في القدس وحكومة حزب الزعيم
نشر بتاريخ: 2023-02-24 الساعة: 03:36بقلم:د. عماد عفيف الخطيب
لا تزال الصحف العالمية الأكثر إنتشاراً تكتب وتحلل مآل "دولة إسرائيل" في ظل التحول الذي أحدثه إنتخاب حكومة الإئتلاف الأكثر تطرفاً، حيث تحظى بأغلبية برلمانية تشكلت في إطار "صفقات حزبية" على مبدأ "حكلي لحكلك" منحتها مرونة في تنفيذ "الصفقات" بما يشمل السيطرة على الهيئة القضائية. تقترح صحيفة "فاينانشال تايمز" أن إسرائيل حذت حذو المجر وبولندا والهند حين "إنتخبت زعيماً مصمماً على تقويض أسس الديمقراطية الليبرالية بإخضاعه الهيئة القضائية المستقلة لإرادة البرلمان الإسرائيلي الذي يسيطر عليه حزب الزعيم". وتضيف بأن هذا سيقوض هيئة القضاء ويمنح البرلمان، الذي يسيطر عليه الإئتلاف الحاكم، السلطة الأعلى على قرارات المحكمة العليا. ومن ناحية أخرى، تضيف الصحيفة، بـأن هذا "سيمنح الزعيم السلطة لإختيار قضاة المحكمة العليا، وسيمنح حكومته الغطاء القضائي لتنفذ صفقاتها كما تشاء".
أما ما على "الأقلية" العربية داخل الكيان من مواجهته، تضيف الصحيفة، فهو "الحرمان المتدرج لحقوقهم", وعلى الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة مواجهة "ضم مناطق واسعة من الأراضي المصنفة "ج" ضمن "صفقة" ما يسمى "إضفاء الشرعية على البؤر الإستيطانية" وتنفيذاً لتعهدات "الزعيم" بأن "لإسرائيل الحق في البناء إينما شاءت على أرض إسرائيل".
تقارن الصحيفة بين نتنياهو في "سعيه لإيصال إسرائيل إلى حافة الهاوية"، وبين زعيمي الهند وبولندا الذين إعتبرتهم "متعصبون حقيقيون يعتبرون الضوابط الديمقراطية عقبة أمام أوهامهم الاستبدادية". وتشير الصحيفة في مقالتها إلى مقابلة كانت أجرتها سابقاً في العام 1996 مع "مارتن إنديك"، الذي شغل سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل على فترتين، حيث سلّم رسالة خطية من بيل كلينتون لنتنياهو "يناشده فيها بتجميد بناء المستوطنات في القدس". تذكر الصحيفة على لسان "إنديك" أن نتنياهو قرأ الرسالة ثم وضعها جانباً وقال لإنديك حرفياً "من فضلك قل للرئيس أن السياسة هنا قبلية، وأن قبيلتي أكبر من المعارضة، ولا بد لي من إطعام قبيلتي". وتضيف الصحيفة بأن نتنياهو أطعم قبيلته حينها "المستوطنات" واليوم يطعمها "المستوطنات والديمقراطية الليبرالية"، وقريباً سيطعمها "الضفة الغربية المحتلة".
خلال الأسبوعين الماضيين نشطت الإدارة الأمريكية في زيارات مكوكية لشخصيات رفيعة المستوى للمنطقة صاحبه نشاط إعلامي يحذر تارة وينتقد الحكومة الإسرائيلية وتحديداً "الزعيم" تارة أخرى. أما "الزعيم" فيقول عنه الإعلام الغربي أنه تمكن من التعايش مع هكذا "إنتقادات وتحذيرات" من خلال تقديمه وعوداً غامضة "بالإمتثال" ثم لاحقاً يلوم شركائه المتمردين لفشله "بالامتثال".
وأما سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة بهذا الشأن، ومنذ مباحثات "كامب دافيد" بين إسرائيل ومصر أو بعدها بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية أو الدول العربية أو حتى المؤسسات الدولية، فلا زالت هي نفس السياسات. وتتمثل هذه السياسات بتكثيف الإدارة الأمريكية لنشاطاتها الدبلوماسية، بما فيها الزيارات "المكوكية" للكيانات والدول المعنية وإطلاقها لوعود "هشة". واليوم كما البارحة تتعامل الإدارة الأمريكية بنفس السياسة مع الفلسطينيين والعرب، ولكنها تتعامل مع إسرائيل بتقدم مزيداً من العطايا "للزعيم ولقبيلته" على حساب "الفلسطيني والعربي" الذي لا يزال يمتثل ويراهن على الإدارات الأمريكية المتعاقبة على مبدأ "لعل وعسى".
تختم صحيفة "فاينانشال تايمز" بأن "العطايا" الحقيقة للزعيم ستكون مزيداً من الدعم المالي والعسكري ومزيداً من التسهيلات والخدمات على الجبهة الشرقية التي تستهدفها إسرائيل، ومزيداً من التطبيع "المجاني" مع دول عربية وإسلامية، ومزيداً من "غطاء الحماية" للكيان في المحافل الدولية ضد أية قرارات إدانة يمكن أن تصدر بحقه.
تندرت القبائل العربية قديماً بقصة ومقولة أصبحت لاحقاً مثلاً يقول "بيدي لا بيد عمرو".