لماذا لم تتغزل بالصواريخ؟!
نشر بتاريخ: 2023-05-17 الساعة: 09:55
توفيق أبو شومر
اعتذرتُ إلى مَن لامني في ذروة الحرب على غزة يوم 11-5-2023 لأنني لم أكتب مُعلَّقة غزل شعرية، أو مقطوعة أدبية مُحكمة في مدح صواريخ غزة! قال: ألم تُثرك أشرطةُ الفيديو وهي تنشر خوف ورعب الإسرائيليين من هذه الصواريخ؟! قال: كم تغنيتَ ببطولات غزة، فهي اليوم تُنتج من جراحاتها وآلامها مصانع للصواريخ والمسيّرات، وتتحدى بحصارها مُحاصرَها! لماذا صمتَ قلمُك؟ لا وقت للحياد والوقوف على مفترق الطرق، فالصمت خيانة وطنية، عليك أن تُؤلف من موسيقى صواريخ غزة سيمفونيات عالمية! أين قلمك مما يجري، لم يبقَ في العمر ما يُؤسف عليه؟!
رددتُ: أعتدتُ أن أتغنى ببطولات شعبنا، بحبهم للحياة والإنتاج، بصمودهم، وقوة إرادتهم، فأنا لم أطلب منك أن تناضل وفق مقياس نضالي الشخصي، فلماذا تطلب مني أن أُناضل وفق مقاييسك أنت؟!
ألا تذكر أنك ودعتَ غزة ذات حربٍ وقررتَ ان تكون تلك الحربُ آخر الحروب في حياتك وحياة أبنائك؟! هل نسيتَ كيف كنتُ تطلبني بالهاتف عدة مراتٍ في إحدى الحروب لتطمئن على تحقيق التهدئة لتتمكن من مغادرة غزة، قلتَ لي مراتٍ عديدة: «أصبح أملي أن يكون هذا آخر صاروخ نُطلقه المقاومةُ من غزة»!
سأظل أتذكرُ معاناتك في غربتك، وأنت تنتظر الإقامة الدائمة، ثم الجنسية، وما إن حصلت على الجنسية الأجنبية حتى أعلنتَ فرحتك بجنسيتك الجديدة، والتي شبهتَها بأنها فرحة العمر الأخيرة!
كثيرون كانوا يتمنون أن تكون لهم تجارةٌ ورصيدٌ كبير من النقود مثلَك تماماً، وأن يتحول راتبهم التقاعدي الكبير إلى عملة الدولار في بلدٍ يشهد ارتفاعاً في سعره كل يوم، وأن يُعلموا أبناءهم وأحفادهم كما تفعل، وأن يشتروا بيتاً يشبه قصور الأمراء، وأن يفخروا أمام أبناء وطنهم الفقراء مثل فخرك بأحفادك ممن تزوجوا أجنبيات وحصلوا على جنسيات زوجاتهم، وأصبح الدولار هو هُويتهم الوطنية!
أعلمُ ضائقتَك النفسية في بلاد الغربة، وأنكَ تظلُّ فردا مجهولا في غربتك مهما بلغت ثروتُك، تعيش على هامش الحياة كآلةٍ من الآلات، وتحيا غريباً يَنظر إليك محيطُك كأجنبي غريب، مع العلم أنك ستبقى مقيماً من الدرجة الثانية، مهما علا شأنُك وارتفع دخلُك المادي!
فأنت تودُّ أن تخرج من ضائقتك النفسية بأن تعود معنوياً إلى وطنك، تود أن تسبك من صمود غزة تاجاً على رأسك تزهو به، وأن تغزل من شرايينها عباءة للفخر والانتشاء!
لن أحرمك من أن تخرج من ضائقة الاغتراب على أكتاف غزة، لأن هذه العنقاء لا تشبه مدن العالم، فأكتاف العنقاء القوية هي من ألماس التجارب، ومن أفران صقل الأزمات، وهي قادرةٌ على أن تحتمل الدمار مراتٍ ومرات، غزة تتحول بسرعة البرق إلى شلال من الدم يبعث الحمية في نفوس العالم كله، دائما كنتُ أردد: «غزة هي الوحيدة التي تنجح في إجراء عملية قسطرة خاطفة، بلا مشارط أو أطباء تُزيل أماكن التجلط في الشرايين العربية والدولية، بواسطة روافد دم أطفالها ونسائها وشيوخها، هذه الروافد الدموية المتدفقة هي دوماً القادرة على إزالة أيَّ انسدادٍ في شرايين الحمية والعزة والكرامة».
لكنني في الوقتِ نفسه لن أسمح لك بأن تمتطي ظهري الشخصي المثقل بالألم والحصار، وأن تجعل من قلمي فلاشاً سريعاً في صفحاتك الرقمية لتهتف في شوارع غربتك: «أنا ابن العنقاء» ثم تعلق قصيدتي الشعرية المطلوبة على أستار بستان قصرك كميدالية، باعتبارها الدليل الوحيد لإخلاصك لمدينتك، العنقاء!
لذا فإنني أنصحك أن تكتبَ أنت قصيدة (اليتيمة) في مدح الصواريخ، لعلك تُخفف من ضائقتك، وتعيد الاعتبار لوطنيتك الصادقة!