الأزمة الإسرائيلية: هل يضحّي نتنياهو بالدولة؟
نشر بتاريخ: 2023-03-08 الساعة: 11:26
---------
أشرف العجرمي
ما يحصل هذه الأيام في إسرائيل لا يشكّل أزمة عابرة أو مجرد خلاف سياسي بين أحزاب وكتل ائتلافية متناقضة، بل هو أزمة وجود بالنسبة لدولة إسرائيل. وهي أزمة غير مسبوقة بكل المقاييس لا من حيث الحجم أو العمق أو ما يمكن أن يتمخض عن استمرارها.
لقد مرت إسرائيل بأزمتين كبيرتين الأولى كانت بعد هزيمتها على يد الجيش المصري في سيناء عام 1973 بعد اقتحام خط بارليف الذي اعتبر آنذاك الخط الأكثر تحصيناً في العالم. وبعد الهزيمة سقطت رئيسة الحكومة في ذلك الوقت غولدا مئير، بعد إقامة لجنة أغرانات التي حملت المستوى السياسي مسؤولية الفشل في الحرب وبسبب الضغط الشعبي اضطرت للاستقالة. والثانية، كانت بعد اجتياح لبنان عام 1982، وحصول انقسام شديد في إسرائيل بسبب الحرب والمجازر وأيضاً بسبب ضربات المقاومة، وهذه انتهت بالانسحاب من لبنان.
الانقسام الآن في إسرائيل حاد وعميق لأسباب داخلية بالدرجة الأولى حتى وإن كانت أبعاده تتعلق بنا أيضاً وتؤثر على مستقبل الصراع والتسوية في المنطقة. فللمرة الأولى يخرج هذا الكم الهائل من المتظاهرين بشكل أسبوعي بتصميم وإرادة على مواصلة التظاهر والاحتجاج وتصعيده حتى تتخلى حكومة بنيامين نتنياهو عن برنامجها الذي يستهدف استقلالية السلطة القضائية وتغيير طابع الحكم في إسرائيل، أو تسقط تحت هدير ثورة الاحتجاج. وهذه مسألة على درجة كبيرة من الجدية والخطورة.
ولا ينحصر الموضوع فقط في خروج مئات آلاف الإسرائيليين ضد الحكومة بل في تطور مشاركة قطاعات غاية في الحساسية في هذه العملية. ففي بداية التظاهرات كانت مختلف القطاعات موجودة من طلاب وأكاديميين وسياسيين ورجال أمن ورجال أعمال وخاصة في قطاع التكنولوجيا المتطورة «هاي تيك» وهؤلاء تحديداً جمعوا الملايين لتمويل عمليات الاحتجاج الشعبي، ورجال الصحافة والإعلام وغيرهم من فئات المجتمع. والجميع تجند ضد الحكومة رفضاً لما تقول عنه «إصلاح القضاء». والأخطر هو دخول جيش الاحتياط على خط الاحتجاج، فقد أعلن 37 طيارَ احتياط من أصل 40 يخدمون في سرب «المطارق» عن رفضهم المشاركة في تدريبات هذا الأربعاء وأنهم سينفذون خدمتهم في الاحتياط في الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة. وهذا السرب هو الذي قصف المفاعل النووي في سورية وينفذ عمليات القصف المتكررة في الأراضي السورية.
وهناك سلاح آخر انضم فيه جنود وضباط الاحتياط للاحتجاج برفض الخدمة وهو سلاح السايبر، وهذا السلاح بالإضافة لسلاح الجو من أهم أعمدة الجيش في الحروب، فسلاح السايبر يضمن لإسرائيل تفوقاً في المعارك في الهجوم على مواقع المعلومات والانترنت. والأمر الآن يتدحرج مثل كرة الثلج في صفوف جنود وضباط الاحتياط، وللعلم جيش الاحتياط في إسرائيل هو الأهم في الحروب، وهؤلاء الذين أنقذوا إسرائيل من هزيمة أكبر وأعظم في حرب 1973 في سيناء باختراق الخطوط المصرية في منطقة الدفرسوار غرب قناة السويس. ويخشى الجنود والضباط الإسرائيليون من المثول أمام المحاكم الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في حال فقد العالم ثقته بالقضاء الإسرائيلي على خلفية التغييرات التي تعتزم الحكومة إدخالها على السلطة القضائية وتحديداً محكمة العدل العليا. وهو خوف يتعلق بمصير كل شخص بشكل فردي. ويمثل دافعاً قوياً لمعارضة مشروع حكومة نتنياهو لتعديل نظام الحكم لصبح خاضعاً تماماً للسلطة التنفيذية. وعندما ينقسم الجيش فوحدة إسرائيل الداخلية في خطر أكيد وهذا ما يحذر منه الخبراء والمحللون الإسرائيليون، حيث يجمع الإسرائيليون على أن الجيش عنوان وحدة المجتمع، ولا يختلفون حوله.
والسؤال الذي يحير الكثيرين هو: إلى أي مدى يمكن لنتنياهو أن يذهب في ظل وجود هذا الشرخ العميق الذي لم يسبق له مثيل في إسرائيل والذي بات يهدد بانهيار المجتمع والدولة؟ فعندما يتعرض الاقتصاد لنكسات شديدة على خلفية تراجع ثقة المستثمرين به وأيضاً نتيجة لعملية العصيان والإضرابات التي تعتزم قوى الاحتجاج خوضها بشكل تصعيدي. وعندما ينقسم الجيش ولم تعد إسرائيل قادرة على شن الحروب وحتى الدفاع عن نفسها في أي حرب جدية قادمة. وحينما تفقد إسرائيل ثقة يهود العالم الذين كانوا من أهم الداعمين لإسرائيل، وتفقد ثقة الغرب الذي يعتقد أنها تتقاسم معه مبادئ وقيم الديمقراطية وتتغاضى عن جرائمها تحت هذا التصنيف الظالم. فماذا يتبقى من الدولة؟ وهل يسمح نتنياهو لنفسه بأن يكون هو الذي هدم «الهيكل»، ويسجل في التاريخ أنه من قضى على مملكة إسرائيل الحديثة؟ هناك من يعتقدون أن نتنياهو سيتراجع في نهاية المطاف ولن يمضي حتى النهاية. وهناك من يقول إن ما يعنيه أكثر من أي شيء آخر هو البقاء في الحكم وعدم الذهاب للمحكمة والوصول إلى نهاية سيرته السياسية.
وبين هذا وذاك يستمر الاحتجاج إلى شعار آخر. وكل شيء بات متعلقاً بقرار شخص واحد بين أن يضحي بنفسه أو يضحي بالدولة.