية في نهاية شباط / فبراير 2022، ولاحقا حكومة نتنياهو السادسة، وذكرهم انه يمثل "الامة اليهودية"، وعليهم واجب دعمه، لانه يمثل الصهيونية وأباطرة رأس المال المالي من العائلات اليهودية المتحكمة في دفة الحكومة العالمية، ولهذا عكس خطابه العنصري موقعه العقائدي والسياسي، ووقف بصلافة المجرم امام القمة العربية مطالبا بالدعم، دون ان يذكر قضيتهم المركزية، وهي القضية الاقدم والأخطر منذ 75 عاما، ولها عميق الصلة بالامن والسلم الدوليين، وليس في الإقليم فقط. لانها مرتبطة بإسرائيل لصيقة الصلة بالمعسكر الرأسمالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وبالتالي الصراع الدائر في الوطن العربي منذ مطلع القرن العشرين وحتى الان بمختلف تداعياته بدءا من فلسطين مرورا بالحروب المتعاقبة وتمزيق الدول العربية في العراق واليمن وسوريا ولبنان وليبيا والصومال والسودان والاحواز كلها منبثقة عن مخططات الدول الاستعمارية ومن خلفهم الاسر اليهودية الممسكة بقرون رأس المال المالي، لها عميق الصلة بوجود إسرائيل، لان هذا هو دورها الوظيفي الأساسي في العالم العربي. 
لذا كان زيلنسكي الممثل التافه والوقح في آن مجردا من الاخلاق والقيم الإنسانية، لانه صهيوني عنصري وتجاوز كل المعايير والقيم السياسية والدبلوماسية، وقفز بشكل فاجر عن القوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة بحل الصراعات بين الدول، وقفز بشكل متعمد عن حقوق وثوابت الشعب العربي الفلسطيني، وحقه في تقرير المصير. لانه أداة اسوة باقرانه الصهاينة في إسرائيل الاستعمارية بيد الولايات المتحدة، التي تصر على ايقاف عجلة التاريخ عند سيطرة امبراطوريتها على القرار العالمي. والموقف من زيلنسكي لا يمس العلاقة مع الشعب الاوكراني الصديق، واعتقد جازما انه براء من الرئيس خاطف السلطة وما يمثل من اهداف خطيرة ومدمرة لاوكرانيا. وقضية الشعب العربي الفلسطيني ليست بحاجة للرئيس الانقلابي الاوكراني، ولكنها بحاجة لدعم واسناد الشعب الاوكراني الصديق، وستقف القيادة الفلسطينية معه وتنادي بالسلام وانهاء الحرب وفقا للقوانين والشرائع الدولية، وبما يصون سلامة وحرية السلم والامن الإقليمي والدولي.
[email protected]


 

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024