إذا زلزلت الأرض زلزالها
نشر بتاريخ: 2023-03-21 الساعة: 01:49
بقلم: عيسى قراقع
هناك زلزال قادم ومختلف سوف يعصف بكل شيء، مؤشرات وشحنات كارثية تتحرك في كل الاتجاهات خارج التوقعات والحسابات والمعلومات الرصدية، انه زلزال الشعب الفلسطيني، سموه انتفاضة او بركان او ثورة او غضب اليائسين، لكنه زلزال بشري لا توقفه الاجتماعات الإقليمية والدولية، ولا كافة اللغات الدبلوماسية الهادئة او الخشنة، الزلزال اصبح واقعا وامام الجميع، وصل الى نقطة الصفر، الى حافة الهاوية، عندما يصبح كل الناس ظهورهم الى الحائط، مشبوحين او مقتولين او مصلوبين، وعندما تصبح القبور في مدينتي نابلس وجنين اكثر من عدد سكانها، وعندما يزج اكثر من نصف الشعب الفلسطيني في السجون والزنازين، انها الدلائل الموضوعية أن هذا الحمل الثقيل سينفجر، انه مخاض الزلزال الذي سيضرب ضربته الحاسمة.
أين ستذهب كل هذه الأرواح المزهوقة والجثث الكثيرة؟ 88 شهيدا منذ مطلع عام 2023 والأرقام تتغير مع كل فجر يطلع على جريمة واجتياح، مذابح جماعية، إبادة إنسانية تجري على قدم وساق، الليل والنهار يلتصقان لأول مرة في التاريخ، يلتحم النور والظلام في فلسطين، كارثة ممتدة من الأرض الى السماء، اعدامات ميدانية، اقتحامات وحرق ومصادرات وهدم واعتقالات، هل هذه هي حرب الاستقلال الإسرائيلية؟ القضاء على ما بقي من الفلسطينيين وأحلامهم، النكبة الثانية الأخطر سياسيا وقانونيا وجغرافيا وثقافيا وديمغرافيا، تحقيق ما فشلت به النكبة الأولى عام 1948، تطهير الأرض الفلسطينية من شعبها ومن الزمان والمكان، مليون مستوطن ومئات المستوطنات، التهويد والشطب والطمس والعربدة والهمجية التي تكتسح الأراضي الفلسطينية المحتلة دون حسيب او رقيب.
وعندما يسود الشياطين والمفسدين في الأراضي المباركة، أبلغوا الناس بالاستعداد، انه الزلزال الذي لن يرحم أحدا، الأرواح المهدورة تتغلغل في الجدران، تفتتها، تدمر الجدران السياسية والعسكرية والأمنية، سترون الجدران تنهار وتتحطم، جدران الصمت والانتظار، جدران المراهنات الخاسرة، جدران الخداع والتزييف واللغات المتوارية، زلزال فلسطيني يعيد تشكيل العقول والرؤى والأفكار والأطر السياسية، زلزال يدمر التكلس والجمود والمراوحة، زلزال يخرج الناس من علب التغليف وقوالب الوهم الى خارج السياج، لا مصالح في زمن الزلازل ولا مراكز للمنفعة والاستثمار، لقد انقلبت الطاولة، إما أن تكون فوق الموجات العالية، او في القيعان المظلمة.
زلزال فلسطيني أراه الآن، أيادي تخرج من تحت الركام، جماجم وأجساد وحجارة ومقاليع وغبار ومسامير واطارات وصراخ وغضب، اني اراه في كل ساحة وشارع وبيت، في الكنسية فوق الأجراس، وفي المساجد فوق المئذنة، أراه في المدارس وفي الجنازات وفي الملاعب وفي المقابر وفي الأناشيد، أراه في وجوه الأمهات الثكلى، وفي اوجاع المقتولين والمفجوعين الذي سرقت حياتهم بالرصاص وأنظمة الاستبداد والإرهاب، يفيق المغيبون والعائدون الى حياتهم الأولى، تفيق المخيمات والمطرودون من التاريخ والبراهين والذكريات، يفيق الشيخ والطفل والعكاز والحجر والطير والنبات والهواء، يفيق البحر والساحل والجبل والمطر والقيظ والعاصفة.
زلزال فلسطيني اراه الآن في السجون والزنازين، اضراب وعصيان وثورة وارباك نهاري وليلي في شهر رمضان المبارك، ملحمة إنسانية ضد الحديد والظلام والنسيان، الأسرى في مواجهة الصهيونية الدينية الفاشية، زلزال ضد هذا الشيطان الذي يسمى بن غفير وحكومته المتطرفة، انه زلزال الحرية، الاسرى جزء من حق تقرير المصير، زلزال الشرعية الوطنية النضالية للمعتقلين والشهداء، زلزال ضد القيود والسلاسل ونظام العبودية، زلزال يعيد الاعتبار للإنسان وكرامته المقدسة، زلزال من اجل الحق في الحياة والاستقلال.
زلزال فلسطيني اراه الآن، لا يحتاج الى تنسيق او اذن من احد لينطلق وينفجر، كل شيء قد استوى، هذا الدم الساخن الغزير الملتهب يصهر الصخور والضمائر والنظريات والاتفاقيات المخادعة، يعرف طريق الخروج والصعود والتمدد والانتشار، يقلع ويهدم ويبني ويزرع ويوحد ويرتب المعادلات ويقلب الطاولة.
زلزال فلسطيني اراه الآن، لا يفاوض ولا يحاور، لن توقفه هذه الجلسات واللقاءات والمؤتمرات الدبلوماسية، الدم طفح في المدى، لن تقيده المسميات والتقسيمات الجغرافية، فإما حياة تسر الصديق واما الردى، زلزال يتمرد على المعازل والكنتونات والدوائر المغلقة، زلزال الهوية الوطنية الثقافية الإنسانية، زلزال الشعب الفلسطيني الذي مل من الميكروفونات الصاخبة في هيئة الأمم، ومن التصويت المستمر على مئات القرارات المتكررة، لن نصعد فوق المسرح، سنحرق المسرح، ننزل الستارة، الزلزال هو الخاتمة.
زلزال فلسطيني اراه الآن، عندما يطول هذا الاحتلال ويتعمق، المؤقت الذي صار هو الدائم، رائحة الاحتلال الفاسدة المتعفنة اصابت المجتمع الإسرائيلي، بدأوا يشعرون بهزات الزلازل، يتحدثون عن سيناريوهات الخراب الأخلاقي والديمقراطي والقانوني والعسكري الذي يعم المجتمع الإسرائيلي بكل اطيافه، لا حياة مدنية وحضارية مع دولة تمارس القتل والجريمة المنظمة بحق الآخرين، الزلزال الفلسطيني وصل العقل الصهيوني واسقط القناع، الاحتلال يحاصر السلطة المحتلة في النوم وفي اليقظة، الزلزال هو كابوس الاشباح الضحايا يطارد الجنرال والطيار والوزير والمحقق والقاضي والشرطي والمستوطن والجندي، الزلزال يطارد تحالف اللصوص والطغاة والقتلة، الاحتلال يحمل ضده مهما طال او قصر، يتصدع ويتفكك ويهوي يبحث في المجازر والمنهوبات عن صورة نصر.