تسييس التعليم.. الكارثة الأعظم!
نشر بتاريخ: 2023-02-14 الساعة: 14:34موفق مطر
تقتل الكوارث الطبيعية والحروب بشرا وتدمر مدنا وقرى ومقدرات، أما الكارثة الأعظم التي تفتك بشعب ودولة ومقوماتهما فهي تسييس التعليم والصحة، وأخذهما -باعتبارهما أهم حاجتين إنسانيتين- رهينة لتحقيق مكاسب ضيقة، فئوية، حزبية، وحتى شخصية، حيث تنزع نفوس أمارة بالسوء تتغلغل -باعتبار المهنة- إلى استغلال الكيان الاتحادي المنظم لمهنة التعليم أو الصحة موضوعنا اليوم، فيهبط مستوى الخدمة للمواطن من رأس قائمة الأولويات، ليحل مكانها عقلية رفع مؤشر المكاسب الحزبية في الجسم النقابي، فيما تذهب مبادئ وأهداف التربية والتعليم وصحة المواطن إلى أسفلها، وبذلك نخسر المفاهيم الصحيحة التي على أساس أهدافها النبيلة كانت الاتحادات والنقابات الإطارات الجامعة للعاملين بالمهنة، فيصبح المواطن ضحية الصراعات السياسية التي إذا دققنا النظر فيها فإنها قد منحت الوقت والجهد والقدرات المادية والبشرية على حساب الكفاح والنضال في المعركة المصيرية الأساسية مع منظومة الاحتلال الاستيطاني العنصري (إسرائيل)، وعلى حساب تمتين العلاقة وتعزيز المساندة للحق الفلسطيني لدى الاتحادات والنقابات العربية الشقيقة والدولية الصديقة أيضا!
يحفظ القانون حق الإضراب المشروع ويضمن حقوق العاملين في المهن كافة، وهذا مسار لا بد منه لتأكيد وتثبيت مبدأ الحريات والحقوق التي تنشأ على قواعدها الأخلاقية الدول الديمقراطية الحديثة، لكن نظرة فاحصة على واقعنا الفلسطيني، ورؤية الخطر الوجودي الحقيقي الداهم علينا -بدون استثناء- من منظومة الاحتلال (إسرائيل) يدفعنا للتفكير لإبداع سبل حفظ التوازن المطلوب لاستمرار دوران عجلة الصمود والتحدي والمواجهة والتشبث بالأرض والبيت والأهداف والثوابت الوطنية، وبالتوازي دوران عجلة الحقوق والحريات التي نعتقد بقوتها كرافعة متينة للمسار الأول، لما في ذلك من تمتين لقواعد النضال الوطني وتعزيزه وردفه بخبرات إنسانية بناءة، تعتنق مبدأ الحياة الحرة الكريمة العزيزة المتحررة التقدمية الديمقراطية، تفكر في تحقيق مبدأ الصمود والنضال الوطني والبناء في آن.
إن تعطيل دواليب الحياة التعليمية بين الحين والآخر، تحت عنوان الحق في الإضراب أو الامتناع عن تقديم الخدمة للمواطنين لفترات زمنية معينة، حتى تتحقق مطالب مادية (مالية)، رغم علم الجميع أن موظفي القطاع العام (الحكومة) كافة يعانون نتيجة قرصنة سلطات الاحتلال لأموال المقاصة (الضرائب الفلسطينية) التي تشكل العمود الفقري لرواتب موظفي حكومة السلطة الوطنية، واقتطاع مئات ملايين الشواقل لثني القيادة الفلسطينية الوطنية عن تقديم المخصصات للأسرى وذوي الشهداء التي تعهد الرئيس أبو مازن بحكم العهد والوفاء لهم، بأن تكون مخصصاتهم على رأس جدول المخصصات والرواتب، حتى آخر دينار في خزينة السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، أما امتناع الدول العربية عن تقديم ما تعهدت به في مؤتمرات القمة فلا يحتاج الى شرح وتوضيح، فلشعبنا قيادة كريمة عزيزة، لا يمكنها الهبوط إلى مستوى التسول، ونعتقد أن الجميع قد سمع الرئيس أبو مازن في خطاب له أنه طلب الدعم لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني بمثابة (دين) يرد حين استرداد أموال المقاصة من حكومة الاحتلال، لكن لا استجابة!
إن إغلاق المدارس وعرقلة مسار الحياة التعليمية في فلسطين، ليس الوسيلة لتجسيد مبادئ وأهداف رسالة التعليم، وللتذكير فنحن منذ النكبة شهد العالم على قدرتنا على استخدام التعليم والتربية والتعلم في مواجهة اختراقات هدامة ومدمرة للإجهاز على الشخصية والهوية الوطنية الفلسطينية، ويجب أن نستمر بهذا المنهج مهما بلغت الصعوبات والتحديات، ونعتقد أن الحملة المنظمة التي تشنها سلطات الاحتلال على المؤسسات التعليمية الفلسطينية الخاصة والحكومية في القدس بقصد تفريغها وتهجيرها وإفراغ مناهجها من مضامينها لدليل قاطع يجب أخذه في حساباتنا الوطنية عموما، ففي مثل هذه اللحظات التاريخية الفاصلة لا بد من الرؤية والنظرة الوطنية الشاملة، وتجاوز الخصوصية على أهميتها ونعتقد أن العقلاء الوطنيين في الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين يدركون جيدا أهمية تعزيز مناعة جسم الاتحاد في مواجهة كارثة في ظل انتشار (فيروسات التسييس)!
mat